معاناة نساء التعليم في الوسطين الحضري والقروي





تمثل النساء نسبة 41 في المائة من العاملين في قطاع التعليم، 64 في المائة منهن يعملن في الوسط القروي، فيما تشتغل النسبة المتبقية في الوسطين شبه الحضري والقروي. ولنساء التعليم قضاياهن ومعاناتهن الخاصة، إضافة إلى تلك التي يشتركن فيها مع إخوانهن من رجال التعليم.. وعلى بعد يومين فقط من موعد تخليد النساء يومهنّ العالمي، الذي يصادف 8 مارس من كل سنة، حاولنا في هذا العدد منح الكلمة لفاعلات نقابيات للحديث عن بعض جوانب معاناة نساء التعليم وتوجيه رسائلهن إلى المسؤولين.


على بعد يومين فقط، تحلّ ذكرى جديدة/ قديمة تتذكر فيها النساء أنّ لهن موعدا سنويا «يحتفلن» فيه عبر العالم بإنجازاتهنّ في العديد من المجالات، وهو يوم تجعله بعض الدول يوم عطلة للنساء، اعترافا بدورهن في دورة رحى المجتمعات. يوم تتوقف فيه نساء العالم للحظات لتأمل أحوالهن وظروفهن، ويقيمن فيه منحنى تدرج قضاياهنّ في المجتمعات على جميع الأصعدة (الاجتماعية الاقتصادية الحقوقية العلمية)..
واستحضارا لدلالة هذا اليوم بالنسبة إلى نساء التعليم في بلادنا، قررنا ألا نكون رقما ضمن أرقام المجاملين للنساء، على اعتبار أنّ واقع الحال يؤكد بالملموس حجم المعاناة التي تتخبط فيها نساء التعليم من العاملات في العالمين الحضري أو القروي أو من الجالسات إلى المكاتب الإدارية.. الأكيد أنّ كل النساء سيقفن على حالهن في عدد من القطاعات في هذا اليوم، لكنّ قطاعا كالتعليم، الذي تفوق نسبة الثأنيت فيه 40 في المائة، أزيد من 60 في المائة منهن يشتغلن في الوسط الحضري و39 في المائة من مجموع المتدربين حاليا في مراكز مهن التربية والتكوين هن من العنصر النسوي، أكيد أنهن سيتوقفن عند معاناة تجارب التعيينات «البئيسة» في المناطق القروية والنائية، وكذا عند جحيم التنقل اليومي بالنسبة إلى من يُجبَرن على ركوب جحيم «لانافيط» بشكل يوميّ، أو من يضطرين إلى إكمال رحلاتهن اليومية «مُجرجَرات» وسط سيارات النقل السري أو على متن دراجات نارية أو هوائية لاستكمال ما قد يتبقى من كيلومترات الطرقات غير المعبّدة، أو حتى ركوب الدواب أو العربات المجرورة، في رحلات يومية أو أسبوعية، أو على مشيا على الأقدام في عديد من الحالات.. وهي كلها «وضعيات» تفرضها عليهنّ ظروف العمل، التي تختلف وتتباين درجات صعوبتها من منطقة إلى أخرى. كما ستجلس عدد من المشرفات على التقاعد للحظات خلال هذا اليوم ليتساءلن عن مدى قدرتهن على استكمال ما تبقى من سنوات العمل في قطاع مرهق كقطاع التعليم. ولكي لا نبدو للبعض «متطفلين» على قضايا نساء التعليم، اخترنا خلال هذا العدد نقل آراء نساء فاعلات نقابيات، على اعتبار أنهنّ الأقرب من مشاكل ومعاناة بني جلدتهن، وحاملات للعديد من المشاكل التي يصادفنها أثناء تفاعلهن مع هذه الشريحة العريضة من العاملين في قطاع التربية والتكوين.


