قراءة في المخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم بالمغرب



                                                                       عبد الشافي خالد



لا نحتاج لكثير من التفصيل لتأكيد الأهمية القصوى لقطاع التربية و التعليم، كسبيل وحيد وأوحد للنهوض بالأوضاع الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية والثقافية للمجتمعات، خاصة في الفترة المعاصرة - أو ما يسمى بالعصر التكنولوجي أو عصر اقتصاد المعرفة المعولم – حيث غدا الاستثمار في الرأسمال البشري، الحلقة الضرورية للمرور نحو التحديث والعصرنة و التقدم.وبه لابد أن تفرض التطورات الجد متسارعة للمجتمعات على كافة الأصعدة داخليا وخارجيا، على الدول المتقدمة والنامية بل والمتخلفة، إعادة النظر المستمرة، في برامجها ومناهجها التربوية تبعا لتوصيات مالكي وسائل الإنتاج والإكراه محليا ودوليا في شخص البنك وصندوق النقد الدوليين ومنظمة التجارة العالمية كأكبر مخططي البرامج والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عابري للقوميات والحدود و الثقافات و الخصوصيات،تحت شعار الحداثة و العولمة والتقدم... وهو الدور الذي ترسخ وتعمق تدريجيا منذ سقوط جدار برلين قبل عشرين سنة من الآن، معلنا سقوط نظام وانبثاق آخر عالمي جديد كما وصفه جورج بوش الأب ، إنه عهد الليبرالية العالمية الأمريكية القيادة والكونية التوجه ، لينكشف وينفضح هذا التدخل من قبل تلك المؤسسات عبر توصياتها المستمرة خاصة خلال التسعينيات وبداية هذه الألفية، ماذا عن سياق ظهور "مشروع المخطط ألاستعجالي" ؟؟؟


1) السياق العام لمشروع المخطط الاستعجالي كاطار نظري عام

حتى لا نطيل ونغرق في تفاصيل وثنايا التاريخ المعاصر للمغرب، وتتبع الدعوات والبرامج الإصلاحية في حقل التربية والتعليم بالبلاد، نشير فقط إلى أن العقيدة التربوية التي هيمنت أكثر من غيرها على الأدبيات التربوية على الأقل قبل 1999 كانت هي المبادئ الأربعة: التوحيد ،المغربة،التعميم و التعريب ، وذلك منذ إعلانها من طرف اللجنة المكلفة بإصلاح التعليم في نهاية الخمسينات ، أما بعد صدور توصيات البنك الدولي في منتصف التسعينات، فقد تم تشكيل لجنة ملكية لإصلاح التربية والتكوين،منذ 1999 لتتمخض أشغالها عن ظهور ما يسمى" بالميثاق الوطني للتربية والتكوين" والذي أصبح "إنجيل" الإصلاح التعليمي والتربوي منذ ذلك الحين، خصوصا بعد التأكيد على المشروعية التي يتمتع بها: لحدوث التوافق الوطني المزعوم حوله، من طرف كل المتدخلين والفاعلين ، خاصة مع أجواء التناوب على المستوى السياسي بما هو إدماج لنخبة الحركة الوطنية في نسق السلطة المهيمنة، وما ترتب عن ذلك من نتائج...
ولعل مرور نصف عشرية الإصلاح المرتقب ، قد أظهرت عدة مؤشرات صادقة عن الاتجاه نحو الفشل في تحقيق الأهداف، مما دفع السلطات العليا في البلاد إلى دعوة الوزارة لإعداد مخطط إستعجالي " في خطاب ملكي بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للمؤسسة التشريعية ، ليتم الاعتماد على توصيات المجلس الأعلى للتعليم في تقريره لسنة2008 "لإعداد برنامج استعجالي طموح و محدد"أي إجرائي " لإعطاء الإصلاح نفسا جديدا"معتمدا الميثاق كمرجعية أساسية" ومضمون التقرير السابق كموجه عام"،كما تمت أجرأته حسب مجالات أربع على غرار التقرير حسب الأهمية المعطاة لها، كما قيل.
وبه يمكن إدراجه ضمن محاولات "التقويم و الدعم" لسيرورة الإصلاح المفترضة، بعدما اعترف الكل بوجود عوائق وعراقيل تبطل مفعول الإجراءات، المتخذة في إطار أجرأة الميثاق في جوانبه الكمية والنوعية وعلى كل المستويات ومكونات المنهاج الدراسي من برامج وكفايات وأدوات وطرائق وتقويم وبنيات تحتية ... أي كل عناصر المنظومة التربوية باعتبارها بنية أو نسق من العناصر المتفاعلة والمتداخلة، لا تستثني الفاعلين كالأساتذة والإدارة، والتلاميذ، كفاعلين مركزيين أو أساسيين إضافة إلى فضاء التعلم بالقسم أو المؤسسة عموما...
إنه إنقاذ أو محاولة لتجنب الوصول إلى حالة فشل الإصلاح خاصة أن موعد التقويم النهائي أي 2010 كان قد حان، لتقييم حصيلة نتائج تطبيق بنود الميثاق مما ضغط على المسؤولين للتسرع و الاستعجال في إصدار مشروع ، يمثل ضمنا اعترافا صريحا ورسميا، بفشل الإصلاح وحاجته إلى إصلاح... فماذا عن أهم محاور هذا المشروع الجديد للإصلاح؟

