ترقيع التعليم




نتبهت الحكومات المتعاقبة بالمغرب، بإيعاز من التقارير القاتمة التي رسمتها المنظمات الدولية عن بلادنا إلى ضرورة إدراج إصلاح الشأن التربوي و التعليمي في مقدمة الأولويات الوطنية بهدف احتواء المخاض العسير الذي يعيشه قطاع التعليم و انعكاس ذلك سلبا على عديد من المجالات الاجتماعية و الاقتصادية.
بالمقابل، وعلى الرغم من الموارد التي استفادت منها على مدى عقود، لم تفلح الوزارة الوصية لحدود الساعة في إحداث إصلاح حقيقي كفيل بالنهوض بالمنظومة التربوية بل و على عكس المتوخى كرَست الاستراتيجيات المتبناة تراجعا خطيرا همَ مكونات التعليم برمته.
في هذا السياق، ظلت السياسات المتعاقبة تراوح مكانها وفية لشعار "مطرب الحي لا يطرب" بعد أن تم تفويت جل دراسات الجدوى و الافتحاص إلى مكاتب أجنبية خرجت بتقارير نبهت إلى كارثية الوضع و أكَدت على ضرورة إحداث تغيير جذري في المنظومة التربوية.  
كان من الطبيعي إذن أن تنزل عتبة أهداف الإصلاح إلى أدنى مستوياتها، حيث فرض واقع التعليم التركيز على أهداف بنيوية من قبيل محاربة الهدر و الانقطاع المدرسيين و تشجيع الفتاة القروية على التمدرس خاصة في ظل الممانعة الاجتماعية التي عرفتها بعض المناطق.
لا ينكر إلا جاحد حجم الإنجازات التي تم تحقيقها في هذا الإطار حيث نجح القطاع في تعميم التمدرس داخل جهات عديدة محدثا في نفس الوقت قطيعة مع بعض الممارسات البالية كمنع البنات من حقهن في التعليم وإجبار البنين على الانقطاع عن الدراسة بذريعة مساعدة الأهل و قلة فرص الشغل المسجلة عند فئة الخريجين.
غير أنه ما يعاب على هذه السياسات هو هيمنة الطابع الترقيعي و الارتجال في اتخاذ القرارات الأحادية بعيدا عن المناقشة الهادفة و في تغييب يكاد يكون متعمدا لأهم الفاعلين في القطاع، كما يعاب عليها أيضا غياب المراقبة و المتابعة عن أوراش تشييد المؤسسات التعليمية التي شابتها خروقات كبيرة من قبيل عدم مطابقتها للمعايير المحددة في دفاتر التحملات  و هو ما نجم عنه افتقار عديد مؤسسات لكثير من المرافق و ضياع  أموال كثيرة في الإكراميات و الولائم.
من أهم الأهداف التي رسمها إصلاح التعليم أيضا تجاوز النسبة الضعيفة للحاصلين على الشواهد داخل المجتمع و هو ما دفع الوزارة إلى إقرار مجموعة من السياسات الهادفة إلى نفخ النقاط بعدما منحت هامشا كبيرا للحرية لدى القطاع الخاص و أحدثت تغييرا جذريا على نمط الامتحان في إطار ما يسمى مدرسة النجاح.
أولى بوادر التغيير شهدتها فترة نهاية الثمانينات بعدما عمدت الوزارة الوصية على القطاع وقتذاك على إلغاء السنة الأولى من التعليم الإعدادي و تعويضها بالمستوى السادس مع إلحاقه بالسلك الابتدائي و ذلك رغبة منها في تجاوز العجز الحاد الذي كانت تعرفه الموارد البشرية في سلك الإعدادي آنذاك.
من أهم انعكاسات هذا التعديل، انحسار القيمة الرمزية للشهادة الابتدائية عند عموم المغاربة و تفاقم مشكل الاكتظاظ داخل المدارس الابتدائية إضافة إلى التعديل البنيوي الذي عرفته الخارطة المدرسية من خلال تعديل المنهاج التربوي و تغيير تسميات المستويات الدراسية.
في نفس السياق، و رغبة منها أيضا في توفير الموارد، عمدت الوزارة على تغيير نمط امتحانات الثانوي بعدما ألغت نمط امتحان الدورتين حيث صار اجتياز اختبارات جزء من المواد يتم عبر بوابة امتحانات الجهوي التي تجرى على مستوى الأكاديميات في حين يتم اجتياز اختبارات الجزء المتبقي في إطار الامتحان الوطني. سياسة أصابت التحصيل في مقتل حيث صار الاهتمام مرتبطا بوجود كل مادة من عدمه في احد الامتحانيين مما أسهم في تراجع مستوى التحصيل و التركيز لدى التلاميذ.
أيضا، و في محاكاة للسياسة العمرانية المثيرة للجدل "السكن الاقتصادي"، و أمام عجزها عن احتواء الخصاص المهول الذي تعرفه البنية التحتية التعليمية، عمدت الوزارة الوصية إلى تغليب الحل الأفقي، الأمر الذي فاقم من ظاهرة الاكتظاظ داخل المدارس و وضع معيقات كبيرة أمام التربويين و حدَ من حريتهم في اتخاذ الإجراءات التي يرونها كفيلة بضمان السير العادي للتدريس.
 اكتظاظ المدارس في إطار ما يسمى بمدرسة النجاح حوَل القسم إلى انعكاس كبير لكل الظواهر الاجتماعية بعدما وجد التربويون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع بعض العناصر الجانحة التي لا ترى في القسم إلا مكانا لتمضية الوقت حيث تعددت ظواهر العنف المتبادل داخل القسم قبل المدرسة.
مشاكل التعليم لا تتوقف عند هذا الحد، فالتغيير المتلاحق للمناهج عجز عن مواكبة التغييرات التي تعرفها مجالات عدة  و أسهم في تعليم متخلف عن ركب الدول المتقدمة.
إجمالا، إصلاح التعليم بحاجة إلى اتخاذ قرارات شجاعة و مسؤولة بعيدا عن المزايدات السياسية و الاجتماعية التي تلازم بلادنا.

تعليقات

المشاركات الشائعة