الدخول المدرسي الجديد وأسئلة تدبير الاختلالات والنقائص


البرنامج الاستعجالي للتربية والتكوين تضارب في استثمارالمنجزات وأسباب الاخفاق والفشل



يتميز الدخول المدرسي الجديد حسب المتتبعين للشأن التعليمي ببلادنا بعودة الجدل والنقاش حول أزمة التعليم العمومي ومنظومة الإصلاحات ورهاناتها المتعددة، خاصة بعد توقيف العديد من مشاريع البرنامج الاستعجالي للتربية والتكوين  2009-2012 الموسم الماضي من لدن وزير التربية الوطنية محمد الوفا. فما بين مبررات الوزير الوصي حول الأسباب وخلاصات نتائج التقويم والافتحاصات ومكامن القصور، وفشل التدابير المتخذة قبل اتخاذ هذا النوع من القرارات، يشدد منتقدوا سياسة الوزارة في هذا الاتجاه إلى كون جملة من المشاريع البيداغوجية كانت قيد التنفيذ بل وتجاوزت سقف الخمسين بالمائة حسب احصائيات الوزارة نفسها. قرار من هذا النوع كان يتطلب حسب المعنيين تشاورا موسعا وإشراكا فاعلا بين الفاعلين ونقاش هادئ من شأنه أن يعيد عقارب مخططات الإصلاح إلى نقط البداية، وسط دخول اجتماعي ساخن ينذر بالاحتجاجات، وأمام تراكم للملفات والقضايا والنزاعات التي يحظى قطاع التربية والتكوين بحصة الأسد منها.

كيف سيكون الدخول المدرسي الجديد؟ وكيف سيتم تدبير الاختلالات والنقائص؟…  أسئلة شائكة من بين أخرى تبرز بوضوح في ظل وضع حالي للتعليم أصبح أكثر سوءا، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة حسب ما تضمنه الخطاب الملكي لذكرى 20 غشت الماضي والذي أعاد أزمة التعليم إلى ساحة النقاش العمومي، ولدى مختلف المتدخلين في حقل التربية والتعليم.

الخطاب طرح الأسئلة المقلقة حول مأزق ورهانات المنظومة التربوية وتراجع للمدرسة العمومية المغربية، بل والقلق المتزايد للأسر على مستقبل أبنائها، مع ماتلى ذلك من تزايد انتقادات الشركاء والفاعلين الأساسيين في حقل التربية والتعليم بخصوص المنهجية المتبعة لتدبير القطاع، وانتكاسات منظومته خاصة بعد تعليق العمل بالبرنامج الاستعجالي للتربية والتكوين من لدن وزير التعليم محمد الوفا في الموسم الماضي. قرار لم يكن ليمر دون تداعيات حيث فتح عليه ردود فعل تراوحت بين المؤيد والرافض لتغييب مفهوم الشراكة في إنجاز وتدبير الأوراش المفتوحة بالبرنامج، وعدم استثمار للتراكمات الإيجابية في القطاع إلى درجة أن هناك من حذر بوضوح من خطر السكتة القلبية للمنظومة التربوية في الأفق القريب.

الوزير الوصي وفي تعليله لإخفاق البرنامج أبرز، في اجتماع سابق للجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب،  نقائصه وحددها على الخصوص في ضعف الاتصال والإخبار في وسط المنظومة التربوية، وفي العلاقة مع الإعلام والشركاء (النقابات وجمعيات آباء واولياء التلاميذ). وفيما يخص بيداغوجيا الإدماج، أكد المسؤول أن هذه الأخيرة ليست لها علاقة بالبرنامج الاستعجالي، ليضيف في ذات الاجتماع  أن “النموذج البيداغوجي تم توقيفه اليوم لأن العالم لا يشتغل بالعقلية الشمولية وللأستاذ حرية في اختيار البيداغوجيات التي تتلاءم ومنطقته.

