خالد الصمدي رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية : كفى من إصدار الإجراءات الاستعجالية




أكد خالد الصمدي أن كل مؤشرات فشل منظومة التعليم موجودة على أرض الواقع سواء المتعلقة بالميثاق الوطني للتربية والتكوين أو المخطط الاستعجالي المكمل له، وأشار إلى ضرورة النظر إلى ملف التعليم في المغرب باعتباره قطاعا استراتيجيا بعيد المدى وليس عبارة عن إجراءات استعجالية، ودعا المتحدث، إلى التسريع في إخراج المرسوم المنظم لهذا المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي إلى حيز الوجود، وانتخاب المجلس والعمل على صياغة ما نسميه بالميثاق الجديد للتربية و التكوين في نطاق العشرية القادمة.
● بداية، هل كان متوقعا أن يتم الإعلان عن فشل منظومة التعليم ببلادنا؟
❍ على كل حال، فالخطاب الملكي لم يرد فيه فشل بهذه الصيغة، لكن كل مؤشرات الفشل موجودة على أرض الواقع سواء المتعلقة بالميثاق الوطني للتربية والتكوين أو المخطط الاستعجالي المكمل له، لذلك استدعى الأمر دق ناقوس الخطر من مختلف الفاعلين، وهذا ما عكسه الخطاب الملكي حينما دعا إلى ضرورة التعامل مع القطاع كعامل استراتيجي وليس التعامل مع ملفات جزئية. والملاحظ أنه في الخطاب استعمال لفظة «المنظومة التربوية» بدل مجال التعليم والتربية والتكوين، مما يعني أن الأمر لا يتعلق بوزارة التعليم وحدها وإنما بكل القطاعات الوزارية الأخرى المتدخلة وحتى القطاعات غير الحكومية كالمجتمع المدني والنقابات.
وعموما، فإن الخطاب الملكي ركز على نقطتين أساسيتين؛ الأولى أن يتم النظر إلى التعليم كقطاع استراتيجي بعيد المدى، والنقطة الثانية مرتبطة بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي باعتباره مؤسسة دستورية. وفي اعتقادي، أن الخطاب بمثابة خطة طريق لصياغة المرسوم الذي ينظم عمل المجلس الأعلى ويحدد المهام الأساسية التي يضطلع بها.
ولا بد من الإشارة، إلى أن اللجنة التي أعدت الميثاق الوطني للتربية والتكوين سابق وكان يشرف عليها المرحوم مزيان بلفقيه لم تكن مؤسسة دستورية، وكذلك البرنامج الاستعجالي لم تضعه مؤسسة دستورية بل هو برنامج حكومي، لكن اليوم لابد من التعامل مع الملف بمنظور آخر عن طريق التخطيط الاستراتيجي من طرف مؤسسة دستورية (المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي)، لأن ذلك سيجعل كل ما يصدر عن هذه المؤسسة له طابع الإلزام بالنسبة لمختلف القطاعات الحكومية المتدخلة.
● من خلال تقييمكم للوضع التعليمي، أين يكمن الخلل بالضبط؟
❍ يمكن أن نقول أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين كان يشكل خطة استراتيجية لأول مرة في المغرب، لكن المشكلة أنه لم تضعه مؤسسة دستورية ولم يتحول إلى مراسيم وقوانين، مما جعل الحكومات المتعاقبة تعمل على تدبير هذا القطاع حسب منظورها وبرنامجها الحكومي، الأمر الذي نتج عنه تضارب بين المخططات الحكومية والميثاق، وتوالي صدور التقارير الوطنية التي ظلت تناقش قضايا جزئية فقط.
من جهة أخرى، لم يركز البرنامج الاستعجالي إلا على البنيات التحتية وأغفل البرامج والمناهج التي تعتبر صلب العملية التعليمية.
● الملاحظ حسب متتبعين، أن كل الإصلاحات المتعاقبة باءت بالفشل والإخفاق، في نظركم، ألم يكن متوقعا قبل ثلاث سنوات أن يسير المخطط الاستعحالي إلى نفس المصير؟
