تَعْلِيمُنَا الْمَرِيضُ؛ هَلْ تُصْلِحُهُ "الْعَيْنُ الْحَمْرَا" ؟







تعليمنا مريض .. أجل تعليمنا مريض. وهذه حقيقة لا ينكرها إلا جاحد، ولا يتجاهلها إلا انتهازي ألِف أن يقتات من برامج الإصلاح الترقيعية، وحلقاته التي لا تنتهي.
فتعليمنا مثل رياضتنا، مثل إعلامنا، مثل صحتنا،... جسد مريض في غرفة عمليات بدون حراك، يخضع لعمليات مُكَلِّفَة،  يعتاش منها ليبقى على رمق الحياة، في شلل شبه تام،  دون أن تكون له القدرة على تحريك أطرافه المجمدة، فضلا عن نفخ الروح في مجتمع راكد، تجثم عليه سياسات هجينة، تحفظ له ملامح الحياة في الوقت الذي تعمل فيه الأدواء عملها الهالك.
لقد جربت الدولة المغربية كل مشاريع الإصلاح الممكنة وغير الممكنة، وبدلت الوزارات المتعاقبة على قطاع التربية والتعليم- فيما يبدو للناس- كل الوسع والطاقة، لانتشال المنظومة التربوية من قاع الفساد الذي تتخبط فيه. لكن الوضع ظل يراوح مكانه، وبرامج الإصلاح  لا تصلح حالا ، ولا تهدي سبيلا.
لقد اعتاد "شلاهبية" المنظومة، من المشرفين على السهر على الإصلاحات الترقيعية المتتالية، أن يؤسسوا لأنفسهم وأهليهم قصورا على أنقاض هذا الجسد المتهالك، وينأوا بأنفسهم عن حياضه المُعدية، ويفروا بأبنائهم إلى "البعثات" ينفقون عليهم من ملايين الدراهم التي يتقاضونها على مشاريع "إنعاش" منظومة فاقدة لما تعطي، ممدة على سرير الموت تعيش لحظات احتضار لا يحسها إلا من خبر هذا الميدان لسنين، ورافق مشوار الإصلاحات الترقيعية، بل إصلاحات الإصلاح؛ في سلسلة من :"كلما دخلت أمة لعنت أختها" !!.
لقد استأثر الحراك  الماراطوني الذي تولاه السيد "الوفا" منذ توليه  مسؤولية هذه الوزارة، بدءا بقراراته الحاسمة في إيقاف جملة من مشاريع وقرارات سالفيه، وانتهاء بنزوله إلى الميدان لتفقد مدى تطبيق المجتمع التربوي لقراراته الفريدة، فضلا عن خرجاته الإعلامية العفوية، البعيدة عن لغة الخشب؛ باهتمام  العديد من المراقبين، والمتتبعين للشأن التربوي بهذا البلد، كما استأثر باهتمام رجال ونساء  المنظومة؛ بل باهتمام آباء وأمهات التلاميذ الذين غلب على "رأيهم العام" استحسان هكذا تحركات.
لكن المواقف تباينت بين مختلف هذه الطوائف، بين مستحسن لها، مقدر لأهدافها النبيلة، مرحب باستمرارها، خصوصا تلك القرارات التي سعى من خلالها السيد الوزير إلى رد بصيص من الاعتبار للمدرسة الوطنية العمومية، بالإضافة إلى نزوله للشارع التربوي وتفقده لسير العمل داخل العديد من المؤسسات.  وهذه الطائفة تتشكل خصوصا من آباء وأمهات التلاميذ.
وطائفة استحسنت من هذا "الحراك الوفوي" شقَّه المتعلق بالقطع مع  السياسة التربوية التي أصلت لها الحكومة السابقة حينما حصرت مشروعها الإصلاحي في صرف ملايير الدراهم على استيراد "خطة بيداغوجية" فاشلة في عقر دارها، واشتغلت على فرضها بالحديد والنار على رؤوس رجال ونساء التعليم، وعبأت من أجل ذلك كل الأدوات المادية والرقابية واللوجستية الممكنة. في المقابل،  اعتبرت هذه الطائفة حصر السيد الوزير "البديل" في إصدار المذكرات والمقررات الوزارية وفرضها بقوة، وإغلاق كل منافذ الحوار دونها، والتهديد باتخاذ الإجراءات الصارمة في حق الرافضين والمتلاعبين بها، وإيفاد لجان يفتقد بعضها لحس التتبع والمواكبة التربويَيْن،  مما يجعلها تستحيل، كلما همَّت بمعالجة قضية من القضايا، أو مشكل من المشاكل التي تفرمل السير العادي للعملية، إلى "بعبع" يحدث من الضجيج، والصراخ، أكثر مما يقدم من أجوبة حاسمة على تساؤلات جنود المنظومة؛ سباحة ضد التيار، وتغطية على الفشل في إيجاد البديل !!.
كل هذه الإشارات ، سواء اتفقنا معها أو اختلفنا، لا يمكننا اعتبارها-أبدا- البديل المنتظر، كما لا يمكننا اعتبارها – قط - مشروعا للإصلاح  قد ينهض بالمنظومة، ويقطع مع السياسات القاتمة التي أظلمت وجه هذا القطاع، وتخلفت به عقودا من الزمن ، ووضعته –بين الأمم- في ذيل الترتيب...فهي ولا شك - في عمومها - إشارات مُقَدَّرة، ولكننا لا زلنا ننتظر البديل(!).