حصيلة نسبية وليس إيجابية كاملة

الوفا الذي اختار أسلوب المواجهة المباشرة وأكد في نفس السياق أنه تم على مستوى البنيات التحتية إحداث وتوسيع عدة مؤسسات تعليمية، لكن ليس بنفس الوتيرة التي تضمنها هذا البرنامج، إلى جانب تنفيذ مبادرات مهمة على مستوى التكوينات والندوات والتعلمات. وبالمقابل سجل أن الوزارة لم تستطع تنفيذ كل أهداف البرنامج الاستعجالي الذي يهم الفترة 2009-2012، لكونه تضمن أهدافا ومرتكزات كثيرة أدت إلى حدوث تشتت، وجعل “حصيلة هذا البرنامج تكون نسبية وليس إيجابية كاملة”. ورغم الحديث عن الانتكاسات، أشار رغم ذلك إلى أن البرنامج الاستعجالي نفذ في بعض أجزائه بشكل جيد وفي بعض الأجزاء لم ينفذ “لأنه لم تكن هناك القدرة على الإنجاز، ولكونه برنامجا أكبر من حجم وزارة التربية الوطنية” مسجلا أن الوزارة تقوم الآن بمراجعة تدريجية له على أساس تحديد أهداف وبرامج واضحة مبنية على الجودة والبحث عن كيفية تحسين جودة التعليم باعتباره مرتكزا أساسيا في المنظومة التربوية.

لكن بالمقابل يرى المدافعون عن البرنامج أن الحديث عن فشله وقرار التراجع عن تنفيذ مشاريعه هو موضوع سابق لأوانه حسب عدد من الفاعلين التربويين، وذلك بالنظر للمنهجية التي تم بها التوقيف والتي طبعها التسرع – حسب الفاعلين – والتخلي عن كل الشروط العلمية والمهنية من تقييم شامل قبل اتخاذ القرار، وإعداد البدائل القابلة للتحقيق، وتفادي الإخلال بسير الموسم الدراسي، وفراغ في الميدان، وتجنب الفوضى والارتجال في سن السن المخططات الإقتة.

بين خطاب الإخفاق والنجاح

وما بين خطاب الإخفاق، والنجاح، ومسوغات قرار وقف البرنامج الاستعجالي وإلغائه دون سابق إنذار، تتباين الأرقام والنسب، ومعها تقارير الوزارة نفسها التي أكدت أن محاربة التكرار والانقطاع عن الدراسة الذي تضمنه البرنامج الاستعجالي تحقق بنسبة 68 بالمئة، فيما تجاوزت نسبة تحقيق المشاريع البيداغوجية 50 بالمئة. التقرير المتعلق بالنتائج الأولية لعملية تقويم وافتحاص مشاريع البرنامج الاستعجالي (الجانب البيداغوجي) والذي قدمه المفتش العام للشؤون التربوية خلال اجتماع للجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب حيث أشار إلى أن نسبة الانقطاع عن الدراسة بالتعليم الابتدائي على المستوى الوطني بلغت 1ر3 بالمئة وهي نسبة قريبة من تلك المتوقعة في البرنامج الاستعجالي (8ر2 بالمئة.

وباعتراف نفس التقرير، فإنه رغم وضوح وأهمية الغايات والأهداف والتصورات المؤطرة للبرنامج الاستعجالي وبالرغم من الاعتمادات الهامة المرصودة لتنفيذه، فإن حجم وثقل هذا البرنامج (26 مشروع وأكثر من 130 تدبير و300 مؤشر) ومحدودية القدرات التدبيرية والتنظيمية لدى مصالح الأكاديميات والنيابات، حالا دون تحقيق كل النتائج المرجوة. وفي ظل كل تضارب هذه المعطيات هل كان إذن قرار الوفا رصاصة الرحمة القاتلة أم عودة إلى نقطة الصفر؟ هكذا يتساءل المتتبعون للشأن التربوي، لتوقيف العمل بمخطط البرنامج قبل دراسته أو تكوين لجان لافتحاصه وتبيان معالم فشله أو نجاحه، وتفعيل المسؤولية يالمحاسبة خاصة أن معظم المشاريع المضمنة في البرنامج كانت قيد التنفيذ، حيث أوضحت وزارة التربية الوطنية في أحد  بلاغاتها حول “النتائج الأولية لتقويم وافتحاص مشاريع البرنامج الاستعجالي”، أن 55 بالمائة من ميزانية البرنامج مازال الجزء الأكبر منها مودعا في خزينة الدولة، فيما الجزء الآخر هو اعتمادات تم تفويضها للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وهي مخصصة بالأساس لمشاريع بناءات مدرسية في طور الإنجاز أو مبرمجة.