حاملة لأحاسيس الأمومة


قالت الأستاذة فاطنة أفيد، الكاتبة العامة للمنظمة الديموقراطية للتعليم، إن هناك مسألة على المسؤولين أن يفهموها هي أن النساء في قطاع التعليم يمارسن مهمة مزدوجة، فطبيعة المرأة وأدوارها في تربية النشأ مُستمَدّة من كونها تتوفر على نفحة تمكنها من أداء هذا الدور داخل الأسرة. كما أن الأطفال يرتاحون أكثر للمرأة في قطاع التعليم، لهذا على وزارة التربية الوطنية والحكومة أن تدرك هذا الأمر وتستحضره، فالأستاذة عندما تدخل إلى القسم لا تنظر إلى التلميذ من زاوية أنه تلميذ فقط، بل تستحضر ابنها، أو أبناءها الذين هم في سن تلامذتها نفسه الذين يدرسون بدورهم على أيدي أساتذة آخرين، لهذا فحسّ الأمومة والعطف يكون حاضرا لدى المرأة بامتياز، كما أنها تلعب دور الأخت تجاه تلامذتها، فالمرأة دائما هي حاملة لهذه الأحاسيس والعواطف النبيلة، فمهنة التعليم في أغلب الدول تم إسنادها إلى النساء، لتوفرهنّ الطبيعي على مثل هذه الأحاسيس تجاه الأطفال، التي تبلغ حد تتبع حالتهم الصحية والقدرة على اكتشاف ما إنْ كانوا يعانون من بعض الأمراض مثلا، وأغلب الأستاذات يتسلحن بالأدوية داخل خزاناتهنّ لاستعمالها في الطواريء.. وهذا الإحساس النبيل لدى نساء التعليم، للأسف، لا يُؤخذ بعين الاعتبار من طرف المسؤولين على القطاع.

ظروف صحية مزرية

قالت أفيد إن هناك معاناة صحية لدى نساء التعليم، لهذا نحن نطالب بأنْ يتم تحديد سن التقاعد بالنسبة إلى نساء التعليم في 55 سنة، لأن أغلب النساء يتعرّضن في سن معينة لمرض هشاشة العظام ولمشاكل أخرى تتعلق بسرطان الرحم وسرطان الثدي، الذي تظهر علاماته لدى أغلب المصابات بعد سن 45. كما تعاني نساء التعليم من مشكل «السياتيك»، نتيجة الوقوف لساعات طوال داخل القسم ولسنوات طويلة.. لهذا من المفترض أن يتم إسناد مهام إدارية ومهام أخرى غير القسم لنساء التعليم بعد قضائهن فترة معينة داخل القسم، والتي تكون كافية كي تترك لديهن مضاعفات وأمراض الدوالي مثلا (ليفاريس) إضافة إلى تعرّض عدد منهن لمشاكل في القلب بسبب الجهد الذي يبذلنه خلال فترة وقوفهن داخل القسم.. وللأسف، كل هذه المعاناة الصحية لا تؤخذ بعين الاعتبار من طرف المسؤولين.
شبح العمل في البادية

بخصوص معاناة نساء التعليم العاملات في العالم القروي، أكدت أفيد أن لدى المرأة التي تشتغل في العالم القروي معاناة مضاعفة، إضافة إلى ما ذكرناه سابقا، فهي تعيش حالة من الخوف الدائم من التعرّض للاعتداء -الجسدي أو الاغتصاب، وهناك حالات متعددة تحدّث عنها الإعلام، إضافة إلى المشكل الثقافي، فالمرأة التي يتم تعيينها في مناطق قروية محافظة، أو ما زالت نظرتها إلى عمل المرأة محدودة، فإن معاناتها تصبح مضاعَفة أكثر. واستشهدت أفيد بحالة خديجة الشايب، التي اعتـُدي عليها وحـُكم على المعتدي بالسجن، ولم يتم تنقيلها على الأقل من المنطقة التي يوجد فيها المعتدي، لكون القبيلة كلها ستنظر إليها على أنها السبب في دخول أحد أبنائها السجن: « نحن لا نقول إن النساء لا يجب أن يتم تعيبينهن في العالم القروي، لكنْ يجب الاهتمام بالرجل و المرأة على حد سواء، لكن الاعتناء بالمرأة يجب أين يكون مضاعَفا، لأنها تكون أكثر عرضة للعنف وللتحرش والسبّ والقذف»... لأنّ النظرة إلى المرأة، للأسف، ما زالت قاصرة، بل ما زال هناك من لا يستسيغون أن يروا المرأة في مكان عمل، وليس هناك اعتراف بكل هذه المعاناة..
ويضاف إلى كل هذا -حسب أفيد- كون نساء التعليم يشتغلن في الابتدائي 30 ساعة في الأسبوع، وهو ما يمكن أن يوصف بـ»القهرة»، باعتبار أنها يؤدي دور التربية مضاعَفا، فهي مربية في البيت وفي المدرسة، إضافة إلى أنها مُلزَمة بأن تكون مطالعة ومتتبعة لكل جديد، حتى تواكب الركب، وإلا فإنها ستتحول مع مرور الوقت إلى «جماد».

