خارطة الطريق





أخيرا تنفس محمد الوفا الصّعداء، بعد أن صادق المجلس الحكومي عن لائحة مدراء الأكاديميات الجديدة، وهي اللائحة التي تركت خلفها الكثير من الجدل، قبل أن يتم تشديبها وترميمها في اللحظات الأخيرة.
 وفي بلاغ لوزارة التربية الوطنية، التي قدّمت فيه لائحة النواب الجدد الذين تم تعيينهم، والذين تم إعفاؤهم، وأولئك الذين تم الاحتفاظ بهم، نستشفّ كيف أنها «منتشية» بهذا الإنجاز، الذي تحقق لأنه خطوة من أجل إصلاح حال الأكاديميات الجهوية والنيابات الإقليمية، في أفق إصلاح المدرسة المغربية..
 غير أنّ الكثير من الحلقات التي رافقت هذه العملية ظلت -للأسف- مغيبة من بلاغ وزارة الوفا.
 لم يتحدث بلاغ الوزارة عن الأسباب التي دفعتها إلى تثبيت بعض النواب، فيما أبعدت آخرين. ولم تقدم للرأي العام خلاصات لجن المجلس الأعلى للحسابات بشأن تجاوزات بعض الأكاديميات الجهوية المالية والإدارية، رغم أنّ الوزير هدّد -في أكثر من مرة- بأنه لن يتردد في متابعة المُفسدين.


 كما لم تقدم ما يكفي من المبرّرات لتعيين مدراء هم على أهبة التقاعد ولم يتبق من عمرهم الافتراضيّ في الوظيفة العمومية غير سنة أو سنتين.. ما يعني أنها قفزت على شرط أساسيّ في عملية الاختيار هو  ضرورة تنزيل البعد الجهوي في تدبير الشأن التعليمي لمدة خمس سنوات.
 وبدا أنّ هذا المسلسل، الذي انطلق منذ أشهر، انتهى بعد أن أسقط في طريقه الكثير من الحلقات، والتي يعتبر بعضها «مشوقا».. ثم ألا يضعنا الإعلان عن دخول نواب ومدراء حلبة التدبير في الهزيع الأخير من الموسم الدراسي، في حالة ارتباك؟
 ألم يكن من الأجدر أن يتم الحسم في هذا الملف الحساس في مستهلّ الموسم الدراسي بدلا من نهايته، خصوصا أنّ الوزير مُصرّ على أن يباشروا مهامهم منذ الآن، حيث تم استقبالهم في مقر وزارة التربية الوطنية يوم السبت الماضي..
 سيحتاج كل مدير جهويّ ونائب إقليميّ إلى مزيد من الوقت لكي يتعرف على «التضاريس» التي جاء إليها.. لذلك لا يخفي كثير من هؤلاء تخوفهم من أن يشكل ذلك حاجزا أمام تنزيل أسلوب العمل الذي جاء به لإصلاح ما يجب إصلاحه.


 انتهى فصل المدراء والنواب الإقليميين لوزارة التربية الوطنية، الذي انتظرته أسرة التربية والتعليم مطولا.. لكنها تنتظر فصلا آخر لا يقلّ أهمية، وهو الذي يعني المجلس الأعلى للتعليم، هذه المؤسسة التي اعتبرها الدستور الجديد للمملكة «برلمان التربية والتعليم».
 فرغم أنّ المجلس الأعلى للتعليم أضحى، بمنطوق الدستور، تابعا للحكومة، وبالتالي تحت المسؤولية المباشرة لوزير التربية الوطنية، فإنّ السيد الوفا لا يزال مُتردّدا في تفعيله واختيار مكوناته، التي يُفترَض أن تضع للمدرسة المغربية خارطة الطريق التي تناسبها.
 ثمة الكثير من الملفات التي هي في حاجة إلى هذا البرلمان، لعل أهمّـَها هو إيجاد بديل تربويّ ملائم للمدرسة المغربية، غير تجربة الكفايات، التي توقفت في منتصف الطريق، بعد أن توقف المخطط الاستعجالي لإصلاح منظومة التربية والتعليم.


 وأمام المجلس الأعلى للتعليم ملف آخر أكثر حساسية اسمه «لغة التعليم»، بعد أن عجز المخطط، وقبله الميثاق الوطني عن الاقتراب منه باعتباره ملفا سياديا وفي حاجة إلى قرار سياسي أكثر منه فكري.
 اليوم، علينا ألا ننتظر كثيرا للحسم فيه. ولا يمكن لكل هؤلاء المدراء والنواب، رغم أنّ كثيرين منهم ينسون مهامّـَهم التربوية وينغمس في كل ما هو إداريّ ومالي، أن يؤدوا مهامّهم على الوجه الأكمل إذا ظلوا بدون بوصلة وبلا خريطة طريق.


 بقيّ فقط أن نذكر أنّ المدرسة المغربية قضية تعني الوزير، كما تعني الأسرة والمجتمع، لذلك فالنبش في اختلالاتها ليس «تصفية حساب» مع أي جهة كانت، ولكنه مسؤولية علينا أن نتحمّلها جميعا.


أحمد امشكح 


تعليقات

المشاركات الشائعة