الوفا:  هذه أسباب فشل البرنامج الاستعجالي:

غياب المقاربة التشاركية..

غياب المقاربة التعاقدية

غياب تام للافتحاص الواجب للصفقات

عدم استقرار مدبري مشاريع البرنامج

كشف تقرير للافتحاص المالي لتنفيذ مشاريع البرنامج الإستعجالي، الخاص بالتعليم المدرسي عن فشل هذا البرنامج والذي كلف ميزانية الدولة 33 مليار درهم خلال أربع سنوات، 2009-2012. الوفا كان قد أوضح في أول وثيقة رسمية تقيم هذا البرنامج، خلال اجتماع للجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، خصص لتقييم حصيلة البرنامج، أن البرنامج الإستعجالي تعتريه عدد كبير من النقائص أدت إلى فشله، حيث أجملها في غياب المقاربة التشاركية في تنفيذ مشاريع البرنامج، إضافة إلى غياب المقاربة التعاقدية، وعدم استقرار مدبري مشاريع البرنامج على تدبير المصالح المالية، مشيرا إلى غياب تام للافتحاص الواجب للصفقات التي تفوق كلفتها 5 ملايين درهم، علاوة على غياب تام لتقارير انتهاء تنفيذ الصفقات التي تفوق كلفتها 1 مليون درهم. الوزير أشار إلى أن عددا من الأكاديميات لم تنجز سوى 5 % من المدارس كما أن 31.4 % من الثانويات بلغت فيها نسبة الاكتظاظ فوق 40 تليمذا، وهي نسب مقلقة على حد تعبير الوزير.

وفيما تجاهل انقطاع التلاميذ عن الدراسة في الثانوي، اعترف الوفا أن المنقطعين في الإعدادي تجاوز 10.80 % أما على مستوى التعليم الإبتدائي فقد وصلت نسبة المنقطعين 3.1 %. أما عن نسب الاكتظاظ ما فوق 40 تلميذا بالقسم، فقد سجل التعليم الإبتدائي نسبة بلغت 7.9 %، أما الإعدادي فقد بلغ 14.4 %، بينما تجاوزت هذه النسبة 31.4 % بالتعليم الثانوي،  ذات الأرقام أشارت إلى أن الميزانية الإجمالية المرصودة لتنزيل البرنامج الإستعجالي على مستوى الأكاديميات الجهوية برسم الفترة الممتدة بين 2009 و2012، تمثل 85.74% من مجموع الإعتمادات المرصودة لإنجاز هذا البرنامج.

ما حققه البرنامج الاستعجالي في الجانب البيداغوجي

وفقا لتقرير وزارة التربية الوطنية حول مدى تنفيذ مختلف المشاريع البيداغوجية التي تضمنها البرنامج الاستعجالي، والمتعلق بالنتائج الأولية لعملية تقويم وافتحاص مشاريع البرنامج الاستعجالي (الجانب البيداغوجي) أبرز أن نسبة تحقق جميع هذه المشاريع البيداغوجية فاقت 50 بالمئة باستثناء مشروعي مراجعة المناهج (19 بالمئة) وتعزيز التحكم في اللغات (3 بالمئة).

