بلمختار: «المدرسون الأكفاء عملة نادرة إن لم نقل مفقودة»



كرر رشيد بلمختار وزير التربية الوطنية انتقاده الشديد لواقع هيأة التدريس، كان ذلك في كلمته التي ألقاها الأسبوع الماضي بمناسبة افتتاح الندوة الدولية فعاليات المنتدى الدولي السابع حول الحوار السياسي، الذي نظمته وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، ومنظمة اليونسكو، والفريق الدولي الخاص بالمدرسين من أجل التربية للجميع، في موضوع «المدرسون في الأجندة الدولية للتربية لما بعد 2015: أية سياسات وممارسات ووسائل لتحقيق الهدف المتعلق بالمدرسين»، عندما قال حرفيا إن «المدرسين الأكفاء عملة نادرة إن لم نقل منعدمة»، حيث أعطى الوزير ما يعتقد أنها مؤشرات على ضعف كفاءة المدرسين، لكن دون أن يقدم حلا حقيقيا، لمشكلة «عدم الكفاءة» التي عممها على الجميع، فهو لم يقدم حلا بخصوص تكوين المدرسين، لاسيما وأن تجربة تكوينهم في المراكز الجهوية للتربية والتكوين تحتاج إلى تعزيز، خصوصا وأن هذه التجربة أبانت عن مقاربة تدبيرية وتكوينية واعدة يمكن أن تقدم حلولا حقيقية لهذه المعضلة، سواء في التكوين الأساس أو المستمر والمتوقف منذ خمس سنوات.

رشيد بلمختار أيضا أكد أن «المشكل المطروح اليوم هو أن المدرسة لا تتماشى مع محيطها المنفتح إقليميا ودوليا»، إذ أن تقارير اليونسكو أشارت إلى أنه ليس هناك نقص فقط في الأساتذة، ولكن هناك أيضا نقص في الأساتذة الأكفاء، مؤكدا أن هناك مئات الآلاف من المدرسين الذين تلقوا تكوينا غير مرغوب فيه، وينبغي أن نحول هؤلاء المدرسين إلى فاعلين يقبلون بالتغيير والمشاركة في تحقيق الأهداف المرجوة، والتي تكمن في تحقيق تربية وتعليم ناجعين لأبنائنا بالمدارس، مبرزا أن التحدي المطروح حاليا هو كيفية تكوين المكونين، لأنهم هم من سيكونون عناصر هذا التغيير، لكن دون أن يذكر لماذا توقف تكوين المفتشين هذه السنة والذين من مهامهم تأطير واصطحاب المدرسين في عملهم؟ ثم ماذا يعني انتقاد كفاءة المدرسين دون انتقاد الوزارة ذاتها والتي جمدت التكوين المستمر للسنة الخامسة على التوالي، ثم ألا تتحمل الوزارة والحكومات السابقة مسؤولية هذا الوضع عندما ضخت عشرات الآلاف من المدرسين في المنظومة دون تكوين؟ ماذا يعني توقف تكوين هؤلاء للسنة الخامسة على التوالي، أي منذ مجيء الوزير السابق محمد الوفا؟ أليست «عدم الكفاءة» هي نتاج منطقي لتوقف التكوين المستمر وأيضا عم التوصل لصيغة مؤسسية تضمن لهؤلاء استكمال تعليمهم الجامعي؟ ثم ما هي الدراسة التي اعتمد عليها الوزير في تعميم حكم كهذا؟ أليست الدراسة الأخيرة التي تبنتها مديرية المناهج ونفذتها منظمة «الأوسايدي» فاقدة لكل شروط العلمية، كما بيننا في عدد سابق؟

أسئلة كثيرة يطرحها رجال التعليم وكذا كل المهتمين بشأن التربية والتكوين، من قبيل: كيف يمكن لبلمختار أن يربح رهان رؤيته للإصلاح بخطاب يعاكس روح الخطاب الملكي الأخير، والذي أشاد بمجهودات المدرسين عموما، والعاملين في العالم القروي خصوصا؟ ألا يجدر به، بعد أن استعدى النقابات والأحزاب، أن يكسب الموارد البشرية لوزارته؟ ألا يجدر به الحديث بخطاب آخر غير خطاب التيئيس، والذي يلمس بوضوح من كل تصريحاته، الخاصة والعمومية؟ لماذا يحرص بلختار على الظهور دوما بمظهر «المصدوم» من واقع التعليم؟ هل هذا يعني أنه كان بعيدا إلى هذه الدرجة بحيث لا تصله أصداء ما يحدث فيه؟ فإذا كان فعلا بعيدا عن قطاع التعليم قبل عودته إليه، ألا يضرب هذا مصداقيته في العمق؟

لنترك هذه الأسئلة، ونركز على القضية الأبرز في هذا المجال، هو تكوين الأساتذة، فقد صرح الوزير بأن النظام الحالي، والمعمول به في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين غير كافي، ويجب مراجعته جذريا، على الرغم من مرور سنتين فقط على انطلاقه، والتصور الأولي الذي اقترحه، هو التكوين لثلاث سنوات بدل سنة واحدة، وبالرغم من أنه لم يوضح، على الأقل للعموم، خطته بوضوح، فإن السيناريو الأكثر معقولية، هو أن تستقبل المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، خريجي الباكلوريا، وتقوم بالدور الذي تقوم به الكليات، أي أن تقوم بتكوين هؤلاء المقبولين طوال ثلاث سنوات، وهذا يفترض أن تكون الشهادة التي ستمنحها هذه المراكز، هي شهادة معادلة للإجازة، مما يفرض خضوعها هي أيضا لنظام (LMD)، أي نظام التعليم العالي، المعتمد على الإجازة والماستر والدكتوراه، على أن ينتهي الطالب الأستاذ باجتياز مباراة التخرج، والتي هي بمثابة مباراة للتوظيف، تمكن الناجحين من ولوج سلك التدريس، أما غير الناجحين فيمكنهم، إما استكمال تعليمهم الجامعي في الماستر، أو العمل في القطاع الخاص، وهو النظام المعمول به إلى حد ما في كندا، حيث تمنح «رخص» للتدريس، طبعا بعد فترة معينة من الاختبارات والتداريب.

أما السيناريو الأبعد فهو أن تقوم المراكز باستقبال المجازين، وتقوم بتكوينهم لثلاث سنوات، وهو أمر صعب، إن لم نقل أنه مستحيل، بسبب محدودية البنيات التحتية، فضلا عن عدم توفر المراكز على بنية بشرية كافية من المكونين القادرين على توفير تكوين عال، على الأقل من الناحية المعرفية، بسبب بطء الوزارة في التوظيف والتعيين بها، أو على الأقل عدم توزيعهم التوزيع الجيد على مختلف المراكز، مما يعني أن السيناريو الأقرب للواقع، هو تركيز الجهد لإنجاح التجربة الحالية والتي احترم فيها روح المثياق الوطني للتربية والتكوين.


مصطفى مواردي



تعليقات

المشاركات الشائعة