❍ ملف التربية والتكوين لا ينبغي النظر إليه كمخططات استعجالية بل يجب النظر إليه كقطاع استراتيجي بعيد المدى، والبرنامج الاستعجالي لم يكن خطة لإصلاح التعليم بقدر ما كان خطة مكملة لتسريع تحقيق أهداف الميثاق الوطني للتربية والتكوين، لذلك كان من المفروض ألا ينتظر من هذا المخطط الذي لا يتجاوز عمره ثلاث سنوات أكثر مما تحقق، وأكيد أن الفشل كان متوقعا. رغم ذلك، من السابق لأوانه أن نقول أن المخطط فشل لأنه يحتاج إلى تقويم مستقل تقوم به وكالة مستقلة تعمل على تحديد مكامن الخلل، وليس إلى تقويم الوزارة.
● بين الفينية والأخرى تصدر تقارير دولية آخرها تقرير اليونسكو، ترسم صورة «قاتمة» عن الوضع التعليمي بالمغرب وتتحدث عن فشله، ما تعليقك؟
❍ يجب أن تقرأ التقارير الدولية سواء الصادرة حول التنمية في الوطني العربي أو تقارير اليونسكو في سياق دولي وليس وطني، لأن المقارنة بين المدرسة المغربية والمنظومات التربوية الأخرى يخضع لتقيم دولي، وأنا لا أقول أن نتائج التقارير غير صحيحة وإنما أقول أنها تفتقد إلى الكثير من المعطيات المحلية، وإلا كيف يمكن تفسير نجاح الطلبة المغاربة الحاصلين على البكالوريا بتفوق في امتحانات المدارس العليا في فرنسا، وكيف يفسر استقطاب العديد من الدول الأوروبية وكندا للكفاءات المغربية واستعدادها لتقديم منح تسهل عليهم الانتقال إليها. لكن هذه التقارير يمكن الاستفادة منها.
● ما هو المطلوب اليوم لإصلاح الوضع التعليمي، هل نحن في حاجة إلى إجراءات استعجالية أخرى؟
❍ أعتقد أن الخطاب الملكي، و الدستور الحالي الذي يتحدث على دستورية المجلس الأعلى للتكوين و البحث العلمي، سيشكلان محطة محورية في إصلاح منظومة التربية والتعليم في بلادنا، والمفروض على الحكومة اليوم أن تعمل على التسريع في إخراج المرسوم المنظم لهذا المجلس إلى حيز الوجود، وأن ينتخب هذا المجلس -طبقا للقانون- الكفاءات الوطنية القادرة على صياغة منظور استراتيجي لإصلاح نظام التربية والتكوين، ويعمل على صياغة ما نسميه بالميثاق الجديد للتربية و التكوين في نطاق العشرية القادمة، ولابد في إطار التربية و التكوين أن نتحدث عن15 إلى عشرين سنة، بالنسبة لمستقبل التربية و التعليم.
وكفى من إصدار الإجراءات الاستعجالية، والاشتغال على الملفات الجزئية، وكفى من النظر إلى القطاع باعتباره قطاعا اجتماعيا، بل ينبغي النظر إليه كقطاع تنموي، وأعتقد أنه من خلال هذه الرؤية يمكن أن نشتغل في نطاق وطني جديد يصوغه المجلس الأعلى للتعليم كمؤسسة دستورية، ويصبح إطارا ملهما لمختلف الحكومات التي سوف تتعاقب على تدبير الملف، وهذا هو المخرج الحقيقي.
النقطة الأخرى المركزية، أن يعتمد على التمويل الذاتي لمنظومته التربوية، فالتمويل يشكل حجر الزاوية وبدون شك فإن أي طلب للدعم يقدم إلى المؤسسات الدولية يكون له ثمن، ذلك أن الفرنكفونية لها شروطها والأنكلوفونية لها شروطها..وبالتالي يجب أن نسير في اتجاه استقلالية نظام التربية والتكوين، والانفتاح على مختلف التجارب دون التركيز فقط على التجربة الفرنسية، بما في ذلك التجارب الأمريكية والبريطانية، وكذلك احترام الخصوصية المغربية المبنية على الهوية و القيم، التي أرى أنها المنظور الاستراتيجي الأنسب للتربية والتكوين والبحث العلمي في بلادنا

تعليقات

المشاركات الشائعة