وأوضح أن خمسة مشاريع سجلت نسبا جيدة (تعزيز آليات التأطير والتفتيش التربوي 73 بالمئة، وتحسين جودة الحياة المدرسية 70 بالمئة، وتحسين نظام التقويم والإشهاد 68 بالمئة، ومحاربة التكرار والانقطاع عن الدراسة 68 بالمئة)، ومشروعان سجلا نسبا فوق المتوسط (إدماج تقنيات الاعلام والاتصال وحفز روح الإبداع ضمن مجال التعلمات وتطوير العدة البيداغوجية 64 بالمئة)، في حين سجلت أربعة مشاريع نسبا مقبولة تراوحت بين 54 و58 بالمئة (تشجيع التميز، ووضع نظام ناجع للاعلام والتوجيه، وإنصاف الاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وتطوير التربية البدينة والرياضة المدرسية). .

وبخصوص نسب التمدرس بالتعليم الأولي، أبرز التقرير أنه تم تحقيق 63 بالمئة كنسبة على المستوى الوطني، والتي تبقى أقل من توقعات البرنامج الاستعجالي (95 بالمئة). أما نسبة تمدرس أطفال الفئة العمرية 11-6 سنة فقد تجاوزت على المستوى الوطني توقعات البرنامج الاستعجالي (95 بالمئة)، بينما سجل مؤشر تمدرس أطفال الفئة العمرية 14-12 سنة 79 بالمئة على المستوى الوطني، وهو لا يرقى إلى ما كان متوقعا في البرنامج الاستعجالي (90 بالمئة).

وبلغت نسبة تمدرس أطفال الفئة العمرية 17-15 سنة، 53 بالمئة على المستوى الوطني، وهي تقترب من توقعات البرنامج الاستعجالي (60 بالمئة).

وأظهر التقرير أن نسبة الاكتظاظ بالتعليم الابتدائي بلغت على المستوى الوطني 9ر7 بالمئة، و4ر14 بالمئة بالإعدادي، و4ر31 بالمئة بالثانوي التأهيلي

التقرير أشار إلى أنه ورغم  وضوح وأهمية الغايات والأهداف والتصورات المؤطرة للبرنامج الاستعجالي، وبالرغم من الاعتمادات الهامة المرصودة لتنفيذه، فإن حجم وثقل هذا البرنامج (26 مشروع وأكثر من 130 تدبير و300 مؤشر) ومحدودية القدرات التدبيرية والتنظيمية لدى مصالح الأكاديميات والنيابات، حالا دون تحقيق كل النتائج المرجوة.

مرتكزات البرنامج الاستعجالي لإصلاح منظومة التربية والتكوين؟

لتسريع وثيرة إصلاح منظومة التربية والتكوين وتطبيقا للتوجهات الملكية المتضمنة في خطاب افتتاح الدورة الخريفية لسنة 2007 وضعت وزارة التربية الوطنية و التعليم العالي و تكوين والبحث العلمي، برنامجا استعجاليا طموحا ومجددا يمتد على مدى أربع سنوات 2009-2012 . وقد اعتمد في صياغة البرنامج الاستعجالي على التقرير الوطني الأول حول حالة منظومة التربية والتكوين وآفاقها الذي أصدر سنة 2008 من طرف المجلس الأعلى للتعليم، البرنامج توخى تحقيق أهداف تدخل ضمن أربع مستويات أساسية.

تعميم التمدرس وإلزاميته

المستوى الأول: يشدد البرنامج الاستعجالي على التحقيق الفعلي لإلزامية التمدرس إلى غاية 15 سنة يمثل تعميم ولوج الأطفال إلى التعليم، والاحتفاظ بهم في المنظومة التربوية، حتى نهاية مرحلة التمدرس الإلزامي. فأعدادا كبيرة تشير الاحصائيات الرسمية من الأطفال لا تلتحق بالمدرسة، أو تغادرها قبل بلوغ سن الإلزامية، كما يسجل ارتفاع نسبة التكرار بشكل كبير، حيث تراوحت نسبتها سنة 2006 ما بين %12.7 في السلك الابتدائي و %16.9 في السلك الثانوي الإعدادي.

