أول مؤسسة تعليمية عصرية في المغرب


ذاكرة مؤسسة تعليمية






تعتبر مدرسة «سيدي زيان» أول مؤسسة تعليمية عصرية في المغرب، وقد كانت مخصصة لتعليم الفتيات المسلمات.. تم إحداث هذه المدرسة من طرف المستعمر الفرنسي سنة 1907، أي قبل الحماية بخمس سنوات، بحكم أن الفرنسيين دخلوا مدينة وجدة في هذه السنة عن طريق الجزائر، التي كانت آنذاك مستعمرة فرنسية.


 بلغ عدد التلاميذ 30 تلميذا خلال الموسم الدراسي 1907 -1908، ثم ارتفع إلى 103 خلال الموسم 1909 -1910، كان من بينهم 9 فتيات مسلمات و12 طفلا أوربيا، فيما وصل عددهم في موسم 1912 -1913 إلى 264، منهم 60 طفلا أوربيا.


 وتعتبر «سيدي زيان» أولَ مؤسسة للتعليم الرسمي العمومي في المغرب، وقد خضعت هذه المؤسسة لتغييرات متعاقبة. فبحلول سنة 1910 أخذت رقعتها تتسع، وصارت تضمّ التعليم الصناعي من الأربع شعب المتمثلة في التعليم التقني والنجارة والبستنة والخرازة.. كما أن العديد من الأطر المغربية والجزائرية، منهم وزراء، تابعوا دراستهم في هذه المؤسسة المائوية، كما يُذكر أنه غير بعيد عنها توجد أقدم ثانوية في المغرب، وهي ثانوية عمر بن عبد العزيز، التي تأسست سنة 1915. وبحلول سنة 1940 انتقل هذا النوع  من التعليم، بشُعبه، إلى مدرسة أخرى، تسمى الآن «مدرسة مولاي الحسن» وتمّ هدمها سنة 2010..
 وفي شهر أكتوبر من سنة 1940 أنشئت في مدرسة سيدي زيان أقسام للسنة الأولى من التعليم الثانوي، الأمر الذي مهّد لبناء ثانوية عبد المومن، وفي سنة 1952 أصبحت مدرسة تطبيقية، وكذا مدرسة للمعلمين، أضف إلى هذا أنها كانت في فترة من فترات الاستعمار مركزا للطبخ في نطاق المطعم المدرسي، حيث كانت توزع منها وجبات لجميع تلاميذ المدرسة المتواجدة في مدينة وجدة آنذاك.. وهكذا ظلت صرحا شامخا، حيث درس فيها رجال أصبحت لهم مكانة مرموقة في ميدان الثقافة والعلم وفي جهاز الدولة..

2007.. احتفالات بالذكرى المائوية


 تميزت الاحتفالات بالذكرى المائوية لتأسيس مدرسة سيدي زيان، والتي صادفت سنة 2007، تحت شعار «التربية والتكوين رافعة للتنمية»، بتنظيم العديد من الأنشطة تتمثل في عقد ندوة حول «التطور التاريخي للنظام التعليمي في المغرب»، وعرض شريط حول التراث التربوي في الجهة الشرقية ومعارض للصور وللوحات فنية وورشات وسباق على الطريق. واعتبر هذا الحفل الأولَ من نوعه لهذه المؤسسة التعليمية، التي تعتبر أول مدرسة في وجدة وفي المغرب. 


شهادة أحد قدماء تلاميذ مواسم 1959 - 1965


 يتحدث أحد قدماء تلامذة مدرسة سيدي زيان في بداية ستينات القرن الماضي (من مواليد 16 غشت 1952، كان تلميذا في مدرسة سيدي زيان من سنة 1959 إلى سنة 1965) عن المعلمين، الأجانب منهم والجزائريين والمغاربة، الذين تعلم على يدهم.. ويَذكر أسماء معلميه في هذه المدرسة المائوية العتيقة، فمن المغاربة الأساتذة عالم وبوتخيل والقباج.. ومن الجزائريين الأستاذان المرحومان الولهاصي وبنكداش، ومن الفرنسيين  براديي وكيكليامي وبوليدوري وآخرون.. كما يتذكر مديرَي المدرسة الرّاحلين محمد بنزيان رحمه الله (والذي كان مديره كذلك في مدرسة المعلمين سنة 1970/1971) والمدير الراحل يحيى لعتيكي، الذي حضر الاحتفالات المائوية عن سن التسعين سنة..


 «كان الجِدُّ والمثابرة والمواظبة والنجاح هي شعاراتنا، وكانت شعارات معلمينا العمل المتواصل والمراقبة التربوية داخل وخارج القسم والحصول على أكبر نسبة نجاح في امتحان شهادة نهاية الدروس الابتدائية، التي كانت تنظم على صعيد التراب الوطني.. كما كانت من بين فترات سعادة الأطفال هي فترة الإطعام المدرسي، الذي كانت وجبته يومية ودسِمة ومتنوعة ومنظمة، حيث كان يسهر على التنظيم المعلم الجزائري الكهل آنذاك الأستاذ بنكداش.. وكان  شرفا  عظيما لمن كان يُكلـّـَف بدقّ الجرس في فترات الدخول والخروج، ذلك الجرس الذي واكب إيقاع الدروس منذ تأسيس مدرسة سيدي زيان سنة 1907، أي قبل توقيع عقد الحماية بحكم أنّ الفرنسيين دخلوا مدينة وجدة عبر الجزائر، التي كانت آنذاك تعتبر «محافظة» فرنسية..


 ومن الذكريات التي سجلها المتحدث ذلك الاهتمام الصحي الذي كان التلاميذ الصغار يحظون به من طرف المؤسسات الصحية التي كانت توفر مَراهم للعيون ومساحيق لمحاربة الحشرات، والفحوصات الصبية على داء السلّ، والعيون لتوفير النظارات لضعاف البصر.. دون نسيان الحديث عن توفير الكتب المدرسية «التلاوة» والدفاتر واللوحات الحجرية وحتى الطباشير...»وبفضل الجميع، ورغم هذه الظروف، تخرّجَ من هذه المدرسة -التحفة العديدُ من الوزراء والأطر في جميع الميادين... رحم الله من التحقوا به منهم وأطال عمر من أمدّ في عمرهم».    

  

عبد القادر كتـــرة 

تعليقات

المشاركات الشائعة