2) الخطوط العريضة للمشروع:

قبل البدء، وإن كانت هذه المحاولة، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تدعي لنفسها بأن تكون جامعة مانعة كما يقول المناطقة، وإذا كان الحديث فيما هو إنساني عموما، ذو شجون، لتعقيد الظواهر الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية والثقافية وارتباطاتها البنيوية، وإذا كان الخوض في المسألة التعليمية في المغرب وغيره، أمرا بنفس الإكراهات والحدود والتحديات، فإن طبيعة المساهمة، ولكونها ليست،بحثا أكاديميا أو ميدانيا، أو مجرد تأملات نظرية - بل محاولة لتجميع وتركيب عدة عناصر من كل ما سبق، لتقديم صورة مبسطة وواضحة بشكل وظيفي وعملي، لكل ّذلك إذن، فإن أدبياتنا ستقتصر على الميثاق الوطني للتربية والتكوين، من جهة كونه الدستور المدعى لعملية الإصلاح الحالية بالمغرب في الحقل التعليمي، ووثيقة التقرير التركيبي لمشروع المخطط الإستعجالي،ثم ملخص تقرير المجلس الاعلى للتعليم لسنة 2008 وذلك طبعا لضمان تحديد الموضوع في حده الأدنى من جهة، ونظرا لأن هذه الوثائق في اعتقادنا تمثل خلاصة وعصارة الإجراءات المفترض فيها، تنزيل السياسة التعليمية للدولة أو الطبقة المهيمنة عليها وعلى المجتمع، على أرض الواقع.

وإذا تعددت الانتقادات والمواقف من ما يسمى" المخطط الإستعجالي " من جل المتدخلين تربويين ونقابيين وسياسيين واقتصاديين...فإن ما يهمنا ، هو التركيز على هذه الوثائق وخاصة أنها مختصرة، ورسمية أي معبرة عن الإرادة السياسية للدولة في قطاع اجتماعي حساس ، وإذا كان المبدأ الموجه كما قيل للمخطط الاستعجالي"هو جعل المتعلم في قلب المنظومة، وجعل باقي الدعامات في خدمته" فإن ذلك ليس بجديد على ما ورد في الميثاق ، إذ صرّح في أول نقطة في الغايات الكبرى" أن إصلاح التربية والتكوين ينطلق من كون المتعلم عموما والطفل خاصة في قلب الاهتمام والتفكير والفعل من خلال العملية التربوية التكوينية ...
أما هيكلة المخطط فقد انقسمت إلى ثلاثة أجزاء:

 تذكير بالتوجيهات والمكتسبات ( أي تشخيص الواقع الحالي).
 استعراض المشاريع المقترحة.
 تقديم العدة التدبيرية، اللازمة لضمان قيادة المشاريع عن قرب.

أما الأهداف المعلنة فهي:

 خلق مؤسسات جيدة.
 خلق مدرسون أكفاء.
 تثبيت تعلمات تستهدف الكفايات الأساسية.

