قرارات الوفا ومحاربة التماسيح
بدأ الموسم الدراسي لها العام ساخنا عكس سابقيه، وكان السيد الوزير «محمد الوفا» من صنع الحدث بقراراته الجريئة التي حركت مياها أسنة كانت رائحتها تزكم الأنوف لكن لا أحد كان يجرؤ على رمي حجرة فيها خوفا من انبعاث روائح قد لايستطيع تحمل نثانتها. فبعد أن أرسل «بيداغوجيا الإدماج» و مؤسسها «غزافي» إلى مزبلة التاريخ بعد أن أخذ برأي العاملين بالأقسام الذين حذروا منذ البداية من أن هذه البيداغوجيا لا تتماشى والواقع المغربي، جاء خطاب جلالة الملك الذي أشر على وفاة المخطط الاستعجالي. هذا الخطاب الذي يعتبره البعض حاليا خارطة طريق لإصلاح شامل للمنظومة التربوية بالمغرب. بعدها، في بداية شهرشتنبر، وفي غضون يومين اثنين فقط، أصدر السيد الوزير قرارين كان لهما وقع الصدمة على الجسد التعليمي : الأول يتمثل في إلغاء العمل بالمذكرة رقم 109. والتي منعت الموظفين العاملين في القطاع العمومي من إعطاء ساعات إضافية في المدارس الخاصة،مع التذكير أنه وقع خلط بين إعطاء ساعات إضافية في المدارس الخاصة و منع الساعات الإضافية الليلية، هاته الأخيرة لاتشملها المذكرة لأن الساعات الإضافية غير قانونية أصلا وغير معترف بها رغم وجودها على أرض الواقع، أما الحالة الثانية فكانت موجودة وكان الأساتذة المتوفرون على ترخيص من النيابة يستغلونه لإعطاء ساعات أكثر في المدارس الخصوصية مقابل تواطؤ بعض الجهات معها. القرار الثاني: إصدار مذكرة وزارية تلغي المذكرة رقم 122، تهم تدبير الزمن المدرسي والتي بموجبها ولأول مرة في تاريخ المغرب سيصبح المدرسون يستفيدون من عطلة نهاية أسبوع تشمل يومي السبت والأحد أسوة بموظفي الإدارة العمومية. لاداعي للانتقاد والاعتراض، أعرف أن التعليم في المغرب قديما كان يستفيد من يومي عطلة لكن الجمعة والأحد. هاتان المذكرتان أشعلتا فتيل الغضب في نفوس عدد من العاملين بالقطاع التربوي، هؤلاء الأشخاص الذين كما نقول بالعامية المغربية «سد عليهم السيد الوفا الروبيني» فبعد إلغاء العمل ببيداغوجيا الإدماج و توقيف جميع التكوينات الخاصة بها و التي كانت تستنزف أموالا طائلة من أموال المخطط الإستعجالي دون أن يكون لها أثر إيجابي على الواقع التعليمي. بل كانت أغلبها تذهب إلى جيوب من لايستحق من المسؤولين. جاءت هاتان المذكرتان لتقفلا عليهم منابع أخرى كانوا يستفيدون منها على مرأى و مسمع الجميع. ظن البعض منهم أن كلام السيد الوزير هو مجرد فقاعات في الهواء وسيرضخ للضغوطات التي نعرف أنه من الممكن أن تمارس عليه من بعض الجهات، إلا أنه كان حازما في العديد من النقط، وإن ظن البعض أن قبوله إعطاء تراخيص للموظفين عن طريق الوزارة يعتبر تنازلا، إلا أن حرصه على مصلحة جميع المتمدرسين المغاربة هي التي دفعته إلى ذلك. ولكن مع ذلك، فهاته التراخيص لن تكون حجة للبعض للتهاون في أداء مهامهم في المدارس العمومية. لقد قرن منح التراخيص بشروط موضوعية وعلى باقي الهيئات الأخرى، من هيئة تفتيش وجمعيات آباء وأولياء التلاميذ وجمعيات المجتمع المدني القيام بعملها المنوط بها كل حسب اختصاصه لتحقيق النتائج المرجوة من هذه المذكرة. لحد الآن كل الأشياء تبدو عادية، لكن لايمكن أن تمر قرارات مثل هاته دون أن تنال حقها من النقد. فعلى الرغم من أن الجميع