توسيع التغطية المجالية والطاقة الاستيعابية للمؤسسات الابتدائية والثانوية الإعدادية، الحرص على تأهيل البنيات التحتية والتجهيزات المدرسية، لتوفير ظروف ملائمة للتعلم. البرنامج توخى ضمان تكافؤ الفرص وبتجاوز الحواجز السوسيو اقتصادية أو الجغرافية لعدم الالتحاق بالمدرسة أو الانقطاع عن الدراسة من خلال توفير الداخليات والمطاعم المدرسية والنقل المدرسي ومختلف أشكال الدعم المادي. » وضع خطة فعالة لمحاربة ظاهرتي التكرار والانقطاع عن الدراسة. » الارتقاء بالرياضة المدرسية ثم إنصاف الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة،وضمان شروط تمدرسهم وإدماجهم داخل المنظومة.

*حفز روح المبادرة لتحفيز سوق الشغل

المستوى الثاني: يشكل تفعيل إلزامية التمدرس، إلى حدود 15 سنة على الأقل من خلال حفز روح المبادرة والتفوق في المؤسسات الثانوية وفي الجامعة يقتضي، وبصفة موازية، تشجيع وتنمية التمدرس ما بعد هذه السن، في الثانوي التأهيلي، و التعليم العالي ، خاصة أن ما يقارب نصف الأطفال بالنسبة للفئة العمرية التي تتراوح أعمارهم ما بين 15-17 سنة غير متمدرسين، فضلا عن أن أعداد الطلبة بالجامعة، لا يشكلون سوى 12 % من الذين تتراوح أعمارهم ما بين 19 و 23 سنة. كما إن أعدادا كبيرة من الحاصلين على شهادات التعليم العالي ،لا تجد منافذ لسوق الشغل، بسبب التباعد الحاصل بين التكوينات المدرسة، وحاجيات سوق الشغل. لهذه الغاية، يقترح البرنامج الاستعجالي اتخاذ مجموعة من التدابير العملية، لحفز وتشجيع المبادرة والتفوق، في المستوى الثانوي التأهيلي والجامعي عن طريق تأهيل وتطوير شبكة الثانويات التأهيلية.

* دعم الموارد البشرية وتأهيلها

المستوى الثالث : مواجهة الإشكالات الأفقية للمنظومة التربوية حيث تشكل الموارد البشرية حاليا، بحكم حجمها وتأثيرها، إحدى الدعائم الأساسية لإصلاح منظومة التربية والتكوين. وعليه، فإن أي تدبير من التدابير المتخذة لتحسين جودة هذه المنظومة يجب أن يراهن بالضرورة على الموارد البشرية،انطلاقا من هذا المعطى، تم تحديد ثلاث دعامات كبرى في البرنامج  وهي: » تعزيز الكفاءات . تعزيز التأطير وتتبع وتقويم مختلف المتدخلين،. ترشيد الموارد البشرية. » كما يمثل تحسين أشكال تدبير وقيادة المنظومة التربوية منطلقا جوهريا لنجاح الإصلاح. وفي هذا الصدد سيعاد النظر في أشكال الحكامة الحالية، وفي سبل ترشيدها، وذلك انطلاقا من توجهين أساسين:

1- استكمال سياسة اللامركزية واللاتمركز.
2- الانتقال إلى حكامة غير متمركزة.

* ضمان وسائل النجاح للبرنامج

المستوى الرابع : توفير وسائل النجاح يسعى البرنامج الاستعجالي 2012/2009 وذلك بتوفير الوسائل والإمكانات اللازمة واستدامتها، وذلك عبر تعبئة التمويلات اللازمة، والاستعمال الأمثل للوسائل المتوفرة، ودعوة الشركاء الأساسيين للانخراط في استكمال أوراش الإصلاح، لبلوغ الأهداف والنتائج المنشودة من هذا المشروع المجتمعي. لهذه الغاية، ينبغي العمل بجدية على تطوير مردودية المنظومة، واعتماد سياسة جريئة ودقيقة لترشيد النفقات. إضافة إلى توفير الموارد المالية الضرورية و ضمان استدامتها، عبر تنويعها، ووضع آلية مناسِبة للتمويل اللازم، وكذا تتبع ومراقبة الممتلكات. وعلى مستوى آخر، يعد انخراط وإشراك مختلف الفاعلين في الإصلاح، شرطا ضروريا لإنجاحه، وذلك عبر بلورة استراتيجية اتصال داخلي وخارجي ناجعة، موجهة لكل الفاعلين داخل المنظومة، وللشركاء في الداخل والخارج.

