ماذا بعد بيداغوجيا الإدماج ؟


كيف «طارت» قرابة 70 مليون درهم أدراج الرياح مع بيداغوجيا الإدماج؟




 إنه السؤال الجوهريّ الذي يطرحه أهل التربية والتعليم منذ جاءت حكومة عبد الإله بنكيران.

لا يخفي السيد محمد الوفا، في لقاءاته الرسمية أو الخاصة، أنه جاء إلى قطاع التربية والتكوين لكي يُلغيّ لا لكي يصلح.. وظل الكثيرون يتداولون بين ردهات وزارة التربية والتعليم نكتة تقول هل ضمّت حكومة عبد الإله بنكيران وزارة للإلغاء، بالنظر إلى أنّ الرجل لا يتردّد في الحديث عن إلغاء جلّ مشاريع المخطط الاستعجالي للتربية والتعليم، الذي جاء بها سابقه أحمد اخشيشن، وهو المخطط الذي انطلق في 2008 وكان من المقرر أن يقدّم حصيلته في 2012.

ويطرح سؤال كبير: كيف أنّ الوزير محمد الوفا جاء إلى قطاع حساس اسمه التربية والتعليم بنظرة جد اختزالية تكاد تعيدنا إلى الوراء سنوات قمرية..
كانت أولى خطوات الوزير، وهو يدخل مكتبه الوزاري، هي إلغاء مذكرة تدبير الزمن المدرسيّ، التي كانت تراهن على القضاء على تلك الساعات والأيام التي تضيع هدرا مع الغيابات والتأخرات والإضرابات، التي لا تتوقف..

وقيل لرجال ونساء التعليم أن يختاروا جداول حصصهم بمعية المديرين، قبل إشعار المصالح النيابية بالأمر، وهي الخطوة التي اعتبرها الكثيرون غيرَ جدية، لأنها فتحت الباب أمام تسيّب مضاعف.
أما الخطوة الثانية، والتي أثارت الكثير من الجدل، فهي المتعلقة بإلغاء بيداغوجيا الإدماج، أو الحفاظ عليها في بعض المدارس الابتدائية بتوافق بين المدرّس ومدير المؤسسة. أمّا أن تصل هذه البيداغوجيا إلى الأقسام الإعدادية، فقد اعتبر الوزير أن ذلك لن يمر إلا على جثته!.. لذلك أمر بتوقيف كل التكاوين، وبجميع أشكالها، وبإغلاق صنبور الدعم المالي الذي كان مخصصا لها.
فحينما تعاقد احمد أخشيشن مع الخبير البلجيكي غسافي لتثبيت بيداغوجيا الإدماج، التي ستمكن التلميذ من «توظيف مكتسباته التي تعرّف عليها من أجل إعطاء معنى ودلالة لتلك المكتسبات».. ويجب أن تأتيّ بعد أن يكون التلميذ قد تلقى عددا من التعلمات خلال أسبوع أو نصف شهر أو خلال شهر كامل، وهي طريقة، كما يقول صاحبها، «شخصية وفردية بالأساس، ولا تتعارض مع الممارسات العادية في التعلم ولكنها تكملها». كان الرهان، إذن، كبيرا بعد أن أبانت التجارب السابقة، سواء ما تعلق منها ببيداغوجيا الأهداف، أو ببيداغوجيا الكفايات، عن محدوديتها، وقال لنا تقرير المجلس الأعلى للتعليم إن الأطفال المغاربة لا يُحسنون القراءة ولا الكتابة، ولا الحساب..

اليوم، غادرنا «الخبير» غسافي بعد أن توصّل بنصف الأجر الذي كان سيتقاضاه، وهو 67 مليون درهم، وبالعملة الصّعبة.
اليوم، ذهبت كل الكرّاسات التي تم إعدادها لبيداغوجيا الإدماج أدراج الرياح، وذهبت معها 12 مليار سنتين بالتمام والكمال، هي كلفة هذه الكرّاسات، التي سهر على إعدادها «المركز الوطني للتجديد والتجريب التربويّ»، المديرية التي ظلت تتابع هذا الملف التربويّ. والحصيلة هي أنّ المدرسة المغربية كانت ولا تزال تغلي بين مُساند لهذه القرارات ومُعارض لها.
رأى البعض أنّ خطوة الوزير كانت فيها بعض من «العذرية» ومن «حُسن النية»، خصوصا أن جل نساء ورجال التعليم اشتكوا من هذه البيداغوجيا، التي لم يتلقوا فيها ما يكفي من التكوين، وأن أسبوعا، كان عبارة عن محاضرات غير إجرائية لأناس غير مؤهّـَلين لهذه البيداغوجيا، لن يكون كافيا.

