صرخة في أذن أستاذ الجامعة







هناك وظائف متعددة لا يمكن لأي مجتمع أن يؤديها إلا بتعاضد وتعاون جميع فئاته وطبقاته لإنجازها، أما بعض المهمات الأخرى فهي من اختصاص فئات اجتماعية محددة لن يقدر غيرها على إنجازها ولو أراد. فالشباب، وهم عماد المستقبل ورجال الغد، يتحملون مستقبل هذا الغد والإعداد له، كما أن من يتكفل بهم يجب عليه أن يؤهلهم لأداء هذه المهمة أحسن أداء؛ مهمة الإعداد الصائب للمستقبل. أما الآباء فدورهم الأساسي الأول يكمن في مشاركتهم من جهتهم في بناء وتكوين هذا الشباب ليقوم بدوره عن طريق الاحتضان والتربية والتوجيه السليم بالطرق الصائبة وفي الوقت المناسب. وكذلك للعمال دورهم، وللعلماء وظيفتهم، وللأساتذة مهماتهم، وللرجال مهمات، وللنساء مهمات، وللحاكمين مهمات وللمحكومين مهمات.وهذه هي واجباتهم الأولى تجاه من لهم عليهم هذا الواجب كما أن لهم حقوق.


ولعل أهم فئة تتحمل مسؤولية من العيار الثقيل، من باب الذكر وليس من باب الحصر، هي فئة المثقفين. فهؤلاء، وخاصة في زمن كالذي نعيشه هذه الأيام والشهور، يتحملون مسؤولية أقل ما يمكن القول عنها إنها "تاريخية" ذلك أنهم سيحاسبون على كل خطأ قد يتم ارتكابه عن قصد أو عن قصد لما له من آثار قد تجر على الناس ويلات وعلى الأوطان آهات. فالمثقف عموما يساهم في توجيه الرأي العام، فإن في مصلحته فذاك، وإن في غير مصلحته فذاك أيضا. ويتقوى تأثير توجيهه هذا كلما كان أكثر قربا للناس وللجماهير. فالخطابات من على عروش فوقية ومنصات أكاديمية وفضائيات تلفزية أقل تأثيرا بكثير من تأثير التواصل اليومي في الجامعات والمحاضرات الدائمة وفي الملتقيات الفكرية وعلى صفحات الجرائد ولم لا في الميدان والحي السكني...

هنا يبدو أن أهم فئة من هذه الفئة الواسعة من المثقفين، والتي تضم فئات واسعة وعدة، هي فئة أساتذة الجامعات.

يعتبر أساتذة الجامعات في جل المذاهب الفكرية ركيزة أساسية من ركائز التغيير. وقد فهمت الأنظمة كثيرا على مر التاريخ طبيعة هذه الركيزة وأهميتها فأعطوا لترويضها الأهمية البالغة. ولذلك يروى بأن هذا الملف في المغرب تكفل به في عهد الحسن الثاني رحمه الله صندوق أسراره ووزير الداخلية إدريس البصري رحمه الله، خادم الأعتاب الشريفة، كما كان يقول ويفتخر. وقد استمر الحاكمون على هذه المقاربة الأمنية لموضوع ليست له أية صلة بالأمن حتى يومنا هذا. فأستاذ الجامعة ليس فردا عاديا كباقي أفراد المجتمع، لأنه مثقف وصاحب مستوى عال من العلم والمعرفة وقضى قسطا من حياته داخل حجرات الأقسام أو بين تقليب دفتي الكتب والمجلات و... لذلك فهو عضو مهم وإذا صار له رأي فسيشكل إما ركيزة للاستبداد أو خطرا عليه، ثم نظرا لاحتكاكهم الدائم بفئة جد حساسة ومهمة فئة الطلاب. ولنا في تاريخ المعارضة – الإصلاحية- بالمغرب أحسن مثال على ذلك.

يحق لنا أن نتساءل عن دوركم يا سادتنا أساتذة الجامعات المغربية في كل ما يعيشه هذا البلد من مخاض؟ ما هو موقفكم من الالتفاف التاريخي على مطالب الشعب المغربي، الذي انتم منه وهو منكم، وحقه الشرعي والمقدس في الحرية والكرامة والعيش الكريم، حقه في الديمقراطية. هل أنتم راضون على معاناة شعب وآلام مدن وقرى... وطلقتم السياسة والسياسيين لسبب أو لآخر. نعم فالاهتمام بشأن الأمة العامة مكلف جدا على جميع المستويات.

يحز في أنفسنا كثيرا هذا العزوف الغير المفهوم لفئة كبيرة من الأساتذة لهم هذه الأمة وهذا البلد، كما يحز في أنفسنا مستوى الانحطاط الذي بلغه المستوى الفكري والعلمي لأستاذ الجامعة، ولا أعمم. يحكي لي أحد الأصدقاء انه رفقة زملائه في أحد ماسترات اللغة الإنجليزية يدخل عليهم واحد من الأساتذة فلا يفتؤ يكرر بأنه لا يعرف ماذا يدرس لهم. ولكي يتفادى أي حرج، يبدؤ في اقتراح مواضيع وتوزيعها عليهم كما يحلوا ليبحتوا فيها، وقد تكون أو لا تكون لها صلة بالوضع، وانتهى كل شيء. أما إن دخلنا للحديث عن معضلة الانحطاط الخطير لمستوى الطلاب فقد لا ننهي من الكلام، كما أنه قد لا يفيد. سألت أحد الأساتذة وناقشت معه هذه الوضعية من جوانب متعددة فطرحت عليه هذا السؤال: أين هم أساتذة الجامعات؟

أجابني قائلا: إنهم في "البيران".

فمتى يخرجون. ها نحن ننتظركم فلا تتأخروا.


محمد الوحماني

تعليقات

المشاركات الشائعة