وقد تمت ترجمة تلك الأهداف في شكل أربعة أهداف أساسية، اعتبرت مجالات التدخل ووزعت المشاريع عدديا عليها كالتالي:

 المجال 1: من 1 إلى 10
 المجال 2: من 11 إلى 14
 المجال 3: من 15 إلى 21
 المجال 4: من 22 إلى 23

وبعد توزيع المشاريع كما أدرجت على المجالات الأربع التي عنونت بالأهداف الأساسية المعلنة للمخطط الاستعجالي، والتي اعتبرت ترجمة صادقة لمضامين الميثاق وتقرير المجلس الأعلى للتعليم. كما ادعى واضعوا المخطط، نؤكد بأن هذا الربط هو ما دافع به المؤيدون ، ضد النزوعات النقدية التي ظهرت علنا لمضامينه سواء بعضها أو كلها، من فاعلين كثر، خصوصا، حول مسألة تغييبهم جميعا، كما أكدوا في مرحلة إعداده، على غرار الميثاق، مما يعني استمرار منطق التعليمات "من فوق" السائدة منذ زمن طويل رغم ما حاول المروجون له من وزارة وممثليها من أن عملية التواصل والتعبئة بخصوصه ستكون بتواز مع بدء التطبيق؟ انه حوار وتعبئة ومشاركة، يقتصر التشاور فيه في المرحلة الأخيرة أي كيف العمل؟ أما لماذا العمل؟ وما العمل؟ فهي للمتحكمين في وسائل الإنتاج و الإكراه والسلطة بمختلف مظاهرها والحقول التي تمارس فيها سواء كانت أجهزة قمعية أو إيديولوجية كالمدرسة...
أما من حيث الشركاء المفترضون للوزارة في التطبيق، فقد حددتهم تباعا في " الأكاديميات والجامعات و المؤسسات وجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ ثم المجلس الأعلى للتعليم والقطاعات الوزارية وكذا الشركاء الاقتصاديون و الاجتماعيون وأخيرا الممولون الأجانب وشركاء آخرون لم يذكروا"...
وفي الأخير نشير إلى أن المناصرين لهذا المخطط الاستعجالي باعتباره إنجازا معظما وفتحا مبينا في مسيرة الإصلاح، قد حددوا شرطان لازمان للتنعم بنتائج وثمار تطبيقه أولاهما:
التغيير العميق لأساليب التدبير وعامل السرعة، لما لهما من أثر في تحقيق نتائج ملموسة على المدى القريب، لتحفيز المتدخلين من أجل إكمال سيرورة الإصلاح بعدما يكون التدبير قد أصبح فعالا ومرتكزا حول النتائج والتقويم في إطار الهرمية البيروقراطية المعروفة: مؤسسة، نيابة، أكاديمية، وزارة،في إطار " المقاربة بالمشروع "كسابقة في علم التدبير المغربي أو على الأقل داخل قطاع التربية، كما يفاخر واضعوا المخطط،إنها منهجية جديدة تحدث قطيعة مع ما سبق...
أما الشرط الثاني فهو إعداد عدة متينة لقيادة مراحل إعداد وإنجاز المشروع وسبلهما. وفي الأخير أعلن عن القيام بتقويم لمنجزات الميثاق منذ 2000 ابتداء من سنة 2009 من طرف الوزارة بمعية الهيئة الوطنية للتقويم التابعة للمجلس الأعلى للتعليم.
إذا كان هذا باختصار شديد، مجرد وصف موضوعي، في غالبية معطياته لمضامين وشكل المخطط الاستعجالي، مع بعض التعليقات التي اقتضى السياق إدراجها حسب اعتقادنا، فإن الأهم هو مساءلة بعض أو جل تلك المشاريع نظريا من جهة ومن حيث قدرتها على تحقيق ما تصبوا إليه انطلاقا من الواقع باعتباره الصخرة التي طالما اصطدمت بها عربات الإصلاح باستمرار، خصوصا إذا كان السير يتم ببلد نامي أو عالمثالثي كالمغرب ، وهذا ما سوف نتطرق إليه في المحور الموالي.

3) تساؤلات مشروعة حول بعض المشاريع.

