جمعيات الآباء بين واقع التسيير وحقيقة التدبير




تناولت في مقال سابق الإطار القانوني لجمعيات آباء وأمهات التلاميذ والتلميذات . سواء من حيث نظام التأسيس والضوابط الواجب الالتزام بها,أو من حيث السبل التي يخولها لها التعليم في مجال تدخلها بالمؤسسات التعليمية.ولعل المتتبع الكريم بالرجوع الى كم من المذكرات سيلحظ مدى القيمة التي أعطاها المشرع التربوي لهذا الشريك الأساسي الفاعل الشريك …..


        إلا أنه وللأسف الشديد ,نسمع بين الفينة والأخرى نزاع هنا وصراع هناك, الى درجة أن الكثير يتساءل عن حدود صلاحيات هذه الجمعيات,وآخرون عن التهميش الكبيرالذي قلل من التدخلات,وفريق ثالث يشيد بها وضرورتها في تنشئة جيلنا ورفع مستوى تمدرس أبنائنا, لما لتواجدها من فعالية وفاعلية….

 سأحاول بسط وجهة نظري من هذه الجوانب الثلاثة. لذا أرجو أن يتسع صدر الجميع لمناقشة الإشكالية بكل هدوء وموضوعية, لتنوير الرأي والرأي الآخر :

 1- الجانب السلبي لجمعيات الآباء:

       إنني أفضل دوما عدم الخوض في سلبيات جمعيات متطوعة خدومة ,تقدم كل ما تملك وتضحي بالكثير من وقتها, رغم ما قد يصدر من أخطاء تكون أحيانا عفوية ,أو نتيجة سوء الفهم…لكن تساؤلات الكثير من الإخوة ,ومن بينهم  أحد المعلقين في مقال سابق عن مجالس التدبير, عندما تساءل عن هذه الأدوار من كل الجوانب.   

   فعلا تعتبر جمعية أباء وأولياء التلاميذ شريكا وعضوا فاعلا في كل مجالس المؤسسة. مما يعني إجبار المشرع المؤسسات التعليمية على ضرورة إقحام هذه الجمعيات في جل مجالات التدبير , وذلك كممثل للتلاميذ وراعي مصالحهم وشريك أساسي في اتخاذ القرارات التي تهمهم.

      إلا أن بعض جمعيات آباء وأمهات التلاميذ  والتلميذات, لا تمارس دورها كما يجب , بقد ما تحاول تعكير صفو المؤسسة لأسباب قد تكون سياسية انتخابية قبلية عرقية تصفوية….مما يخلق جوا من التوتر والفوضى,في غياب أية مراقبة أو ضوابط تحدد ما لها وما عليها.ولعلي ببعض الأمثلة ذات الطابع العام:

    – انتخاب بعض مكاتب الجمعيات في جو غير ديمقراطي ,كتزوير التمثيليات,أو التحايل على القانون في العضويات,أو حصر أعضاء المكتب في رجال التعليم داخل المؤسسات,أو….أو……   

 – اكتفاء بعض الجمعيات بجمع الانخراطات ,ثم مغادرة المؤسسة بلا رجعة ,الى درجة تصرف الرئيس في مداخيلها لحسابه الخاص.ولعل الكثير من رؤساء الجمعيات قد اختلسوا مداخيل الجمعية ولا زالوا متابعين قضائيا الى الآن,أو قدموا ضمانات خاصة لتفادي المتابعة.

فأين دور باقي أعضاء المكتب؟ وكيف تتم عملية الصرف؟ وكيف يقدم الحساب؟ وكيف تتم المصادقة؟ ومن يصادق ؟ وما هي نسبة الحضور؟ هل بلغت النصاب؟ أم هي خارج الحساب …. “

 هذه الجوانب المعقدة المتعلقة بعمليات الصرف,أعبر عن استعدادي للتأطير المجاني لكل جمعية أو جمعيات ترغب في ذلك “.

 - انتقام بعض رؤساء الجمعيات من المؤسسة كون أبنائهم لم يتفوقوا في الدراسة,أو لم يعاملوا معاملة خاصة ….. وتعطيلهم لكل العمليات.

  - تسيير بعض الجمعيات من الرئيس لا غير,أو أحيانا من الرئيس وأمين مفبرك على فصيلته.مما يخلق ….ما يخلق….  

- تقاعس بعض الجمعيات في مساعدة المؤسسة , مهما كانت الأحوال والضرورات,الى درجة أن جمعية ما…. كدست أكثر من 20 مليون سنتيم….  –

 2- جانب التهميش لبعض الجمعيات:

تعاني الكثير من الجمعيات من التهميش الذي تمارسه عليها بعض إدارات المؤسسات التعليمية, والتي لا تستدعيها ,إلا لتمويل عملية ما,كشراء المصابيح أو اصلاح الحنفيات أو….مما يجعل أعضاء مكاتبها يعتبرون وجودهم كممول مالي لا أكثر. بل هناك محاولات لانتخاب مكاتب ضعيفة شبه ميتة ,حتى يتسنى للبعض التصرف باسم مكتب مشلول أو شبه غائب,الى درجة أن بعض الإدارات تتكلف باستخلاص مداخيل انخراطات التلاميذ الخاصة بجمعية الآباء, ثم تتصرف فيها كيفما تشاء – أقول ولو كانت النفقات لصالح المؤسسة ومن الضروريات- ,لتقدم فيما بعد حسابا  لرئيس الجمعية الذي أوكلهم كل شيء ….

