يوجد ضمن الزمن المدرسي وزمن التعلم زمن تسكع من يتحمل مسؤوليته







اتصل بي أحد الآباء يطلب رأيي في نازلة أشكل عليه تصنيفها ،لأن مسرحها ما بين مؤسسة تربوية ومقهى مقابل لها حيث أخبرته بنته ،وهي في سن المراهقة أن إدارة تلك المؤسسة بين الحين والآخر تسرح المتعلمين أثناء غياب مدرس ما ،فيجد هؤلاء أنفسهم خارج المؤسسة أو على رصيف  شارع المؤسسة . ونظرا لهذه الوضعية فكرت هذه البنت في ارتياد المقهى المجاور على اعتبار أنه أكثر أمنا من الرصيف. واحتار هذا الأب في أمر بنته ، وفزع إلي ليطرح علي هذا الأمر وكأنه يبحث عن فتوى تربوية على غرار الفتاوى الفقهية ، الشيء الذي جعلني أفكر بجد في زمن لم تسمه النصوص التشريعية والتنظيمية  التربوية بالاسم لأنه ليس زمنا مدرسيا ولا له زمن تعلم،  والأجدر أن يسمى زمن تسكع . والتسكع من فعل سكع ـ بفتح وكسر الكاف ـ  يسكع سكعا ـ فتح المكاف وتسكينها ـ إذا مشى من غير هداية . ويقال لست أدري أين سكع ؟ أي أين ذهب ، وفي العامية يقال أيضا : ” فين سكع ” مع نطق الكاف جيما مصرية . ومنه تسكع إذا سار دون أن يهتدي لوجهته . ويسمى مكان التسكع  مسكعة . وينطبق التسكع على المتعلمين عندما يخرجون من المؤسسة خلال الزمن المدرسي بسبب تعذر زمن التعلم الذي يعزى لغياب المدرس ، فيصيرون سكعا  ـ بضم السين وفتح الكاف المضعفة ـ  ، ويصيرخارج محيط المؤسسة التربوية مسكعة . ومع أن مقرر تنظيم السنة الدراسية ينص على عدم صرف المتعلمين  حين يغيب المدرس ، فإن هذا القرار لا يطبق في الغالب بحجة انعدام أو قلة الطاقم الإداري الذي يتولى حراسة وضبط هؤلاء التلاميذ ، وضعف البنية التحتية المستوعبة لهم ، ولهذا يحالون على زمن التسكع  وعلى المساكع . وقد تتسع دائرة المسكعة فلا تقتصر على الرصيف في محيط المؤسسة التربوية ، وإنما تتخطاه إلى المقاهي أو الملاهي المجاورة. ومعلوم أن كل حيز خارج المؤسسات التربوية  يصير مسكعة للمتعلمين الذين يخرجون منها حين يغيب المدرس ، علما بأن  ضوابطه تختلف عن ضوابط  هذه المؤسسات التربوية حيث يحل للناشئة المتسكعة  كل ما يحرم عليها داخل المؤسسات التربوية . ومعلوم أن المقاهي عبارة عن أماكن عامة  لا تحكمها ضوابط المؤسسات التربوية حيث  توجد ظاهرة التدخين بكل أنواعه المهلوس والمسكر والمفتر، وظاهرة التحرش الجنسي المبطن والصريح ، وحتى المتهتك أحيانا ، وما خفي أعظم . فعندما تفكر فتاة مراهقة تجد نفسها  خارج أسوار المؤسسة التربوية خلال الزمن المدرسي في اللجوء إلى المقهى المجاور تجنبا لمسكعة رصيف المؤسسة ، فإنها لا تدري ببراءتها أنها ترحل عن الذئب وتنزل بغاره كما يقول المثل الشعبي ، حيث لا يرى فيها صاحب المقهى سوى ثمن ما ستستهلكه ، ويرى فيها الذي في قلبه مرض أنها بنت “الزنقة ” كما يقال بالعامية يجوز الطمع فيها والتحرش بها ،  ويرى فيها بائع السجائر ، وربما بائع المخذرات ضحية  سهلة ، فتصير مخاطر مسكعة المقهى أخطر من مخاطر مسكعة الرصيف أو في مثل خطورتها .  