لعله من الأفيد التذكير بأن النقد الموضوعي لابد وأن يقف على جوانب الضوء والعتمة أي إيجابيات وسلبيات ما يقومّ أو يتم نقده، وخاصة إذا تعلق الأمر ببرنامج للإصلاح يقدم نفسه كإجابة شافية على سؤال الإصلاح والأزمة الملازمة له ، وإذا لم نستطع نكران فائدة بعض المشاريع لو كتب النجاح لتطبيقها ، كدعم البنية التحتية مثلا... إلا أننا لن نستفيد إلا من إظهار النواقص لتجاوزها، خاصة وكما هو الحال في مقامنا، إن هيمنت على الآمال المعبر عنها في شكل أهداف – مشاريع محددة وإجرائية كما هي في المخطط الإستعجالي، وبالتالي فإن الموقف سيكون بالتوجه بالسؤال والنقد الموجه نحو بعض " الصيغ المعبر عنها كمشاريع " في تماسكها وقوة منطقها وحججها، وفي قدرتها على النزول من الأوراق إلى الواقع... ولعل هذه المهمة هي ما قد نتناساها في غمرة النشوة، خلال محاولات التهليل و التبريك التي قادتها الوزارة الوصية على القطاع لخاتم سليمان هذا كما يصورونه في الإعلام والخطب...
وحتى نكون أكثر بيداغوجية ارتأينا محاولة احترام تسلسل النقط التي سنسائلها نقديا حسب المضامين السابقة في المحور الذي خصصناه للجرد الموضوعي لمشاريع المخطط الاستعجالي، وتجنب الأحكام المسبقة، ما أمكن أو الإدعاء بالقدرة على طرح البدائل، ولعلها ليست مهمتنا ، على الأقل هنا والآن ، ولأن القرار في هذه الأمور سياسي أساسا ، وأبسط مثال هو مآل الألوف المؤلفة من التقارير التي يرفعها المدرسون والتي لا تتجاوز لحظة صياغتها، كما لا تساوي قيمتها لدى الوزارة مدادها وأوراق الكتابة ، وعلى مر السنين وفي كل مجالات الاقتراحات " المسموح الخوض فيها"...
ولعلنا لا نخفي تأثرنا بمنهج العلوم الإنسانية النقدي، واعتمادنا منهجية الملاحظة والملاحظة بالمشاركة وتحليل المضمون وبخصوص موضوعنا، نؤكد أننا لن نتجاوز التساؤل البناء والنقدي من داخل المخطط الاستعجالي أو نوع من" الرؤية من الداخل" لأهم بنوده.
و باختصار نقول، بأن المجال(1) المعنون بالتحقيق الفعلي لإلزامية التعليم إلى غاية 15 سنة؛ قد نال حصة الأسد من مجمل المشاريع 10/23 ، ومنه و إن كان ذلك يعبر عن استمرار فشل سياسة تعميم التعليم بعد 50 سنة رغم أنه أحد المبادئ الأربعة منذ الاستقلال ،ولو في شقه الكمي أي بلوغ نسبة %100 من التمدرس في السنة الأولى ابتدائي ، فإن الأهم هنا ، هو التصريح ضمنا من طرف الدولة ، أن واجبها حسب توصيات مموليها الدوليين هو ضمان تعميم تمدرس مجاني إلى حدود سن الشغل ، كما تؤكد أدبيات الأمم المتحدة في الموضوع منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نهاية الأربعينيات من القرن الماضي في مادته(26) وما تبعه من بروتوكولات في الستينات والسبعينات وصولا إلى الإعلان العالمي لحقوق الطفل الذي صدر سنة 1989م ، ولم يصادق عليه المغرب إلا بحلول سنة 1993م . ولذا خصصت عدة مشاريع- أهداف في هذا المجال ، كالمشاريع (1، 2 ،3 ، 6 و7 ) ، والتي نعتبرها جوانب كمية للموضوع أكثر منه نوعية ، فتطوير التعليم الأولي ، وتأهيل وتوسيع العرض التربوي الإلزامي أي إلى حدود سن 15 سنة ( الثالثة ثانوي إعدادي)، وهو آخر مستوى بهذا التعليم يصله من دخل في سن 6 سنوات و لم يكرر أو ينقطع ، وهو استنتاج يؤكد لنا أن كل المشاريع هنا ، السابق منها أو أرقام 4 و5، 8، 9 أو 10، أي ما نعتبره ذو طابع نوعي أو كيفي في هذا المجال ،تصب كلها في هذا الإطار . أي دعم التمدرس الناجح والفعال لكل أطفال المغرب دون استثناء ذكورا وإناثا، قرويون وحضر أو رحل...إلى حدود سن 15.
