أحلام الوفا وعش الدبابير



لا يخفي محمد الوفا، في جل تدخلاته، أنه جاء إلى وزارة التربية الوطنية بمشروع تربوي جديد، هو بالضرورة غير ما حمله المخطط الاستعجالي لإصلاح منظومة التربية والتعليم.وفي كل «خرجات» الوزير هناك حديث، بشكل ضمني، عن أنه نجح بنسبة كبيرة في إيقاف النزيف، المادي والتربوي، لمشروع صرَفت من أجله الدولة المغربية 41 مليار درهم، وهو ما يعني -بلغة الأرقام- زيادة بنسبة 33 في المائة عن الميزانية التي تخصَّص في العادة لقطاع التربية والتعليم. كما يعني 28 في المائة من الميزانية العامة للدولة، و7 في المائة من الناتج الخام الوطني.غير أن المدة التي قضاها الاستقلالي محمد الوفا على رأس القطاع لم تكشف بعدُ التصورَ الذي جاء به بديلا عن مخطط اخشيشن..ويبدو أن المدرسة المغربية اليوم لا تزال تشتغل بالكثير من طرق الأمس، في ما يشبه الارتباك، خصوصا أن المخطط الاستعجالي تضمّنَ الكثير من النقط الإيجابية التي كان يُفترَض أن يتم استثمارها، مع تصحيح تلك النقط التي اعتُبرت سلبية ولم تحقق ما كان منتظرا منها، أي أن وزارة التربية الوطنية كانت ملزَمة بتقييم تجربة المخطط بعد نهايته في 2012، بعد أن كان قد انطلق في 2009. وكان يجب أن يوكل التقييم إلى رجال التربية والفكر، كما وعد بذلك الوفا دون أن يَفيَّ بالوعد.. والحصيلة هي أن المردود العام للمدرسة المغربية لا يزال على حاله في الكثير من المجالات..قال محمد الوفا إنه جاء إلى قطاع حساس من أجل تحقيق الكثير من الإنجازات، رغم أن ذلك «يزعج الكثيرين»، على حد قوله.وقال الوزير إنه مع نظام أساسي جديد تتبوأ فيه كل فئات التربية والتعليم مكانتها المُستحَقة. ومن هنا تفرِض الضرورة منح صفة الإطار للسادة المديرين ولأقرانهم من الحراس العامين والنظار..مشروع لا تزال هذه الفئة تناضل من أجل تحقيقه. وقد خاضت في سبيل ذلك معارك نضالية دون أن تلتف لها وزارة الوفا.كما قال الوزير إنه مع حذف السلم التاسع كحد أدنى للتوظيف في وزارة التربية الوطنية، ومع وضعه في السلالم «المُنقرضة» في أفق نهاية ولايته..سار المشروع في طريقه السليم، رغم بعض الاختلالات هنا وهناك.. وقال إنه مع ضرورة إسناد مهام التأطير التربوي إلى المديرين داخل نطاق اشتغالهم، ومع مدّهم بكل ما يلزم لذلك وتخويلهم تعويضات التأطير بالقيمة نفسها التي يتقاضاها الأساتذة الجامعيون..«حلم» يبدو أنه صعب التحقق، على الأقل في المدى القريب، خصوصا أن التخلي التدريجيّ عن إطار المفتشين وتوزيع أدوارهم بين أطر الإدارة التربوية -تحقيقا لسياسة القرب- يبدو من المهام شبه المستحيلة التي يراهن عليها الوفا.وقال وزير التربية الوطنية، كذلك، إنه مع تنظيم حركة وطنية نزيهة وشفافة تتم فيها تلبية طلبات الالتحاق بنسبة تتجاوز السبعين في المائة، مع جعلها سنة أخيرة في باب الالتحاق، ليتم في ما بعد العمل وفق مبدأ المناصفة الدستوري.غير أن النتائج التي ظهرت لم تحقق نسبة الوزير، وظلت النقابات تعتبر ملف الحركة الانتقالية من الملفات الشائكة في قطاع حساس اسمه التربية والتعليم.أما حينما تحدث الوفا عن ضرورة تقديم كل ملفات الفساد التي استتبعت المخطط الاستعجالي إلى المحاكمة كواحد من «أحلامه»، فلم يكن يدرك أنه يضع يده في عشّ الدبابير.. لذلك عجز عن تحريك ملفات أصغر من ملف المخطط، الذي شكل 28 من ميزانية الدولة، تماما كما هو حال المجلس الأعلى للتعليم، الذي كان يجب أن يتحول إلى آلية للتخطيط الإستراتيجي، وجعل هذه الآلية تابعة مباشَرة لسلطة الوزير، الذي لا تزال ملامح تكوينه «مُضبَّبة» بشكل كبير، ما جعله لا يؤدّي المهمة الدستورية التي مُنحت له. والحصيلة هي أنّ هذه المؤسسة لا تزال تنتظر متى يتم تحريك دواليبها للاشتغال، وهي التي يُفترَض أن تضع خارطة طريق قطاع التربية والتعليم.والوفا مع إصلاح البرامج والمناهج وفق مقاربة تنطلق من واقع المدرسة وخصوصياتها، مع الاستعانة بالخبرات الوطنية التي تزخر بها البلاد.. مشروع طموح لا تزال ملامحه غيرَ واضحة بعد مرور هذه المدة من تولي حكومة بنكيران.وحدَه قرار تحريم الساعات الإضافية وتقديم كل ممارسيها إلى المجالس التأديبية المحلية التي يترأسها المديرون، هو الذي صفق له جل المتدخلين، خصوصا آباء وأولياء أمور التلاميذ..غير أن الواقع هو شيء آخر غير ما «بشّر» به الوزير.. فإلى اليوم لا تزال الساعات الإضافية تشكل عبئا ثقيلا على الأسر، خصوصا وقد تحولت إلى «ضريبة» يؤديها التلميذ من أجل ضمان نقطة «مُحترَمة» في المراقبة المستمرة، وتحديدا حينما يتعلق الأمر بسلك الباكالوريا.. لذلك تمنى الكثيرون لو أن الوزير فتح سيرة نقط المراقبة المستمرة للبحث عن صيغة أخرى تخلص التلاميذ من ضريبة الساعات الإضافية.ولأن الرهان الأكبر هو الرفع من نسب النجاح لتصل إلى 100 في المائة في الابتدائي، و80 في المائة في الإعدادي، و75 في المائة في الباكلوريا، فإن أحلام الوفا من أجل مدرسة جديدة بهذه المواصفات لا تزال مُجرّدَ مشاريع، خصوصا حينما نستحضر ما تكشفه من روائز، مثل «بيرز» الخاص بالقراءة، والذي يقول إن المغرب مصنف في المرتبة الرابعة والأربعين من أصل خمس وأربعين دولة. ورائز «تيمس» الخاص بالعلوم، والذي يقول إن المغرب مصنف في المرتبة ال24 من أصل 25 دولة.

أحمد امشكح


تعليقات

المشاركات الشائعة