عار وحشومة عليك يا أستاذ





ارتبط توجيه عبارة (عار عليك ، وحشومة عليك ...) في الثقافة المغربية إلى من يرتكب إثما أو معصية ، فيتم توبيخه وتأنيبه بمثل هذه العبارات عساه يعتبر  ويرتد عما هو فيه  ... لكن رجل التعليم ( في التعليم الثانوي التأهيلي  خاصة ) غدا يسمعها كل حين بسبب أو بدونه فتعالوا معي أحكي لكم بعض الظروف التي سمعت فيها هذه العبارات هذا الأسبوع ....


يخصص معظم الأساتذة هذا الأسبوع لفروض المراقبة المستمرة ، وهي تصغير لموقعة نهاية السنة الكبرى في الامتحانات الموحدة ، من حيث التصادم بين الأساتذة والتلاميذ العازمين على الغش ، وأكيد ان معظم الأساتذة الذين يقومون بواجبهم ويحاولون ضبط التلاميذ ، والسهر على أن تتصف هذه الفروض بالحد الأدنى من مواصفات الامتحانات يعاونون كثيرا مع تلاميذ أدمنوا النقل والغش ـ نقل اي شيء وقعت عليه أعينهم ــ حتى وإن كان بعيدا عن المطلوب ،


ومن أطرف الحالات التي سمعت فيها عبارات التأنيب تلك :

قول وفتاة وهي تجهش بالبكاء : عار عليك أستاذي أجلستني بجانب تلك المسمومة التي رفضت السماح لي بنقل الجواب من ورقتها .


قول آخر بعد أن نزعت منه ورقة أعدها سلفا للنقل  : عار عليك أستاذ قضيت الليل كله أعدها وأنت تسحبها مني

قول تلميذة بعد أن سحبت منها دفترا تستعمله للغش وبينت لها أن كل الأسئلة  لها علاقة بالنص وقرأت لها الأسئلة :(َبيّن  ،استخرج  من النص ) وأن أي نقل لجواب من دفتر أو كتاب لن يكون صحيحا ، وكان جوابها نفس العبارة : عار عليك أستاذ دعني أنقل أي شيء.... وتبريرهم في كل ذلك ( أنت لديك أيضا أبناء  فارحم من الأرض يرحمك من في السماء )

انتهى أسبوع الفروض والمراقبة المستمرة وجاء أسبوع  التصحيح ووضع النقط فلا يسمع الأستاذ إلى نفس العتاب  : عار عليك أستاذ أنا أستحق أكتر من هذه النقطة ، وفي نفس السياق عاتبني تلميذة على ضعف نقطتها  قائلة : عار عليك أستاذ أهذا ما أستحق عندك انظر لقد كتب كل ما علمتنا ... ) وعندما حاولت إقناعها أن ما كتبته ليس موضوعا إنشائيا وليس تحليلا ولا إجابة على المطلوب ازداد عتابها :( عار عليك أستاذ انظر أليس هذا موضوعا ، أليست هذه خاتمة كما قلت لنا ...) وكانت خاتمة موضوعها : (الخاتمة أخر خطوة منهجيه في الموضوع الإنشائي ، تفتتح بربط استناتجي مثل ( وأخيرا ، ختاما ، نستنتج إذن .... كما يجب أن تتضمن الخاتمة ...)  وغدت تسرد الخصائص التي يجب توفرها في الخاتمة وقبل أن تتم ما كتبت قاطعتها هذه ليست خاتمة لموضوع إنشائي) ثارت  ثائرتها : عار عليك أستاذ أنا نقلتها حرفيا من الدفتر وأنت نصحتنا بأن نكتب هذا في الخاتمة ...




مسألة أخرى غدت تؤرق بال  رجل التعليم في الثانوي التأهيلي  أيام الامتحانات هي غياب الأدوات المدرسة إذ يحضر عدد من التلاميذ للامتحان دون أدوات  ، فترى معظم التلاميذ يحضرون  بدون قلم ومسطرة وغالبا ما يتحول الأستاذ إلى رسول بين التلاميذ ينقل المسطرة الوحيدة أو المبيض الوحيد إن وجدا من تلميذ لآخر وقد ينهض تلميذ من مكان دون إذن بحثا عن قلم أو مسطرة  وإذا طالبه الأستاذ باحترام ضوابط الامتحان وخصوصية القسم كان الجواب : حرام عليك أستاذ  أنا أبحث عن مبيض فقط