وبالجملة يحق لنا التساؤل هنا حول عدة نقط جوهرية ولو بشكل سطحي؛ فكيف يمكن مثلا الرهان في المشروع رقم (4) ، أي تكافؤ الفرص لولوج التعليم الإلزامي ، على المشروع (1) : أي تطوير للتعليم الأولي ، دون استحضار عجز الدولة عن تعميم هذا السلك القبل ابتدائي بالبلاد كلها ، كما صَرِح به ضمنا في المخطط ؟ أما بالنسبة لتوسع العرض التربوي الذي يشبه تأهيل المؤسسات كثيرا من حيث الهدف، فإن التساؤل هنا ينصب مباشرة على معضلة التمويل ،فكيف أمكن توقع تحقيق تلك المؤشرات بتمدرس 100% واستمرار 80% إلى الثالثة ثانوي إعدادي ،مع بناء مسؤولية التمويل للمجهول؟ وهنا الجواب نجده بهذا الشكل في المجال (4) أي "وسائل النجاح " ؟ وحيث تم الحديث قي المشروعين المخصصين لترشيد الموارد المالية وتوفيرها باستمرار، مع التعبئة والتواصل حول المدرسة، بشكل عام وغامض في المشروع (23 ) حول هذه النقطة. أما بالنسبة لباقي المشاريع، فإن الخامس منها يثير آلاف الأسئلة: فكيف يمكن تسويغ وتبرير الهدف المعلن لمحاربة التكرار والانقطاع عن الدراسة ؟ والذي بني على أساس المشروعين (8) و (9 ) أي التركيز على الكفايات الأساسية ، وكذا تحسين الحياة المدرسية ، فهل تشكل الدعوة إلى محاربة ظاهرة التكرار دعوة تربوية ، أو محاولة لتقليص كلفة التمدرس ولو على حساب جودته ، مادامت الجودة أمرا بعيد المنال؟ وما معنى الكفايات الأساسية؟ هل هو الحد الأدنى أم عتبة النجاح كما تحددها الخريطة المدرسية ؟ وهل يمكن أن تصلنا مذكرات ذات يوم تفرض نجاح الكل بمبرر ما ؟ كل الإحتمالات واردة...
وبخصوص المشاريع الأخرى (6)،(7) و (10) حول مقاربة النوع ، وإدماج ذوي الاحتياجات الخاصة وتأسيس مدرسة النجاح ، نؤكد أن إدراج مثل هذه الآمال والأماني لهو من قبيل الحق الذي يراد به باطل ، ماعدا إن كان الهدف هو التماشي مع مقاربة النوع في تحليل برامج التنمية بما هي آخر بدع الأمم المتحدة في كل ما هو تنموي... لأن مقاربة النوع لا تتحقق في 3 سنوات ولا تقتصر على الحقل التعليمي،بل هي مرتبطة جدليا ، بالنسق الاقتصادي والسياسي ، والاجتماعي والثقافي ونسق القيم والمعتقدات والأعراف... أي بالثقافة في كليتها ، والمواقف والأدوار والمكانات الاجتماعية،المبنية على أساس النوع... إنه نفس الأمر بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة، فكيف يمكننا تصديق ذلك ما دامت الدولة لازالت عاجزة عن تحقيق إدماج 100% من الأسوياء؛ فما بالك بذوي الاحتياجات الخاصة ؟ أم هو فقط إعلان لنوايا حسنة تماشيا مع التوقيع على اتفاقية حقوق الطفل؟
إن المسألة باختصار شديد هي أن المدرسة مؤسسة اجتماعية يعتمل داخلها انعكاس ما لكل ما يحدث في البنى الاجتماعية و الثقافية للمجتمع، الذي توجد ضمنه، وفي الأخير فإن تأسيس " مدرسة النجاح" يعتبر نتيجة طبيعية لإصلاح حقيقي للمنظومة، والذي تأتي محاولتنا لتبيان أننا لازلنا بعيدين عنه جدا حتى الآن ، وليس منطلق الإصلاحات ،إنه تحصيل الحاصل ،إذا كانت المخرجات التربوية جيدة في علاقتها بسوق الشغل والحراك الاجتماعي ، أي جودة ومردودية النظام الداخلية كما تسمّى في أدبيات التربية.
