العنف يجتاح المؤسسات التعليمية بالمغرب والجناة تلاميذ



يتعاطون المخدرات ويحملون الأسلحة البيضاء ويهددون الأساتذة بالذبح




                    

يقول الشاعر أحمد شوقي «قم للمعلم وفِّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا».. مقولة لطالما رددت كتعبير عن دور الأستاذ في المجتمع،لكنها اليوم غابت عن أذهان الكثير من التلاميذ الذين يتصيد بعضهم الفرص للإيقاع بالمدرس رجلا كان أم امرأة، ضرب، شتم، قذف، تحرش، تشهير... كلها سلوكات يعاني منها اليوم مجموعة من الأساتذة، خاصة أساتذة الإعدادي والثانوي، سلوكات جعلت بعضهم يصاب بمرض نفسي، يزورون بسببه الطبيب بحثا عن الراحة بعد أن أرهقتهم كثرة الضغوط الممارسة عليهم، التي تجعل منهم ضحية يرعبهم تلميذ «منحرف» داخل القسم.
 المكان:  الثانوية الإعدادية، عبد الواحد العلوي، بسيدي مومن في مدينة الدار البيضاء، صباح الخميس السابع من مارس، كان مدير المؤسسة على موعد مع مشهد «غريب»، تلميذ بقسم الأولى ثانوي يوجه  لكمات قوية صوب وجه أستاذ مادة الفرنسية، منظر الأستاذ وهو غارق في دمه لم يشهد له المدير مثيلا، سارع على الفور وخلص الأستاذ من بين أيدي تلميذ كان مرفوقا بولي أمره ، قدم الإسعافات الأولية للأستاذ المصاب واتصل بسيارة الإسعاف التي حضرت على الفور لنقل الأستاذ، مرفقة بالشرطة والقائد والنائب، الكل تساءل ماذا حدث؟ ما السبب؟ الجواب قدمه المدير قائلا «أستاذ مادة الفرنسية طلب من ولي أمر التلميذ الحضور للحديث معه عن مستوى ابنه الدراسي إلى أن فوجئ بعنف التلميذ الذي لم يكن يوما يتوقعه».
مشهد الاعتداءات التي تطال الأساتذة أضحى ظاهرة خطيرة تستوجب وقفة تأملية في الأسباب والدوافع، التي جعلت بعض التلاميذ يتحولون إلى «مجرمين» داخل القسم يمارسون أشكالا مختلفة من العنف اللفظي أو الجسدي....