             كلما كانت نظرتنا للجمعية كآلة للاستنفاع ,كلما قلت نظرتها الايجابية ومساهمتها البناءة,خاصة عند ولوج مكتبها أعضاء نشيطين يفضلون اشراكهم في شؤون التربية, بدل استدعائهم بالمناسبات ومن أجل الهبات.

           وكلما فكرنا بمنظور التقليل من شأنهم والانتقائية في التعامل معهم ,كلما بسطوا نظرتهم في التركيز على السلبيات والمحبطات والمبطلات. وكلما ….. وكلما….. إلا وكانوا لنا بالمرصاد…..

          إن فكرة تأسيس جمعية من الموالين فكرة  خاطئة , لأن تقليص دورهم يغرقنا دون أن نعلم في سياسة تعليمية أحادية,وغياب النقد البناء …. مقابل العشوائية والانفراد في القرار.

 3- كثير من الجمعيات فاعلة مفعلة:

        لعلها السمة الغالبة,أو التي تمثل الفئة الهامة من الجمعيات التي انخرطت في منظومتنا التربوية ,حتى أصبحت شريكا ضروريا ,نظرا لتضحية أعضائها وحضورهم الوازن ومساهمتهم الفعالة,الى درجة أنك في بعض مؤسسات التعليم لا تميز بين رئيس المؤسسة ورئيس الجمعية,لكثرة تواجد الطرفين وكثرة توافق المسئولين.

من بعض الأمثلة نستشف الكثير من العبر:

   – حضرت هذه السنة حفل توزيع الأدوات المدرسية بكل من ثانوية السلام وثانوية للا أسماء بوجدة, بشراكة بين جمعية الآباء وإدارة المؤسسة , في حفل أخوي منسجم قل مثيل له.

 - وحضرت في وقت سابق الى ثانوية عبد الكريم الخطابي بالناظور, واعتقدت أن أحد أعضاء الجمعية موظفا بالمؤسسة ,نظرا لتواجده المستمر , فعلمت أن له مكتبا بالمؤسسة ودورا تمارسه الجمعية قل نظير له.  

- وحضرت في إطار تتبع الدخول المدرسي بنيابة الناظور مشاركة جل أعضاء مكتب جمعية الآباء مع أساتذة مدرسة الفتح بقرية أركمان, توزيع الكتب على التلاميذ , في جو عائلي.ولعل الجميع يعلم تلك المدرسة النموذج في كل شيء.ومن هذا المنبر أتمنى أن تبقى كذلك,تحية لإدارتها وجمعيتها.

 - وحضرت في وقت سابق الى مدرسة المختار السوسي بتاوريرت , فوجدت رئيس المؤسسة ورئيس الجمعية يتعاونان معا لاصلاح فضاء المؤسسة والعناية بالبستنة.

 - وحضرت صدفة بثانوية دبدو, فوجدت أحد أعضاء الجمعية يحضر حواسب للمؤسسة,ويسهر بنفسه لتسلمها وتسليمها,مع أن هذه الجمعية في السابق سمعت عنها الكثير مم لا يرضي,لكن ما عاينته قد غير الكثير.

 - عدة جمعيات ساهمت وبشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في تحقيق عدة مكتسبات للمؤسسات التعليمية. من قاعات دراسية كما هو حال اعدادية قرية اركمان,ومن قاعات للأساتذة في عدة مؤسسات تعليمية, ومن ملاعب رياضية وألبسة للتلاميذ المعوزين,وتجهيز المكتبات, ومساعدة في تمويل متعاقدين لتقديم دروس في التعليم الأولي ببعض المؤسسات,والكثير من الحسنات…..

 إن جمعية آباء وأمهات التلاميذ والتلميذات شريك لا مناص منه,والتعامل معه بإيجابية وإشراك حقيقي , قد يقدم للمؤسسة دعما قويا في شتى المجالات:التربوية والثقافية والرياضية,,,,,قبل التركيز على الجانب المالي والمادي والذي يعتبر أيضا ضروريا,مع أنه قد يكون ثانويا.

    فما فائدة تجهيز المؤسسة ,إن كانت الدراسة غير طبيعية من هدر مدرسي وعنف متزايد وغياب لأولياء التلاميذ عن التتبع وانقطاع مبكر عن الدراسة…..

إن اشراك جمعية الآباء ضرورة ملحة للتعاون مع المؤسسة في تحمل الثقل التربوي ,والتغلب على الصعوبات التي تواجهها المؤسسات التعليمة في ظل مغريات خارجية عدة.

 كفانا تفكيرا في البحث عن التسيير بأقل عناء ممكن.كلما كنا منفتحين شفافين واضحين محبين للصالح العام “,من كلا الطرفين “,كلما أمكننا تخطي بعض الصعوبات ….عكس  الحسابات الضيقة أو الاعتبارات المحسوبة.والله الموفق.

 محمد المقدم


تعليقات

المشاركات الشائعة