حماية نساء التعليم

من جهتها، قالت أمينة صاغور، عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم وعضو اللجن الثنائية الوطنية، إن دور المرأة في أسلاك التعليم أصبح متواجدا بكل ما لديها من طاقات ومبادرات، إسهاما في تنمية اقتصاد البلاد وحفاظا على تماسكها الاجتماعي، إلا أنها لم تلق بعد العناية الكافية، التي تتناسب والأدوار التي تلعبها والمكانة التي تحتلها والمسؤوليات الجسيمة التي تنهض بها، فظلم المرأة هو في جميع المجالات، وعليه فقد بات من الضروريّ اليوم أن تناضل المرأة العاملة من أجل انتزاع حقوقها وحريتها وتبوئها المكانة التي تليق بها وتحسين أوضاعها المادية والمعنوية من خلال الحوار والتفاوض والمبادرة التشريعية.. ومن خلال الانخراط الجادّ والفعّال في كل الميادين وفي كل المناسبات ذات الصلة بقضايا المرأة العاملة.. وما زلنا نطمح إلى إعمال القواعد والمبادئ المجرّمة للتمييز في العمل تجاه المرأة، وتطوير المقتضيات القانونية الحمائية للمرأة في ما يتعلق بالتحرّش الجنسي والتحرش المعنوي ومراجعة وسائل الإثبات المُعتمَدة، بوضع قوانين منظمة تحمي المرأة من كل أنواع التحرش التي سجلتها عدد من التقارير الصحافية، وتؤمّن الحماية لهن من الاعتداءات التي تطالهن، خاصة في العالم القروي، إما من طرف منحرفين بدافع السرقة، أو يتعرّضن لهجوم الكلاب الضالة في طريقهم إلى عملهن.
وقالت صاغور إنه، وبغضّ النظر عما تعانيه المرأة العاملة والمدرسة بصفة خاصة، فإن المتغيرات أفرزت تحولات عميقة نقف عليها اليوم ونحن نستحضر اللحظة التاريخية التي تعيشها بلادنا وتفاعلها مع مناخ الإرادة في التغيير ف المنطقة المغاربية والعربية، والذي تعزز بالمراجعة الدستورية، التي أقرّت حقوقتا اجتماعية واقتصادية مهمّة للنساء بصفة عامة والعاملات منهن في قطاع التعليم بصفة خاصة.

تخفيض سن التقاعد

مع اتخاذ كل التدابير والإجراءات واعتماد سياسات عمومية ملائمة لتوفير الشروط اللازمة للمزاوجة بين متطلبات الاهتمام بالأسرة ومُستلزَمات الارتقاء في ميدان التدريس للرفع من الإنتاجية، بتوفير دور الحضانة وروض للأطفال في مقرات العمل أو بالقرب منها، والحق في عطلة الأمومة لمدة 6 أشهر بكامل الأجر، مع إمكانية 6 أشهر أخرى مقابل نصف الأجر وتعديل تشريعات التقاعد بما يضمن الحق في الحصول على تقاعد مبكر بشروط تفضيلية، مع تمكين النساء من المعاش الكامل ابتداء من سن 55 سنة، وتمكين نساء التعليم من العمل بدوام جزئيّ، مع الحفاظ على الراتب كاملا إذا كان أحد أبنائها معاقا.. ونسجل بمناسبة هذا اليوم أن آخر الإحصائيات الرسمية للمندوبية السامية للتخطيط أظهرت أن النساء يمثلن 26 في المائة من النساء النشيطات وأن مساهمات النساء في الناتج الداخلي الخام تصل إلى الثلث، وتمثل نسبة النساء العاملات في قطاع التعليم ما يقارب 40 في المائة، وهي نسبة جد مهمة وجب على المسؤولين أخذها بعين الاعتبار.

