التعويض عن العمل بالعالم القروي: زلة قلم ولسان أم آت بعد طول زمان؟
جاء في الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي يعتبر
الإطار المرجعي للتوجهات العامة للسياسة التعليمية ببلادنا، وفي المجال
الرابع المتعلق بالموارد البشرية وبالضبط في الدعامة الثالثة عشر المتعلقة
بحفز الموارد البشرية ما يلي: (مراعاة
الظروف الخاصة للأطر التربوية العاملة بالوسط القروي بتوفير الشروط
الضرورية لعملهم وحفزهم بمنح تعويضات خاصة)، إذن فبناء على هذه المادة من
الميثاق الوطني للتربية والتكوين سيتم الحديث عن التعويضات الخاصة للأطر
التربوية العاملة بالوسط القروي ابتداء من سنة 2006 أي
بعد ست سنوات من إقراره في الميثاق، وفي سنة 2009 سيتم الحديث عن التعويض
عن العمل بالمناطق الصعبة والنائية، فهل يا ترى ستستفيد الأطر التربوية
فعلا من التعويضات عن العمل بالعالم القروي؟ أم إنه زلة قلم وقع فيها من
كتب بنود الميثاق وأقحم هذا التعويض إقحاما بين فصوله؟
فاعترافا بالمجهودات التي تبدلها الأطر التربوية
بالعالم القروي والتي تشتغل في ظروف صعبة بل وقاسية، من قبيل انعدام
الكهرباء والماء والسكن والطرق وقساوة المناخ وصعوبة التضاريس…، سيتم
اعتماد مبدأ التعويض عن العمل بالعالم القروي بين ثنايا الميثاق الوطني
للتربية والتكوين، وهذا في حد ذاته اعتراف صريح من طرف الدولة بالظروف
الصعبة التي تمارس فيها فئة من موظفيها مهامهم، لكن المتتبع للمنهجية
والطريقة التي اعتمدتها وزارة التربية الوطنية في أجرأة هذه المادة من الميثاق الوطني للتربية والتكوين تجعله يقف حائرا بل شاكا في جدية تطبيق هذه المادة وأجرأتها على ارض الواقع.
فالحديث عن التعويض عن العمل بالعالم القروي لن يدخل
في أدبيات وزارة التربية الوطنية إلا في سنة 2006 أي تقريبا بعد ست سنوات
من صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين، حيث سيتم الحديث عنه من طرف
مصالح وزارة التربية الوطنية سواء في مذكراتها أو توجهاتها، والترويج له
إعلاميا، لكن بسبب الاختلاف حول تحديد وتعريف ما هو العالم القروي، سيتم
غض الطرف عن هذه التعويضات حيث يتم الإشارة في كل الخرجات الإعلامية انه
قيد الدرس والمناقشة في إطار لجنة خاصة.
في أواخر سنة 2009 ستعلن وزيرة التعليم المدرسي
آنذاك السيدة العابدة وعلى شاشة القناة الثانية أن أساتذة العالم القروي
سيستفيدون من تعويضات ابتداء من يناير 2010 وبأثر رجعي ابتداء من شتنبر
2009، فعمت فرحة عارمة هؤلاء الأساتذة واستيقنوا بأنه جاء وقت إنصافهم
وتحقيق العدالة في حقهم، لكن هيهات فحبل الكذب قصير، مرت سنتان عن تلك
الخرجة الإعلامية للسيدة الوزيرة ولم يستفد أي أستاذ من تلك التعويضات،
ربما يمكن اعتبارها زلة لسان من طرف السيدة الوزيرة تنضاف لزلة القلم التي
وقعت عند كتابة هذا المطلب في الميثاق الوطني، فهذه الخرجة الإعلامية ما
زالت عالقة لحد الآن في أذهان الكثير من نساء ورجال التعليم، مما يضع
تصريحات وزراء التربية في محك مصداقية الخطاب الموجه لأسرة التربية
والتكوين.
