الإصلاحات القيصرية لمنظومة التربية والتكوين




جاء الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ثورة الملك والشعب ليضع حدا للجدل الذي دار في الأوساط التربوية حول جدوى الإصلاحات التي عرفتها منظومة التربية والتكوين منذ نهاية العقد الأخير من القرن الماضي.

الخطاب حسم في أمر تقويم هذه الإصلاحات، إذ قدم تقييما قاسيا لمحاولات الإصلاح الأخيرة، وأقر بفشلها، لدرجة أن إحدى الجرائد الوطنية اعتبرت في افتتاحيتها أن "الملك ينعي المغاربة في مدرستهم العمومية" وإعلانه فشل مخططات مستشاره الراحل مزيان بلفقيه، وبعثه رسائل قوية إلى الوزيرين الوفا والداودي.

اتسمت الإصلاحات الأخيرة التي مست المنظومة االتربوية المغربية بالطابع الاستعجالي ، فالقرارات التي اتخذت في هذا الشأن، وطريقة تنزيلها وتنفيذ مشاريع والإصلاح كل ذلك أنجز بشكل مستعجل. فلا "عشرية" الميثاق الوطني للتربية والتكوين التي استعجلت النتائج، ولا "رباعية" البرنامج الاستعجالي التي حددت جدولة زمنية صارمة لتنفيذ المشاريع، فلا هذه ولا تلك أعطت الوقت الكافي لسيرورة الإصلاح التربوي.

فطابع الاستعجال بدأ مع الميثاق، فمجالاته الستة ودعاماته التسعة عشر جاءت حالمة أكثر منها واقعية، فالمواعيد التي حددت سواء تعلق الأمر بتعميم التعليم الأولي في أفق 2004 ، أو القضاء على الأمية في غضون 2015، أو إحداث ثانويات التميز، أو إرساء اللامركزية واللاتركيز... كلها مواعيد أخلفت في غياب رصد الموارد المادية والمالية اللازمة، فكان استعجال النتائج أحد أسباب تخلف الميثاق عن تحقيق انتظاراته وبلوغ أهدافه.

قبيل نهاية عشرية الميثاق، جاءت رجة تقرير المجلس الأعلى للتعليم(2008)، والذي استند إلى أعمال إحدى هيئاته والمتمثلة في الهيئة الوطنية لتقويم منظومة التربية والتكوين،  إذ نتج عن الخلخلة التي أحدثها التقرير صدور البرنامج الاستعجالي(2009- 2012) الذي ورد في شكل وثيقة بمثابة مخطط، وهي عبارة عن دراسة أنجزت من طرف مؤسسة للدراسات. إلا أن تسمية البرنامج توحي في طياتها بطابعه الاستعجالي، فكان قدر هذه المنظومة، مرة أخرى، الاستعجال.

استعجال وجد تبريره في  ضرورة التدخل الاستعجالي لأجل تسريع وتيرة الإصلاح، نتيجة اقتراب انتهاء العشرية المخصصة لتنفيذ الميثاق الوطني للتربية والتكوين، دون تحقق الكثير من الانتظارات والمواعيد التي وضعها، مع إعطاء نفس جديد للنظام التربوي المغربي.

اليوم، وأمام هذا المنعطف الذي تعيشه منظومة التربية والتكوين بالمغرب، قد نتفق جميعا على أن الإصلاح الشامل للمنظومة التربوية يتطلب أن يكون جزءا من مشروع مجتمعي شامل يشارك الجميع في بلورته وتنزيله وتنفيذه، حتى تولد النتائج المتوخاة ولادة طبيعية، ونتجنب بذلك الإصلاحات القيصرية التي تخضع لها بين الفينة والأخرى منطومتنا التربوية المغربية.

تعليقات

المشاركات الشائعة