بين عجز «الميثاق».. وفشل البرنامج
يعتبر مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين ثمرة عمل جماعي مكثف من طرف اللجنة الخاصة للتربية والتكوين التي تم تشكيلها بأمر من الملك الحسن الثاني في خطاب العرش لسنة 1999، حيث قامت اللجنة بزيارات ميدانية داخل أرض الوطن وخارجه قبل أن تصوغ «الميثاق»، الذي تم عرضه على أنظار الملك محمد السادس الذي أعطى موافقته عليه في الثامن من أكتوبر بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 99-2000.
ووفقا لمتتبعين، فإن ميلاد «الميثاق» جاء في سياق فشل كل محاولات الإصلاح منذ الاستقلال، وفي ظل تواتر التقارير الدولية والمحلية التي تتحدث عن «شلل» المنظومة التعليمية وتأخر المغرب عن ركب الدول المتقدمة في أغلب قضايا التعليم.
وتاريخيا، فإن «الميثاق» ولد من رحم فشل ما يعرف ب»وثيقة المبادئ الأساسية» التي كانت ثمرة نقاشات للجنة موسعة شكلت سنة 1994، مكونة من أعضاء مجلس النواب وممثلي الإدارات التعليمية والفعاليات الاجتماعية والاقتصادية والنقابية، نظمت سلسلة من الجلسات خلال الفترة الممتدة من 5 ماي سنة 1995 إلى 9 يونيو سنة 1995. وانطلقت الوثيقة من اعتبار قضية التعليم ذات طابع استراتيجي ووطني وربطت الإصلاح بالمؤسسة لا بالأفراد، قبل أن يصبح الفشل العنوان الأبرز لهذه المرحلة التي لم تكن سوى تكريسا لمراحل طويلة من الفشل.
وضم الميثاق محورين رئيسيين، الأول يحتوي على المبادئ الأساسية التي تضم المرتكزات الثابتة لنظام التربية والتكوين والغايات الكبرى المتوخاة منه، وحقوق وواجبات كل الشركاء، والتعبئة الوطنية لإنجاح الإصلاح، الثاني يحتوي على ستة مجالات للتجديد موزعة على تسع عشرة دعامة للتغيير أهمها نشر التعليم وربطه بالمحيط الاقتصادي، والتنظيم البيداغوجي والرفع من جودة التربية والتكوين والموارد البشرية، والتسيير والتدبير والشراكة والتمويل.
وبعد أن عجز «الميثاق» بدوره عن تحقيق ما عجزت عنه الإصلاحات السابقة، بادرت الوزارة الوصية بشكل سريع إلى الإعلان عن مخطط استعجالي، هذه الخطوة نالت انتقادات واسعة خاصة أنه كان منتظرا أن يتم طرح المنظومة التعليمية وحصاد الخمسين سنة من التدبير للنقاش العمومي والموضوعي، وسن إصلاح تعليمي وفق مقاربة شمولية وبطريقة تشاركية، واعتبر الفاعلون حينها أن المخطط لا يعدو أن يكون سياسة للهروب إلى الأمام.
ويعتبر السوسيولجي مصطفى محسن الذي صدر له أزيد من 10 كتب حول المنظومة التربوية في العالم العربي، أن المغرب شأنه شأن جل الدول العربية يفتقد إلى فلسفة تربوية واجتماعية وسياسية مرجعية موجهة للنظام التربوي، مشيرا أنها ـ إن وجدت ـ تظل نظرية مبتعدة عن الواقع دون أن يوجد لها أي تصريف على أرض الواقع، إضافة إلى عدم توفر مشاريع إصلاح التعليم إلى منظور واضح للإنسان الذي هو صلب العملية التربوية، ويؤكد محسن في حوار نشره مركز نماء للدراسات والبحوث، أن الرؤية للتربية والتعليم والتكوين ما تزال تفتقر إلى تصور منسجم ومتكامل لإدماج مخرجات النظام التربوي والتكويني من كفاءات في مجالات المجتمع والإنتاج بشكل عام أم شامل، إذ ليس هناك تصور واضح لربط التعليم بالتشغيل، وأيضا لربط التعليم بالاقتصاد.
تعليقات
إرسال تعليق