وبخصوص مشروع التحكم في اللغات، وإن كان المقام ليس لمحاكمة هذا الخيار تربويا ونظريا من منظور العلوم الإنسانية وعلوم اللغة، ألا يحق لنا التساؤل عن خلفية تخصيص أربع لغات للابتدائي: عربية، كلغة رسمية وإتقان لغة أجنبية أولى والتخاطب بثانية والانفتاح على الأمازيغية ؟ هل هو خيار وطني ؟ أم مجرد انبطاح أمام المتحكمين الخارجيين في البلاد والعباد ؟ وبالنسبة للمشروع (18) أي استكمال تطبيق اللامركزية واللاتمركز وترشيد هياكل الوزارة ؟ فهل ذلك مجرد قرار يترجم في مذكرات وإضافة بنيات إدارية، وهو بيد الوزارة؟ ألا يشكل خيار اللامركزية والجهوية ، الفعلية خيارا سياسيا على مستوى أعلى، يعبر عن درجة نضج المجتمع ، وقواه الفاعلة؟ هل يمكن فعلا أن تتخلى الدولة عن جزء من صلاحياتها طوعا، لفائدة فاعلين عموميين وخواص على المستوى المحلي؟ وهل يوجد فاعلون مؤسسيون قادرون على الفعل المطلوب؟ وهل سنستمر في اعتبار خيار اللامركزية مجرد إضافة بنيات كالنيابات والأكاديميات ومجالس التدبير دون تغيير الجوهر البيروقراطي في التدبير؟ ودون تحديد واضح لأدوارها؟ ودون توفير الوسائل المادية والبشرية لتمكينها من إنجازها؟ وهل خيار اللامركزية في قطاع التربية الوطنية قرار صائب حتى وإن صدقت النوايا؟ وما مصير توحيد التعليم في هذا الإطار؟
أما بخصوص المجال (4) الأخير أي" وسائل النجاح "، ورغم أن مضمونه هو أهم النقط ، فإن مشروعيه اليتيمين (22) و (23) ، لم يتحدثا عن التمويل والتعبئة إلا بشكل فضفاض . ماعدا تعليق كل ما قيل حتى الآن على " القطاع الخاص"، وهو استمرار لما قيل في الميثاق، فكيف يمكن الرهان على هذا القطاع الجشع الذي لا يعترف إلا بالمنافسة والربح والتسليع والتبضيع ؟ أليس هذا الخيار هو بمثابة وضع لكل تلك الإصلاحات والأهداف على كف عفريت كمن ائتمن ذئبا على حمل؟ أليس ذلك جعل لتلك المشاريع " بين قوسين" ؟ ألا يعيد التعميم والضبابية المقصودة هنا مسألة الإلزامية و المجانية ، إلى الواجهة ؟ وعموما إشكالية السياسة الاجتماعية للدولة، كبلد فقير ومتخلف ، حيث أغلبية الشعب والجهات فقيرة ومهمشة ؟ أليس الرهان على الخواص هو تحويل للمرفق العمومي ، ولعلاقته بالمرتفقين إلى علاقة بين المنتج ومستهلك وبضاعة ؟ فأي منتج لأي مستهلك ؟ وما مواصفات البضاعة ؟ أو" الجودة " التي يرتضيها المخططون لهذه العلاقة الجديدة في الحقل التعليمي؟ أما مسألة التعبئة فقد سبق وأن أشرنا إلى أنها لا تتجاوز في نظر المخططين مهمة الإخبار بتحصيل الحاصل عبر مذكرات في صيغة بيروقراطية ، تجعل مسألة المشاركة والتشارك ، مفاهيم دون معنى .
كانت تلك إذن بعض من التساؤلات التي حاولنا اختصارها ما أمكن حتى نغطي جل مشاريع المجالات الأربع للمخطط الإستعجالي، وإن تم الاقتصار على تفكيكها بشكل مباشر اعتمادا على بعض العلاقات الموجودة فيما بينها من جهة، واعتمادا على تجربتنا الذاتية من جهة أخرى رغم أن محاكمة حدود تطبيق ذلك وفقا لمحك التجربة والواقع يحتاج الى ابحاث متخصصة...


تعليقات

المشاركات الشائعة