الوجه الآخر لامتحانات مهن التربية والتكوين
بقدر ما يبدو، للوهلة الأولى، فتح باب الترشح لاجتياز امتحانات ولوج مراكز التربية والتكوين دون اختيارات أولية، بقدر ما يبدو بابا جديدا لشباب وكهول، وبارقة أمل في ليل بهيم تعيشه شريحة واسعة من المغاربة بعدما قضوا زهرة العمر داخل حجرات الدرس. وبرغم قلة المناصب المرصودة لذلك، مقارنة بعدد المترشحين وغير المترشحين المعنيين بالأمر، فإن هذه المباريات تخفي وجها آخر قاتما.
رهان سياسي... فشل سياسي...
لعل أهم إنجاز تحقق أو يمكن أن يتححق من وراء مثل الطريقة التي تجرى بها مثل هذه المباريات، هو اللعب على مكاسب سياسية ولو محدودة لصالح الحاكمين، على اعتبار أن الأمر يمكن أن ينفس شيئا من الضغط الذي يعانيه المواطن المغربي بمختلف تجلياته، وعلى اعتبار أن ذلك يعيد للشباب المتعلم نزرا ضئيلا من حقوق المتعلمين في العمل، ليسوَّق في النهاية على أنه إنجاز سياسي يلامس فئة مهمة، لنجده مكتوبا بخط بارز على أوراق الإنجازات الكبرى، وهو لا يعدو أن يكون التفافا ومناورة.
وبنفس القدر ويزيد عليه، فمظاهر التهافت على المبادرة وشكل تسويقها وظروف إجرائها، تشير إلى حجم الفشل السياسي الممتد لعقود من الزمن في استيعاب طاقات البلد والتدبير المحكم لقطاعات مهمة فيه، وإهدار فرص التنمية في عدم الاستفادة من طاقات الأمة خاصة القوى النشيطة والمتعلمة المتحمسة للبناء والعطاء. بل إن الدولة بسياساتها الفاشلة صارت تعد المواطن المغربي بمخرجات تعليمة تجعله لقمة سائغة تلتهمه عقارب الساعات انتظارا لانطلاق قطار حياته أو في "المُوقَفْ"، أو وجبة دسمة لأرباب المعامل والشركات المفترسة، أو مؤسسات تمتص عرقهم وجهدهم حتى النخاع، حيث تهدر الكرامة البشرية وتمتهن القيم النبيلة، وتضيع الحقوق ليعيشوا على الهامش أشباه آدميين مستعبدين في دولة لا تجيد إلا وضع الأغلال على القلوب والعقول والأعمال. كل ذلك في عجز تام من الحاكمين عن إيقاف النزيف عقودا من الزمن، بل المسؤولية في إيغاله تخطيطا وتنفيذا وتزكية.
أليست جريمة في حق الوطن أن تهدر طاقات عشرات الألوف من أبنائه، لنضرب لهم موعدا في آخر محطات حياتهم مثخنين بالجراح؟
يا ليت الشباب...
حان موعد الامتحان واصطفت طوابير المترشحات والمترشحين، ومنهم من جاء معه ابن أو ابنان إلى باب مركز الامتحان يشجعانه، منهم حوامل، ومنهم من اشتعل رأسه شيبا، منهم من تمكنت منه علل الزمن وأمراضه، ومنهم من تثاقلت مشيتها جراء عمليات ثلاث قيصرية للولادة... أحوال لا تحصرها الكلمات حيث خطوط الزمن مرتسمة على الوجوه تقرأ فيها سطور المعاناة ناطقة وصامتة. لتنتصب علامات الاستفهام والتعجب بعدد شعرات الرأس: أين أهدرت كل هذه الطاقات؟ أليس جديرا بمن صيرهم إلى هذا الحال أن يعتذر لهؤلاء الشباب ولأسرهم وللبلاد والعباد؟
قتل الحاكمون كل معاني الشباب، لم يبق من العزم والحزم والأمل والجد إلا الأثر. واأسفاه، كم تبددت من الآمال والأوقات، حتى صار الشباب ينشدون مع الشاعر: ياليت الشباب يعود يوما... لكن هذه المرة لا ليخبروه بما فعل المشيب، بل ليرى ما فعله الحاكمون بالبلد وعمادها الشباب. حتى لم يعد الشباب قادرا على الحلم لما حاصرته كوابيس الليل والنهار.
معاناة... ومعاناة...
ما الذي يدفع شبابا في منتصف أعمارهم وما يزيد إلى المقامرة بحياتهم من جديد؟ إذ يفترض في شباب جاوز الثلاثين أو الأربعين أن يكون قد حسم اختياراته الحياتية، ورسم خريط طريقه. يفترض أنه بنى عشا وحضن بيضا وفقس ثم درج وأثمر. لكنك في المغرب، فلا استقرار مادي أو نفسي يهنأ فيه الموظف والمهندس والمستخدم... فما بالك بالعامل والعاطل والجميع يعلم ما تفعله مؤسسات القروض، واسأل إن شئت البقال في آخر الزقاق ينبئك عما يندى له الجبين.
إن هؤلاء العشرات من الآلاف ليسوا إلا عربون ملايين أخرى، ليسوا إلا شجرة تخفي أجمة من أشباه المواطنين الذين يصطلون بنار سياسات تفرغ المواطنة من معناها الحقيقي وتبقيه زبونا في المناسبات التي يراد لها أن تُسوِّق أن المغرب بلد النعيم المقيم، والاستقرار المكين، ويحمل الحاكمون كل ذلك سيفا قاطعا يهددون به كل من تألم لآلام البلد، أو أخذته الغيرة، واعتصره الأسف على ضياع فرص النهضة والتنمية الحقيقية.
تحية لكل شاب وشابة... حرية لكل طاقة معطلة محبوسة... حظا موفقا... دامت لكم الإرادة والعزيمة.
بقلم: عبد الكبير البغدادي
تعليقات
إرسال تعليق