البعض ما زالوا يعتبرون المراة «ديكورا»


الأستاذة «س. ه.» مديرة مؤسسة ابتدائية قالت إن المرأة في مجتمعنا ما زالت تعتبر كـ»ديكور» داخل المجالس والمكاتب تحت عدة تسميات (المناصفة، مقاربة النوع).. ولا يُنظر إلى المرأة بناء على كفاءتها وفعاليتها، بل «تؤثت» المكاتب والمجالس فقط حتى لا يقال إنّ العنصر النسوي غير موجود في تشكيلاتها. كما تحدثت الأستاذة «س. ه.»، بدورها، عن معاناة نساء التعليم مع التوقيت الجديد الذي طـُبّق في الوسط الحضري، والذي قالت إنه لا يناسب لا التلاميذ ولا الأستاذات اللواتي يعانين دراءه الأمرّين، وخاصة في فترة بين الحصتين، التي لا تكفي لذهاب وإياب الأستاذات من المؤسسة إلى منازلهن لإنجاز أبسط الامور والعودة إلى العمل في الفترة المسائية. واقترحت المتحدثة العمل من الثانية والنصف إلى الساعة الخامسة مساء لتسهيل عملية التحرك بين الفترتين الصباحية والمسائية بالنسبة إليهن. كما تحدثت عن معاناة نساء التعليم مع حصة التربية البدنية، التي لا يستطعن في الغالب أداءها بالشكل المطلوب، وخاصة المتقدمات منهنّ في السن.

ما يشبه الختم

من خلال استماعنا إلى مجموعة من نساء التعليم، سواء منهنّ العاملات في الوسط الحضري أو القروي أو في بعض الإدارات التابعة للوزارة، يمكن أن نسجل أن أغلبهنّ يُجمعن على أن «عيد المرأة» بالنسبة إليهن لا يعدو أن يكون يوما كباقي الأيام، ما دمن لا يشعرن فيه بأي بأي اختلاف عن وتيرة باقي أيام السنة. وأكدت بعضهن أنهن «لا يُبالين» تماما بهذا اليوم، لاقتناعهن بأنّ المعاناة مستمرة، وما دامت الوزارة (والمجتمع) تتعامل كأرقام تأجير داخل المنظومة. ونبهت العديد من نساء التعليم، خاصة اللواتي يخترن «قهرا» ركوب مخاطر التنقل اليومي، أنه لولا نظام التكافل، الذي ما زال سائدا بين نساء ورجال التعليم وتجنيدهم سياراتهم الخاصة من أجل التنقل اليومي لبلوغ مقرات عملهم المتناثرة، لكانت الكارثة في القطاع، لأنه لا يُلتفـَت إلى هذا الهم الكبير بالنسبة إليهن، ولا إلى صعوبة الاعتماد على وسائل النقل العمومية في التنقل اليومي لبلوغ مقرات عملهن.. وتقضّ مسألة أخرى مضجعَ نساء التعليم، وهي «مطاردة» ذلك «السراب» المسمى «الالتحاق بالزوج» -أو بالأسرة بالنسبة للعازبة أو بالأبناء بالنسبة إلى البعيدة عن مكان دراسة أبنائها- أو التخفيض من سن التقاعد بالنسبة إليهن، أو إحساسهنّ بأنهنّ نساء فاعلات في المجتمع وموظفات في وزارة تابعة للدولة أينما حللن وارتحلن... وهي كلها متمنيات ما زالت تنتظر التحقيق.


رضوان الحسني 



تعليقات

المشاركات الشائعة