والمشكل أن زمن التسكع لا يمكن نسبته لجهة من الجهات كقولنا التسكع المدرسي ، لأنه يقع خارج أسوار المدرسة  أو التسكع الرصيفي أو التسكع القهوجي . ولما كان منطق المسؤولين عن المدرسة  أنهم لا يتحملون مسؤولية زمن التسكع ، لأنه زمن خارج حيزهم المكاني  ، فإنه من غير المنتظر أن يتحمل الرصيف و الشارع أو المقهى أو غيرهم مسؤولية هذا الزمن، لأنه زمن يتخلل الزمن المدرسي من الناحية القانونية حين يصرف المتعلمون بسبب غياب درس خلال زمن التعلم المندرج ضمن الزمن المدرسي . ومن المعلوم أن الزمن المدرسي يشمل زمن الموسم الدراسي بكامله بما في ذلك فترات العطل، ذلك أن النصوص التشريعية الخاصة بالمؤسسات التربوية تقضي باشتغالها حتى في فترات العطل ، لأنها فترات تدخل ضمن الزمن المدرسي  . ومن حق المتعلمين الاستفادة من هذا الزمن المدرسي حتى في فترات فراغهم الأسبوعي ، وحتى بعد آخر حصة مسائية إذا كانت المؤسسات تقدم لهم أنشطة موازية وداعمة . ومن المفروض أن زمن التعلم الذي يضيع من وقت المتعلمين بسبب غياب المدرسين يجب أن يعوض على الأقل عن طريق الاحتفاظ بالمتعلمين داخل المؤسسات التربوية التي تتوفر ـ يا حسرتاه ـ على المكتبات المدرسية وقاعات المطالعة . ومن المفروغ منه أن الوزارة الوصية هي المسؤولة الأولى عن زمن التسكع في حال عدم توفير البنيات التحتية والموارد البشرية للمؤسسات التربوية لصيانة المتعلمين من  زمن التسكع . أما إذا كانت الإمكانيات متوفرة، فإن الإدارات التربوية  تصير حينئذ مسؤولة مسؤولية مباشرة . وأما المسؤولية الأمنية فتقع على من يخول لهم القانون توفير الأمن في الأماكن العمومية أو في المساكع   على اختلاف أنواعها . وعلى الجهات المسؤولة عن الأمن أن  تراقب المقاهي المجاورة للمؤسسات التربوية لمنع استغلال أصحابها للمتعلمين الأغرار سواء في استهلاك الحلال أم في استهلاك الحرام أم في التشجيع على السلوكات المنحرفة بدءا بالتحرش وانتهاء بما لا تحمد عقباه . وما دام الله عز وجل قد قيض لمدينة وجدة والي أمن جاد ومسؤول وصارم جزاه الله كل خير، فالمرجو منه أن يضيف إلى مهامه الشاقة مهمة مراقبة المقاهي المجاورة للمؤسسات التربوية لمنع ارتياد الناشئة المتمدرسة لها  ، وسيسدي بذلك خيرا عظيم النفع للمؤسسات التربوية  وللآباء والأولياء وللمجتمع . وعلى المؤسسات التربوية التي  وضعت رهن إشارتها أرصدة مقابل  مشاريعها المدرسية أن تفكر في المشاريع التي تقضي على زمن التسكع عوض اقتناء ما لا يعود بنفع على المتعلمين ، كما هو الحال في عدة مؤسسات تربوية يفخر المشرفون عليها بهذا الاقتناء الباطل ، والذي يعد هدرا للمال العام بلا طائل .


م شركي














تعليقات

المشاركات الشائعة