تعويضات العاملين في العالم القروي ..قنبلة موقوتة بين يدي الوزارة و النقابات التعليمية


محضر زاكورة الشهير شوكة في حلق الوزارة وينذر بانتفاضة في حال عدم تنفيذه


     


ينتظرها الآلاف من نساء ورجال التعليم، يعُدّون دراهمها بأثر رجعيّ من سنة 2009، لازالت لم تخرج إلى الوجود.. وحذر نقابيون من انتفاضة في صفوف نساء ورجال التعليم في حال إخراجها بصيغتها الحالية.. إنها تعويضات العاملين في العالم القروي، التي تحولت -بقدرة قادر- إلى «تعويضات عن العمل في المناطق النائية والصعبة».. هل تستطيع الوزارة إخراجها بالصيغة التي هي عليها الآن؟ هل ستفي الوزارة بوعدها باعتبار إقليم زاكورة كله معنيا بالتعويضات؟..


أصوات تدعو إلى ضرورة إعادة النظر في صيغة تنزيل هذا الملف حتى لا يُولد «مشوها».
 يبدو أنّ وزارة التربية الوطنية توجد في وضع لا تحسد عليه بخصوص ملف تعويضات نساء ورجال التعليم العاملين في العالم القروي، أو المناطق النائية والصعبة.. فقد طال انتظار صرف تلك التعويضات، التي ما فتئت الوزارة تبشّر بقرب الحسم فيها في مناسبات سابقة، لكنّ المعطيات المتوفرة إلى حدود الساعة تؤكد أن الوزارة، ومعها الحكومة والنقابات، ما زالت لم تجد المخرج الملائم «للمأزق» الذي وجدت نفسها فيه.


 كانت الفكرة تبدو بسيطة وسهلة التنزيل، لكنْ بمرور الأيام بدأت الأمور تتعقد، فنساء ورجال التعليم العاملون في العالم القروي المفترَض استفادتـُهم من مبلغ التعويض -الذي حدد في 700 درهم للشهر- على أساس أن تـُحتسَب بأثر رجعي من سنة 2009، تعبوا من عدّ الأصابع وانتظار موعد الصرف، الذي قد يأتي وقد لا يأتي.. وأسرّت مصادر نقابية مطلعة لـ«المساء» صعوبة تنزيل فكرة التعويض بالشكل الذي تمت عليه. ويكفي أن يستحضر نساء ورجال التعليم المحضر المشترَك الشهير الذي كانت النقابات الأكثر تمثيلية قد وقعته مع وزارة التربية الوطنية، في عهد الوزيرة لطيفة العابدة، في نيابة زاكورة  في شهر فبراير 2010، حين اضطرّ ممثلو الوزارة -ومعهم مسؤولون نقابيون- إلى الانتقال الفوريّ إلى منطقة سوس -ماسة -درعة، التي كانت قد شهدت احتجاجات حارقة من طرف نساء ورجال التعليم لأسباب مختلفة، كانت من ضمنها المطالبة بإدراج أقاليم الجنوب ضمن المناطق النائية والصعبة والمعنية بالتعويضات.. ولأنّ القضية كانت «حامْضة» في تلك الفترة فقد تم توقيع  محضر الاتفاق بين ممثلي الوزارة والنقابات، تضمّن بندا يقرّ بكون إقليم زاكورة من المناطق النائية التي يجب إدراجها ضمن لائحة المناطق التي سيستفيد كل العاملين في قطاع التربية والتكوين فيها من التعويض عن العمل في هذه المناطق.. بدت العبارة حينها بسيطة، لكنها تحولت بعد ذلك إلى «قنبلة موقوتة» في يد الوزارة والنقابات التي وقعت على المحضر.


دخل مسلسل التعويضات عن العمل في العالم القروي، أو المناطق النائية والصعبة، منعطفا جديدا بعد أن بدت للوزارة والنقابات والحكومة سوءات الفكرة في مجملها، وابتكرت تخريجة جديدة كان عنوانها الأساس هو صعوبة تعميم التعويضات على جميع العاملين في العالم القروي.. وانطلقت أشغال لجنة موضوعاتية خاصة بتحديد المعايير التي بموجبها سيتم تحديد المناطق التي ستستفيد من تلك التعويضات، التي لن تسد حتى مصاريف التنقل اليومي لنساء ورجال التعليم العاملين في العالم القروي..