متفق على صحة القرارات التي نادى بها السيد الوزير بسبب وقوفها إلى جانب المدرسة العمومية، ولأنها كانت من بين الشعارات التي كان ينادي بها المجتمع المدني، فإن بعض الأصوات، وخوفا من أن تحصد غضب الشعب عليها، تعالت فقط للنيل منها بسبب التوقيت الذي جاءت فيه ولأنها كما يقولون ستضر بمصلحة التلاميذ الذين يدرسون بالمدارس الخصوصية لأن هذه المدارس تعتمد على أطر المدرسة العمومية. الأمر في البداية يمكن تصديقه لو كانت هذه الأصوات يهمها مصلحة التلميذ في الأساس، غير أن الحقيقة ليست كذلك، المصلحة التي تهمهم هي مصلحتهم الشخصية أولا وأخيرا، وإلا فلنسائل أنفسنا بصراحة ودون مجاملات. لماذا صار الجميع الآن يقول بأن أغلب العاملـين بالـمدارس الخـاصة هم أطر دولة أكفاء وذوو تكوين عال لهذا تستفيد هذه المدارس من خبرتهم. بينما عندما يتحـدثون عن المدرسة العمومية يقولون بأن الأطر غير مؤهلة وأن تكـوينهم غير كاف؟ أليس هذا تنـاقـض صـارخ بين الخطابين؟ أليـس هؤلاء الأطــر هم سبب أزمة المدرسة العمومية؟ إذن لماذا تدافعـون عنهم؟ ثم أليس من حق تلاميذ المدرسة العمومية الاستـفادة من خبرة هؤلاء الأطر ماداموا يتقاضون أجورهم من أموال دافعي الضرائب؟ أم أن التعليم الجيد يكون لمن يستطيع دفع أكثر بينما الفقراء والشعب البسيط عليه القبول بالفتات؟ ولا أظن كذلك أن السيد الوزير سيمضي أوقاتا سهلة مع هاته الأصوات بل عليه انتظار ضربات من تحت الحزام خاصة من هؤلاء الذين يدعون مصلحة التلميذ و على رأسهم هيئة التفتيش، الفئة المتضررة أكثر من هذه القرارات الجريئة للسيد الوزير. وقد بدؤوا فعلا حملتهم وذلك من خلال عدم التأشير على استعمالات الزمن الجديدة مقدمين تبريرات متعددة تختلف باختلاف وسط التدريس. فإذا كان الوسط حضريا يكون السبب غالبا عدم وجود قاعات كافية مع التأكيد على أن هذا السبب ليس موجودا في كل المدارس الحضرية. و إذا كان الوسط قرويا يكون السبب، على حد زعمهم، إن التوقيت الجديد سيكون فيه إرهاق للتلاميذ. وإذا وافقوا عليه فشريطة العمل صباحا و مساءا. وهذا في نظرهم لايرهق التلاميذ على الرغم من معرفتهم بأن أغلب التلاميذ في الوسط القروي يسكنون في بيوت بعيدة عن المدرسة. وأن العمل صباحا وزوالا فيه إرهاق أكثر. لكن ما العمل؟ فمن صلاحيتهم الموافقة على استعمالات الزمن وهم في التراتبية الإدارية سلطتهم فوق سلطة الأستاذ، وإذا كان من الصعب عليهم مواجهة الوزير وجها لوجه، فهناك حروب جانبية يستطيعون من خلالها مواجهته والانتصار عليه. وذلك من خلال وضع العراقيل أمام تفعيل هذه المذكرات الوزارية. إن قطاع التربية والتعليم يجب أن لايكون محط مزايدات و صراعات ضيقة من أجل مصالح فردية، إنه قضية وطن في حاجة إلى جميع أبنائه، من أعلى سلطة في البلاد إلى كل أطياف الشعب دون استثناء، ولاداعي للتذكير أنه ثاني أهم قضية وطنية بالمغرب بعد قضية الوحدة الوطنية، وإذا كان الجميع متفق على النقطة الأولى فعليهم الاتفاق أيضا حول النقـطة الثانية. وإذا كان السيد الوزير «محمد الوفا» قد أعطى إشارات إيجابية حول جديته في المضي قدما نحو إصلاح قطاع التعليم، فما على الجميع إلا مساندته والوقوف بجانبه لكي لا تتمكن التماسيح التي تهاب الإصلاح من أن تعرقل مسيرته.
صابر سعيد
تعليقات
إرسال تعليق