لعل أكبر الأتافي التي حولت القسم إلى جحيم  هي إشكالية  الاكتظاظ إذ يبلغ عدد التلاميذ في معظم أقسام الثانوي التأهيل  القسم ما يقرب من الخمسين تلميذا وقد يتجاوزها  مع ما ينتج عن ذلك من صعوبة التقويم ومتابعة التلاميذ ، وقد يستغرق جلوسهم واستقرارهم في أماكنه وقتا طويلا وإذا حدث ورفضت دخول أحدهم بعد مرور ربع ساعة فانتظر العبارة : حرام عليك أستاذ  لا زالت الساحة ملئية بالتلاميذ ، إذا لم يعتذر بوسائل النقل أو إقفال باب المؤسسة، إن الاكتظاظ من أكبر عوائق تطوير تعليمنا  ويكفي أن يتنفس تلميذ واحد  ليضيق القسم بزواره ،  أما إن كانت الحصة بعد  ساعة الرياضة فتلك مسألة أخرى . ويكفي ليصاب واحد بمرض معدي ليسقط معه خمسين ضحية..





هكذا أصبح التلاميذ والتلميذات يشنفون أسماع الأساتذة بعبارة عار عليك في كل مناسبة فرض أو امتحان ، بل لم تعد هذه العبارة مصدرها التلميذ وحدها فمع اقتراب مرحلة وضع النقط يتغير الخطاب إلى لغة التوسل والتسول ، فيحاول كل تلميذ تحين الفرصة للاختلاء بالأستاذ وتكرار نفس الأسطوانة :  أرجوك أستاذ  ساعدني من أجل الحصول على معدل جيد  ، ويحاول كل واحد تبرير هذا النوع من التسول بمبرر خاص ، بين من يدعي أن العام أخر فرصة أمامه قبل رفع الورقة الحمراء في وجهه ، و من يدعي أن والديه وعداه بهدية إن حصل على معدل جيد ويتوسل إلى الأستاذ بهدف مساعدته للظفر بهديته . وبين من يدعي أن لديه مشاكل مع أساتذة  آخرين وأنت أمله الوحيد لتغطية العجز  يتساوى في ذلك الكسول الذي لا يحلم إلا بالنجاح ، والمجتهد الذي يطمح للحصول على معدل عال يؤهله لولوج المدارس العليا.


وإن كان التلميذ ممن لا يجيدون تسول النقط فإنه يوكل أمر ذلك لبعض أساتذته أو أقاربه، فتعرف الثانويات زيارات مكثفة لبعض الآياء أو الأمهات  ، وتكاد تتوحد عبارة التسول في  جملة  ( أستاذ اتهلا لينا في التلميذ .... ) وإن تنوعت التبريرات  بين الظروف الاجتماعية ، أخلاق التلميذ  وسلوكه أو الادعاء أنه من العائلة.


وما أن يتم وضع النقط ويتوصل التلاميذ بنتائجهم حتى نعود لنفس عبارات العتاب  عار عليك أستاذ كنت أستحق معدلا أعلى من الذي حصلت عليه ومبرر معظم التلاميذ في ذلك : (والله حتى حشومة عليك أستاذ أنا كنت أخضر لحصصك ، وكنت أكتب لك الدروس ، وكنت لا أشاغب  ولم احصل إلا على معدل متوسط أو لا بأس به ، مع العلم أن الغالبية العظمى من الأساتذة يضيفون نقطا لمعدلات التلاميذ وإلا كانت نسب النجاح كارتية  ليكون جزاؤه  ( عار عليك أستاذ لم تضف لمعدلي إلا نقطا محدودة  . أستاذ أخر أو أستاذ السنة الماضية كان ..... ).


لقد أصبحت أسابيع الامتحانات ووضع النقط وتوزيع النتائج  مرحلة  عصيبة على رجال التعليم الذين غدا أغلبهم يعتقدون أنهم خلقوا لتدريس جيل غير هذا الجيل ، مما جعل أكثرهم يتساءل عن جدوى تلقين معلومات متجاوزة ، وتصحيح فروض دون الالتزام بوضع نقطها ، ...  كما يتساءل بعض التلاميذ عن جدوى الحضور للدرس و بإمكانه الحصول على درس أحسن وربما مع أستاذ أحسن في المنزل.


كل ما يمكن قوله حشومة وعار أن نسكت وتسكت نقاباتنا وأحزابنا وسياسيونا وجمعياتنا ... على تعيلمنا الذي نراه يغرق ونقف مكتوفي الأيدى.


الكبير الداديسي

تعليقات

المشاركات الشائعة