بين الحق في النضال السلمي و قرار الاقتطاع
يبدو
أن العبث يصر على أن يكون الصفة الأبرز لحكومة "ثورة الصناديق" - ثورة
المليون و 300 الف صوت! -؛ فبدل التفاعل الإيجابي مع المطالب الاجتماعية
للشغيلة، و التقدم بالحوار الاجتماعي خطوات جديدة نحو الأمام. و بدل ضمان
الحريات السياسية و النقابية و أشكالها النضالية السلمية -و من بينها
الإضراب- الذي طالما تغنينا
بمشروعيته حتى في عهد الحسن الثاني و البصري، تُطِلُّ علينا "حكومة بن
كيران" اليوم بمنطق جديدٍ غريب، منافٍ لشعارات عهد الانتخابات، ومناقضٍ
لأقوال أيام زمان.
"اليوم"
لا حق لك في الإضراب، ولا تحلم بالنضال "غدا" و في قادم الأيام. "اليوم و
غدا" لا حديثَ بعدُ عن مشروعية الإضراب لأنه "يتعارض مع روح الدستور"، أو
كما قال "الناطق" و يا ليته ما نطق. فتحية عالية "للغيور" على روح
الدستور، و لا أدري لِمَ تُكْتَبُ الدساتير، هل لحماية الشعوب و ضمان
حقوقها، أم لقهرها و إذلالها و سلب حرياتها؟
و
في سياق قرار الاقتطاع، أو "قرار الردع" على غرار "قوات الردع"، كنت
أتساءل دائما: ألم تفكر الحكومة أن هنالك فرقا شاسعا بين المضرب من أجل
حقوقه بالأساليب السلمية المشروعة المكتسبة تاريخا و نضالا، و بين المتغيب
من أجل الغياب فقط، تكاسلا و تخاذلا؟ وهل يصح الاقتطاع للاثنين، علما أن
الفرق ما بين علة هذا و ذاك كما بين السماء و الأرض؟
هل
سيكون "اقتطاعا بوجه حق" أم "اقتطاعا من حق"، حقِّ مواطن، لم يفعل شيئا
سوى أنه طالب بحقوقه؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " «من اقتطع حق
امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة» فقال رجل:
وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ فقال: «وإن كان قضيبا من أراك ". [صحيح
مسلم]
تراجعات
خطيرة، و مساس مفرط بالحقوق و الحريات، و انتكاس نضالي كبير. و ليتأكد
السيد "بنكيران" أن كل رجل تعليم طال "الاقتطاعُ الظالمُ الرادعُ" رزقَ
أبنائه، لن يفكر "اليوم وغدا" في التصويت على "سبب الانتكاسة"، و أن هذه
الشريحة الواسعة التي تربي الأجيال و تُكَوِّنُ أطر الغد، ستكون "اليوم
غدا" قاعدة تعبوية عريضة ضد من سلبها حقوقها و نكس نضالها.
حين
يُواجه النضالُ السلميُّ المطالبُ بالحقوقِ، بالتهديد و الوعيد، و
بالاقتطاع، فهذا لا يعني شيئا آخر غير اللعب بالنار، و استعداء الشغيلة، و
دفعها لإيجاد بدائل تناسب التعنت و الوعيد الحكومي المناقض لأبجديات
الحوار. لا يعني شيئا آخر غير تعميق الهوة، و إبعاد الشقة، بدل رأب الصدع
و تقريب وجهات النظر، و إلا فما معنى شعارات الحكامة و التشاركية التي
أضحت فاقدة لكل المعاني في ظل سياقات كهذه.
حينها
ستقوم الشغيلة التعليمية و غيرها بدورها التاريخي "المعهود" في التوعية و
فضح الأحزاب و النقابات المُتَحَوِّلَة المساندة للاقتطاعات، داخل
المؤسسات و في النوادي و المتنزهات و المقاهي و كل مكان.
والسلام على المُقْتَطِع "بن كيران".
عبد الصمد الكطابي
تعليقات
إرسال تعليق