ورأى آخرون أنّ خطوة الإلغاء، التي جاء بها الوزير، كان يجب أن تصاحبها سياسة إصلاح بديلة. بل إن هذه الخطوة الجريئة كانت في حاجة إلى تقويم لما سبق من خلال فرق عمل بيداغوجية ومؤهّـَلة، وهي الفرق التي وعد بها الوزير دون أن يفيّ بوعده.
ثالث الملفات التي كان قد فتحها السيد الوفا دون أن يملك لها ما يكفي من أدوات الإقناع هي المتعلقة بمؤسسات التميز، التي كان اخشيشن قد وضعها ضمن مخططه الاسعجاليّ، وهي مؤسسات تضمّ التلاميذ المتفوقين والذين يحصلون على معدلات عالية.. كان مبرر الإلغاء، كما قال الوزير وقتها، هو القطع مع ما يمكن اعتباره مؤسسات الأعيان التي كانت سائدة في ما سبق، فيما يقول الغاضبون من هذه الخطوة إن جلّ التلاميذ الذين حصلوا على مقعد في هذه المؤسسات هم من الفئات الفقيرة والمعوزة، والتي راهنت على هذه الفضاءات من أجل مستقبل أفضل مما توفره المدارس العادية اليوم..

مرت اليوم أشهر عِـدة دون أن يقترح الوزير بديلا.

أما الملفات القادمة، والتي قال محمد الوفا إنه سيفتحها ضمن «حروبه»، التي لا تنتهي، فهي المتعلقة بالتربية غير النظامية، التي يرى أنها غير سليمة، إذ كيف يتم طردُ تلميذ في نهاية الموسم الدراسي، ثم استقباله مجددا في الموسم الموالي تحت تسمية جديدة..
وملف التعليم الأولي، الذي يرى السيد الوفا أنه لا يجب أن يعنيّ وزارة التربية والتعليم، ولكنه يعني الدولة ككل.
لم تكن خطوات الوفا، في مجملها، مرحّـَباً بها، سواء من قبل رجال ونساء التعليم، وإن تنفس بعضهم الصعداء، أو من قِبل النقابات المعنية، التي  رأت أنّ ما حدث مع مجيء الوفا هو مجرّد هدوء قد تليه عاصفة هوجاء.. وقد انطلقت العاصفة مع هذه الإضرابات التي تركت خلف ظهرها تلك المَطالب التقليدية، وفتحت ملف إصلاح المدرسة المغربية، خصوصا أن ما جاء به الوزير وما وعد به، وتحديدا حينما تحدّث كثيرا عن سقف من الالتزامات، اعتبره الكثيرون مبالغا فيه، كما هو الأمر مع تغيير النظام الأساسيّ لرجال ونساء التعليم، وفق كل فئة على حدة، وإلغاء السلك التاسع من القطاع، وإطلاق سراح التعويضات الخاصة بالإدارة التربوية.
ويقترح الكثير من متتبعي الشأن التربوي أن الوفا كان يُفترَض أن يخصص جهده في مستهل الأمر لملف حساس اسمه المجلس الأعلى للتعليم، الذي أصبح -بموجب الدستور الجديد- تحت المسؤولية الحكومية.

واليوم، حينما تقول الحكومة إن المجلس الأعلى للتعليم سيكون بمثابة «برلمان» للتربية، كان من الأسلم أن تنتظر تشكيل هياكله وتضع ملف المخطط الاستعجالي فوق طاولته من أجل التقييم والخروج بتوصيات، سيجد فيها الوزير وقتها ما يكفي من المسوغات لاتخاذ ما يلزم من أجل المصلحة العليا للمدرسة المغربية، وهي مسوغات سيكون خلفها أهلُ الاختصاص في الفكر والتربية..

غير أنّ المثير في كل «خرجات» وزير التربية والتعليم هو أن يجد أولئك الذين ظلوا من قبل من المتحمسين لمخطط أخشيشن، والذين اشتغلوا بهمة وحماس مع بيداغوجيا الإدماج ومع تدبير الزمن المدرسي، كما هو حال المفتشية العامة للشؤون التربوية والمناهج، «يقلبون» اليوم معاطفهم ويردّدون خلف الوفا: «آمين»..
«إن الناس على دين ملوكها». ولا غرابة أنّ هؤلاء هم من «يستنشقون الزكام من لحية الإمام».. فهل نقول: على التربية والتعليم السّلام.

أحمد امشكح        



تعليقات

المشاركات الشائعة