أوهام بلمختار




عودتنا الحكومات المتعاقبة على تسيير الشأن العام، على تبريرات واهية وباطلة لتلقي بمسؤوليتها على الشعب أو على فئات بحد عينها، وعهدناهم يعلقون أخطاءهم بل وحتى مجازرهم في حقنا على الظروف المالية والاقتصادية وكأن هذه الظروف هي قدر محتوم على البلاد والعباد..

كما عودنا وزراء حكومات العار على تملصهم من مسؤولياتهم تجاه القطاعات التي يتربعون على عرش تسييرها وتدبيرها، عفوا تدميرها، فبعد الخرجات الإعلامية الغريبة والمثيرة لوزير التربية الوطنية السابق "محمد الوفا"، يواصل خلفه في دار بنكيران، "رشيد بلمختار" تعليق فشله في تدبير قطاع التربية على موظفي الوزارة، خاصة منهم أطر هيئة التدريس، الذين حملهم في خرجته الإعلامية الأخيرة مسؤولية ما أسماه"تردي مستوى التعليم بالمغرب" وكأن أطر التدريس هم من يسيرون القطاع، ويسنون القوانين المنظمة له، ويعدون مناهج التدريس..

على الوزير "بلمختار" أن يعي حقائق ثابتة وهي أن هيأة التدريس تشتغل في ظروف جد صعبة يعرفها الجميع تلاميذ وآباء وأطر القطاع، فواقع الاكتظاظ المهول في الأقسام، وعزلة المدارس خاصة في الوسط القروي، والأقسام المشتركة بالسلك الابتدائي، والخصاص المهول في الموارد البشرية، والمخططات الفاشلة لإصلاح التعليم، والمناهج التي يخضع إعدادها لمنطق الربح وليس الجودة، وغيرها.. لا يتحمل فيها المدرسون أية مسؤولية، ببساطة لأن مهامهم محصورة في قاعة الدرس وفي فضاء المؤسسات التعليمية، مسؤولية هذه الأمور يتحملها من يقبعون في المكاتب المكيفة في فضاءات الوزارة بباب الرواح بالرباط..

أستغرب صراحة، كيف يتجرأ الوزير ليصرح بأن "اللي بقا فيهم الضو هوما اللي تخرجو قبل 80 سنة" وهو يتحدث عن ضعف تكوين الأساتذة أو عدم ولوجهم أصلا مراكز التكوين، هل يعي السيد الوزير أنه بكلامه هذا يسقط المصداقية عن المؤسسات التابعة لوزارته سابقا "المدارس العليا للأساتذة" و"المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين" حاليا، والتي تتكلف بتكوين أطر هيأة التدريس؟؟

هل يدرك كذلك أن من أرسل الأساتذة إلى حجرات الدرس دون ولوج مراكز التكوين، هم أسلافه في كرسي الوزارة؟؟ وهل يعلم الوزير أن الذين تخرجوا قبل 80 سنة أغلبهم رحل إلى دار البقاء، ومنهم من ينتظر دوره؟؟ أم أن السيد الوزير يجهل حتى المعطيات الإحصائية لموظفي وزارته؟؟
أظن أن السيد الوزير سيرد قائلا "سمحوا لي اللسان ما فيه عظم".


إن ما يحمله كلام "بلمختار" من إهانات لرجال ونساء التعليم المحاربين في أقاصي الجبال، وثخوم الصحراء، وأقسام "التشرميل" بكبريات المدن، يشكل تهجما واضحا على هؤلاء المحاربين، ويكشف عن تملص مسؤول حكومي من مسؤوليته على قطاع جد حساس في المجتمع، فلا يعقل أن يتحمل أساتذة لم يتوصل الجدد منهم برواتبهم بعد أزيد من سبعة أشهر من التحاقهم بمهامهم، مسؤولية قطاع فاشل بسبب غياب استراتيجية واضحة لتدبيره لدى أولي الأمر.. تمنيت لو امتلك السيد الوزير الشجاعة الكافية ليصرح بشكل مسؤول بأن هذا هو سبب تردي مستوى التعليم بالمغرب.

كان حريا على السيد الوزير بدل كثرة الكلام غير المجدي، أن يطلق برنامجا لبناء مؤسسات تعليمية جديدة، وأن يعلن عن مباريات لتوظيف موارد بشرية إضافية لسد الخصاص المهول بالقطاع، وأن يقر بفشل الحكومة في ايجاد مخارج وحلول لأزمة التعليم، ويدعوا الخبراء والفاعلين التربويين والمهتمين بقطاع التربية إلى تقديم تصور واضح للرقي بمنظومة التربية والتكوين، بدل أن ينهج نهج سلفه في الوزارة ليغرقنا بتصريحات تهدف فقط إلى "ذر الرماد في العيون".


 أحمد بجاري







تعليقات

المشاركات الشائعة