قبل رحيل القدامى ومجيء الجدد إلى وزارة التربية
الوطنية تم إنشاء لجنة موضوعاتية خاصة بالتعويض عن العمل بالمناطق الصعبة
والنائية لتحديد المعايير الخاصة للاستفادة من التعويضات ومن تم تحديد
المناطق المعنية. أشغال هذه اللجنة لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد، كما لو أن
هذه اللجنة أريد لها أن لا تخرج بأي شيء، المهم أنها تجتمع وتناقش،
وستجتمع مرة أخرى لتناقش، فكما قال أحد المفكرين (إذا كان لديك مشكل مؤرق
ولا تريد له حلا فاخلق له لجنة)، وفي كل مرة يتم تسريب المعايير أو
المناطق المستفيدة فتقوم المناطق الغير المستفيدة بالاحتجاج، وفي بعض
الأحيان يتم توقيع اتفاقات فردية مع بعض المناطق لتستفيد بأكملها تطبيقا
لمبدأ إما أن نستفيد جميعا أو لا يستفيد أحد، وبالفعل ولحد الآن لم يستفد
أحد، إنها طريقة ذكية من طرف المسؤولين لتمييع مطلب التعويض عن العمل بهذه
المناطق في انتظار كتابة ميثاق جديد للتراجع عن زلة القلم هذه.
مؤخرا تم تسريب مذكرة خاصة بالمعايير لتحديد المناطق
المستفيدة من التعويضات، بعض الردود على هذه المعايير اعتبرتها خاصة
بمناطق في القمر أو في كوكب آخر، لكن الحقيقة المرة هو أنه فعلا هناك
مناطق تستجيب لكل تلك المعايير، بل هناك معايير أخرى أشد قساوة لم يتم
ذكرها في هذه المذكرة تخص مناطق معينة (مثل قبائل الرحل)، وقد حددت هذه
المذكرة تاريخ 15 شتنبر للتوصل بالمناطق المستفيدة من هذه التعويضات من
طرف المصالح المركزية بالرباط.
تحديد تاريخ معين وقريب للتوصل بالمناطق المستفيدة
من هذه التعويضات يمكن اعتباره شيئا جميلا وجديا، وإشارة قوية من طرف
الدولة بأنها عازمة على تطبيق التزاماتها خاصة وان التصريح الحكومي الأخير
أشار إلى تحفيز الموظفين العاملين في ظروف صعبة، لكن يبقى التخوف والحيطة
وعدم المبالغة في التفاؤل هو الموقف الحكيم حاليا، فتصريح الوزيرة السابقة
بشان هذه التعويضات ليس ببعيد.
لكن المستجد هذه السنة هو خروج الأساتذة المعنيين
والمتضررين بالفعل عن صمتهم في إطار تنسيقيات خاصة بالمطالبة بهذه
التعويضات، بعدما استيقنوا أن لعبة اللجنة واجتماعاتها اللامنتهية لا
تنتهي، وأن صبرهم على هذه اللجنة الموضوعاتية قد نفذ.
إذن فالمطلوب من وزارة التربية الوطنية هو العمل على
إخراج مطلب التعويض عن العالم القروي إلى الفعل، بعيدا عن التماطل
والتسويف الذي دام عدة سنوات، وان تعمل على أن يتم البدء في صرف هذه
التعويضات للمعنيين بالأمر في أجل أقصاه يناير 2013 وبأثر رجعي، كما أن
الأطراف الأخرى عليها أن تعمل بسياسة خذ وطالب، وفي حالة العكس، واختيار
أسلوب اللجنة الموضوعاتية واجتماعاتها اللامنتهية فان المتضررين لن يكتفوا
بمشاهدة جولات في مباراة كرة المضرب، فعشر سنوات من الانتظار لصرف هذه
التعويضات كانت كافية من أجل إنضاج كل الظروف لتحقيق هذا المطلب، ولا يمكن
انتظار عشر سنوات أخرى من الاجتماعات والنقاشات.
تعليقات
إرسال تعليق