محمد خفيفي

باحث في قضايا التربية والتكوين

الإصلاح يتطلب استثمار النقط المضيئة في منظومتنا التربوية

وتفعيل المقاربة التشاركية

1- كيف تقرؤون الدخول المدرسي الجديد في ضوء ماحمله الخطاب الملكي ل20 غشت الماضي من قراءات وانتقادات للاختلالات المتعددة للمنظومة التربوية وتراجع مستمر للمدرسة العمومية المغربية؟.

- يمكن اعتبار الدخول المدرسي الحالي بأنه استثنائي بكل المقاييس التي تجعله محط أنظار المتتبعين والفاعلين سواء في  الحقل التربوية أو السياسي. دخول مدرسي يأتي وسط ترقب كبير وسؤال عريض حول من ستوكل له حقيبة التعليم، ومن ستعهد له مهمة إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد الفشل والإخفاق الذي عرفته المنظومة التربوية ببلادنا، والتي جاء خطاب 20 غشت الماضي ليفضح اختلالاتها البنيوية العميقة والتي من نتائجها هذا الوضع السيء الذي تعيشه المدرسة العمومية المغربية، ووضعها في عزلة فريدة غير محمودة من حيث عدم مواكبتها للثورة المعرفية والمعلوماتية التي يعرفها العالم، وبُعدها عن الانخراط في قضايا المجتمع والتفاعل مع ظواهره الجديدة، وعقم المناهج والبرامج المفروض فيها تحفيز القدرات الذاتية للمتعلمين، وارتباط أغلبها بالحفظ والتلقين والانجذاب للماضي دون مراعاة المستجدات الهائلة التي يوفرها التقدم العلمي والتقني والمعلوماتي…

دخول مدرسي موسوم بهذا النقاش المهم الذي تعرفه بلادنا حول واقع التعليم؛ نقاش يسكن الآن مقرات الأحزاب السياسية المفروض فيها أن تقدم أجوبة عن الإشكالات الحقيقية فيه، ويحضر بقوة في نقاش واجتماعات  النقابات التعليمية من جانب تقويم أداء الوزير الحالي الذي أدخل المنظومة في متاهات كبرى، ويحضر كذلك لدى المهتمين من الباحثين والفاعلين في الحقل التربوي عموما ناهيك عن الأسر المغربية المعنية المباشرة بالتعليم وبمستقبل أبنائها. وفي خضم هذا النقاش فإن سؤالا مركزيا مقلقا يشغل بال الرأي العام  بأكمله هو قدرة المجلس الأعلى للتعليم على رأب الصدع وتجاوز هذا الوضع المقلق وطرح بدائل تنير الطريق وتضع سكة التعليم فوق المسار الصحيح.

2- في نظركم هل توقيف العديد من مشاريع البرنامج الاستعجالي، من لدن الوزير الوصي على قطاع التربية والتكوين في الموسم الماضي جاء بناء على تقييم وافتحاص شامل للبرنامج واخفاقاته أم أنه كان قرارا سياسيا بامتياز؟