بدا منذ الوهلة الأولى أنّ المعايير «تعجيزية» وتعني قرى ومداشر ربما لا توجد في المغرب!.. معايير أقلّ ما يمكن أن يقال عنها إنها حكمت مسبقا على المناطق التي تعنيها بكونها لا تصلح حتى للعيش البسيط، فبالأحرى أن تصلح لتشييد مؤسسات تعليمية. تم تنزيل تلك المعايير «المجحفة» بعد أن وقع وزير الداخلية آنداك على المذكرة المُشترَكة التي وصلت إلى الولاة و العمال، من أجل الاجتماع باللجن الإقليمية المُشترَكة التي عملت على تحديد لوائح المؤسسات التعليمية ومعها كذلك المراكز الصحية التي ستكون معنية بالتعويض عن العمل في المناطق النائية والصعبة، في العالم القروي، وهي العملية التي عرفت شدّا وجذبا في العديد من الأقاليم التي رفض بعضها التوقيع على محاضرها، فيما كان التوقيع «سلِسا» في العديد من الأقاليم..


أرجعت الوزارة جميع المحاضر التي رفض بعض أعضاء اللجن المشتركة توقيعها إلى المعنيين من أجل توسيع الرؤى والتوقيع على المحاضر، وتوصلت بعدها بجميع المحاضر، وتشكلت لاحقا تنسيقيات إقليمية وجهوية تطالب بتعميم التعويض على جميع العاملين في العالم القروي، خاصة في بعض المناطق التي لا يجادل اثنان في كونها «صعبة ونائية»، إذ بدا منطق التعميم، حتى وإنْ تم تخفيض قيمة التعويض، هو الحلّ الأنسب لإرضاء الجميع.. أفرزت المعايير نفسُها التي حدّدتها الوزارة والشركاء الاجتماعيون نتائج «هزيلة» في بعض الأقاليم التي قد تستفيد منها فقط 8 أو 10 وحدات مدرسية.. وإلى حدود الساعة ما زالت الوزارة تحضن تلك المحاضر دون أن تتمكن من صرف التعويضات لمُستحقيها.


تجد الوزارة اليوم نفسها محرجة بين أساتذة وأطر معنيين بتلك التعويضات، وفق ما حدّدته معايير الللجن المشتركة، والتي تم تسريب معطيات محاضرها إلى نساء ورجال التعليم، وآخرين لن يقبلوا أن يتم إقصاؤهم من التعويض، في الوقت الذي سيستفيد زملاء لهم ربما لا تفصل مقرّات عملهم سوى كيلومترات قليلة.. كما ستجد الوزارة نفسها محرجة أمام «جيوش» التنسيقيات، التي ما زالت متمسكة بمطلب التعميم.


تقرّ النقابات نفسها اليوم بصعوبة تنزيل تخريجة تعويضات العالم القروي بالصيغة التي هي عليها الآن، وحذرت بعضُها من حدوث انتفاضة في صفوف نساء ورجال التعليم العاملين في العالم القروي. خاصة الذين لن يشملهم التعويض، ودعت إلى ضرورة الجلوس -من جديد- إلى طاولة النقاش والاعتراف، دون أدنى مركب نقص، بأنّ الصيغة الأولى التي تمت بها العملية ما زالت تبدو مبتورة، ولا تتوافق مع دعوة الميثاق الوطني للتربية والتكوين، في دعامته الثالثة عشر، إلى مراعاة الظروف الخاصة للأطر التربوية العاملة في الوسط القروي، بتوفير الشروط الضرورية لعملهم وحفزهم بمنح تعويضات خاصة، والتي تحولت -بقدرة قادر- إلى «المناطق النائية والصعبة» بدل «العالم القروي»..


بين وعود الوزارة واختلاف التسميات «عالم قروي» و«مناطق نائية وصعبة «.. وحرج الالتزامات المادية للوزارة، ومعها الحكومة، ومأزق محضر زاكورة الشهير، ومحاضر اللجن الإقليمية «العرجاء»، وموقف التنسيقيات المطالبة بتعميم تلك التعويضات على جميع العاملين في العالم القروي.. يبقى ملف التعويض عن العمل في المؤسسات التعليمية المتناثرة في قرى ومداشر المغرب يراوح مكانه، وينتظر «العصا السّحرية» التي قد تخرجه من عنق الزجاجة أو تعيده إلى نقطة البداية.. لكنْ بين كل ذلك، يبقى نساء ورجال التعليم المنتظرون صرفَ تلك الدراهم، بأثر رجعيّ من سنة 2009، هم الأكثر تضرّرا من مسلسل الانتظار هذا، الذي طال أمده..


   رضوان الحسني



































يرجى تحميل الصورة أعلاه لقراءتها بحجمها الأصلي









تعليقات

المشاركات الشائعة