فـ"العين الحمرا" التي يظهر أن السيد الوزير قد اكتشف أنها آخر الدواء الذي يصلح لإيقاف الفساد الذي استشرى في قلب هذه المنظومة حتى أحاله إلى جسد مهترئ ، ليست مشروعا، ولا يمكن أن تكون بديلا للمشروع/المشاريع البائدة، كما لا يمكن –أبدا-أن تصلح ما تكالبت على إفساده  أجيال من مدبري القطاع ممن لا يستحيون فضلا عن أن يخافوا أويرعووا !.
و"العين الحمرا" التي تبديها بعض  لجان "المراقبة" في وجه العاملين بالقطاع في استباق لإصدار التهم قبل التَّحَقُّقِ والتَّبَيُّنِ،  ضربا لـ"أصالة البراءة"؛ أثبتت التجارب السابقة أنها لا تزيد الطين إلا بلة، والإصلاح إلا فسادا.
و"العين الحمرا" التي يواجَه بها العاملون في القطاع ، كأنهم المسؤولون الوحيدون عن هذه الأزمة المزمنة، لا يمكن إلا أن تشعل نار "الشطط" في القلوب،  وتحيل الوضع إلى صراع طوائف، وتَدَافُعَ جُزُر وفئات.
لقد جاءت هذه الحكومة بمقاربة في محاربة الفساد، وتثبيت دعائم الإصلاح عنوانها الأساس:"تطبيق القانون". ونحن بدورنا نقول : إن نجاح أي إصلاح  كيفما كان نوعه، وكيفما كانت ضمانات نجاحه ؛ لا يمكن أن يتحقق إلا إذا التزم الجميع بالقانون، وخضع الجميع للمحاسبة، وتقدم الجميع بالحساب ؛ من الوزير إلى الغفير.
فنجاح الإصلاح في المنظومة متوقف على شعور الموظف الصغير أنه والوزير أمام القانون سواء، لا فضل لهذا على هذا إلا بمقدار الجد والمراس والعطاء، وكل في مجال تخصصه. وهذا عامل نفسي خطير قلما ينتبه إليه المهتمون بقضايا الإصلاح .
فالموظف الذي يحس بأجواء المساواة والكرامة تظله من كل الجوانب. و"هيئات الرقابة" التي تحل عليه؛ تصاحبه، ولا تتكبر عليه، وتعينه ولا تخذله، وتشجعه إذا أحسن ، وتنبهه- بأدب- إذا أخطأ، وتحاسبه –وفق القانون- ولا تجامله.. فهذا الموظف هو الذي سيُنجِح الإصلاح، وسينهض بالمنظومة إلى المصاف الأُوَّل، وسيغرم بعمله ويخلص فيه. لأنه  يعلم أنه إذا قام بواجبه، وأخلص في عمله، نال حقه الذي يكفله له القانون كاملا مكمولا. كما يعلم أن هذا "القانون" لن يحابي المفسدين من المتهاونين، و"اشلاهبية"، والأشباح ، والنقابيين الانتهازيين و المتفرغين،...وأن إعمال القانون في حقهم  مما لا هوادة فيه ولا تساهل، وأن الكل أمام القانون سواء، وأن مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، سيكون أصلا أصيلا في تدبير المنظومة...
أما إذا كان هذا الموظف المسكين يمسي ويصبح على اللغة الخشبية لـ"صناع القرار" في البلد، ويلتفت ، فلا يرى إلا الفساد، والكذب، والضحك على "الذقون" ومحاسبة الصغار وغض الطرف عن الكبار ؛ فلا ننتظر منه إلا عصيانا يفشل كل شيء، ويوقف كل تغيير.
ولقد صدقت الوزيرة السابقة حينما قالت:" إن الإصلاح وصل باب القسم، فتوقف" ، لكنها لم تجب عن السؤال الجوهري:"لماذا؟". لذلك فضلت أن تهرب إلى الأمام، وتُحَمِّل الأستاذ والمدير المسؤولية في فشل التنزيل، وتتنصل من تحميل المسؤولية لبقية الطابور الممتد –عموديا- إلى دهاليز المركز. لأنها تعلم أن جيوب مقاومة التغيير أكبر منها، وأن التغيير في هذا البلد لا يكون إلا في يد من يملك القرار السياسي، والصلاحيات الواسعة...
لذلك يبقى أملنا في هذه الحكومة ذات الصلاحيات الواسعة وغير المسبوقة،  والتي رفعت شعار محاربة الفساد، وتطبيق القانون، والحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ...وهلمَّ عناوينا من عناوين  التغيير الحقيقي؛...  يبقى أملنا فيها – بعد الله تعالى- كبيرا في انتشال المنظومة من مستنقع الفوضى، ومَطَبِّ الاختلال والفساد...
وإن غدا لناظره قريب !!

ذ.صالح أيت خزانة

تعليقات

المشاركات الشائعة