- إن المتتبع للشأن التربوي لا بد أن يلاحظ التسرع غير المدروس وقصر النظر والانفعال في التعامل مع مشاريع البرنامج الاستعجالي، حيث تم توقيف العمل بالعديد من مجالاته بناء على افتحاص غير مقنع، وهو فعل أصنفه في خانة الشعبوية التي عزف عليها بعض الوزراء(الرباح مثلا وهو يقدم لائحة المستفيدين من اقتصاد الريع دون تجاوز ذلك للمتابعة القضائية)، إن البرنامج الاستعجالي بما تضمنه من نقط إيجابية تهم تطوير التعليم الأولي وتأهيل المؤسسات التعليمية ومحاربة ظاهرة التكرار والانقطاع والإلحاح على جودة الحياة المدرسية وكذلك الاهتمام بالبنيات التحتية…

إن الافتحاص الذي قامت به وزارة التربية الوطنية يهم في جانب كبير منه تأهيل وتجهيز المؤسسات التعليمية، وقد كشف عن اختلالات وتبذير ونهب للمال العام، غير أن ذلك لا يسوغ توقيف مشاريع أخرى كان الهدف منها إعادة الثقة للمدرسة العمومية والرفع من وضعها الاعتباري في علاقتها بمحيطها والانخراط عبر مقاربة تشاركية، مع كل المكونات الفاعلة في القطاع، بإتمام الأوراش التي كانت الوزارة قد بدأت العمل فيها بمقاربة إصلاحية تقويمية تستفيد على الأقل من الأموال الطائلة التي رصدت لعدد من المشاريع، فالوزير عمد وبشكل انفرادي إلى اتخاذ قرارات متسرعة أربكت التوجه العام الذي كانت الوزارة منخرطة فيه من قبيل توقيف العمل ببيداغوجيا الإدماج دون وضع مخطط بديل، وكذا البرنامج الاستعجالي الذي عُوض ببرنامج العمل المتوسط المدى 2013-2016 والذي لم يكن إلا نسخة رديئة من البرنامج الأول تغيب عنه الأهداف الكبرى للبرنامج الحكومي في علاقتها بالدستور الجديد خصوصا ربط المسؤولية بالمحاسبة  لذلك يمكن القول وهذا اعتقاد شخصي أن هذا التوقيف كان محكوما بنوايا سياسية أرادت أن تصفي الحساب مع إرث سياسي سابق دون الاكتراث بانعكاسات هذا النوع من القرارات على السيرورة المخططات والبرامج

3- غياب بدائل وعدم الاكتراث بالنتائج المحتملة لهذا النوع من القرارات في حقل حيوي كمجال التربية، هل سيعيد عقارب الإصلاح في قطاع التربية إلى الوراء أم أنه سيشكل دافعا لاتمام المنجزات المحققة؟

- بناء على الاعتبارات السابقة، فإن مثل هذه القرارات أدخلت المنظومة في دوامة الارتجال والتشكيك خصوصا مع غياب بدائل يمكن أن تعوض الفراغات التي حصلت مثلما هو الحال بالنسبة لبيداغوجيا الإدماج. إن الوضع الحالي يوجب الإقرار بضرورة إتمام ما تم البدء فيه سابقا لتسريع وتيرة الإصلاح بشعار استمرارية الإدارة وبمنطق يتعالى على المزايدات السياسية الضيقة التي لا نقبل أن ترهن أبناء الشعب المغربي في يد أي أحد. وبالتالي يستوجب الأمر فتح حوار حقيقي وديمقراطي بين كل المكونات، يُتمم ما تم التعاقد حوله في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ويستأنس بخلاصات تقرير الخمسينية المهمة، ويستثمر بعض النقط المضيئة في منظومتنا بجرأة تعلن أن عددا من الممارسات والقضايا والإشكالات يجب إعادة النظر فيها ومراجعتها. وبالتالي فالوضعية الحالية تستوجب فتح حوار حقيقي وديمقراطي بين كل المكونات، يُتمم ما تم التعاقد حوله، ويستأنس بخلاصات تقرير الخمسينية المهمة، ويستثمر بعض النقط المضيئة في منظومتنا بجرأة تعلن أن عددا من الممارسات والقضايا والإشكالات يجب إعادة النظر فيها ومراجعتها.


محمد عارف




تعليقات

المشاركات الشائعة