مدرسة أم إصلاحية


شبه مجموعة من الأساتذة إلتقتهم «المساء» الوضع داخل بعض المؤسسات العمومية بـ«الإصلاحية»، بسبب السلوكات «المنحرفة» التي يقوم بها بعض التلاميذ. منير برحال، أستاذ مادة العربية بثانوية ابن سينا في عين السبع بالدار البيضاء، تحدث بشكل عام عن الاعتداءات التي تطالهم كأساتذة، والتي يغلب فيها الاعتداء اللفظي، معتبرا أن الوضع التعليمي أصبح يقلقهم، خصوصا أن البعض منهم يعتبر نفسه أستاذا في «إصلاحية» وليس في مؤسسة تعليمية، فمنهم من سرق منه هاتفه المحمول في القسم، ومنهم من سرقت نقوده.
وعزا برحال ذلك إلى مشاكل عدة من ضمنها الاكتظاظ في القسم، وكون الأستاذ غير محمي قانونيا، فالقانون المغربي دائما يكون في صف التلميذ القاصر، الذي في حالة ارتكابه للجرم تكون الأحكام مخففة، الأمر الذي جعلهم باعتبارهم أساتذة يتخوفون من التلميذ الذي يشوب سلوكه «انحراف».  لم يعد الأستاذ يحظى بالاحترام كما في السابق، بل أضحى مثارا للاستهزاء من طرف بعض التلاميذ، فأبسط انتقام من الأستاذ هو القيام بتصويره في أي وضع كان وتلفيق تهمة له ونشرها في اليوتوب أو الفايس بوك، كما حدث مع أحد الأساتذة يضيف منير، الذي كان يحتسي الشاي في قسمه فوجد صوره في الفايس بوك على أنه يحتسي الخمر.  مدير الثانوية الإعدادية صفي الدين الحلي بسيدي البرنوصي في الدار البيضاء، تحدث عن حالة اثنين من الإخوة يشكلان «حالات شاذة» داخل المؤسسة، يقول إنه نهج معهما مختلف الطرق التربوية والإدارية لضبطهما لكنهما مازالا يتماديان في سلوكاتهما تجاه الأساتذة أحدهما يهدد أستاذته قائلا «تخرجي غندبحك» .
ومن الحالات «الشاذة» التي تحدث عنها المدير حالة تلميذ يبلغ من العمر 18 سنة اضطر إلى قبوله للدراسة داخل المؤسسة مكرها، بعد علمه أنه ذو سوابق عدلية قضى في السجن سنتين بسبب ارتكابه جريمة قتل ويضيف أن الأساتذة والإداريين يتعاملون معه بحذر، خاصة أنه يتعاطى للمخدرات وكان يأتي إلى القسم فاقدا للوعي، ملامحه تظهر عليها علامات العدوانية، المتحدث عزا ذلك إلى أنه في بعض الأحيان تفرض النيابة التعليمية على المدير تلميذا في إطار محاربة الهدر المدرسي، وفي هذه الحالة ليس لمدير المؤسسة حق الرفض.
 حالة أخرى تحدث عنها مدير الثانوية الإعدادية تتعلق بتلميذ وصف بـ«المجرم»، قدم من مدرسة أخرى بعد أن اعتدى على أستاذ بها بالضرب وتمت إحالته على المجلس التأديبي، خلق الفوضى داخل مؤسسة صفي الدين الحلي، بسبب العنف الذي كان يمارسه سواء على التلاميذ أو على بعض الأساتذة . وبالنسبة للإجراءات التي تتخذ في مثل هذه الحالات, يقول المدير، هناك عدة محاولات يقوم بها بمعية الأساتذة لضبط التلميذ والتي تتمثل في استدعاء ولي أمره والتعرف على نوعية الظروف الاجتماعية التي يعيشها, ثم تقديم النصح, والتوجيه، وإن استمر في عنفه وسلوكاته المنحرفة، فإنه يحال على مجلس الانضباط بعد توصل الإدارة بتقارير موقعة من لدن الأساتذة، غير أن المدير أكد أن معظم الأساتذة يتخوفون من إنجاز هذه التقارير وحتى في الحالة التي يكتبونها يطلبون عدم إظهار الاسم خوفا من انتقام التلميذ الذي أبسط شيء قد يفعله، تشويه سيارة الأستاذ أو كسر زجاجها أو الاعتداء عليه بالحجارة خارج المؤسسة.
من جهته صنف أستاذ مادة العلوم الطبيعية بالثانوية الإعدادية صفي الدين الحلي، التلاميذ إلى ثلاث فئات، فئة شغوفة محبة لها هدف، مدعومة من طرف أسرتها، وفئة أخرى غير محبة، تتموقع في الوسط تدرس بلا هدف ولا تجد من يقدم لها يد المساعدة، وفئة ثالثة خطيرة تدعى الفئة النفور، التي تستدعي حصرها بحيث يضيف أن التلميذ عندما ينفر الدراسة ويكرهها يبحث عن البدائل التي تكون هي المخدرات أو ممارسة أشكال من العنف تجاه زملائه وتجاه الأستاذ، لهذا أكد على ضرورة حصرها من طرف الوزارة وإبداع وسائل جديدة في التعامل معها.


وفي ظل غياب مساعدين اجتماعيين أو نفسيين داخل الاعداديات والثانويات، فإن الأستاذ يلعب جميع الأدوار، فهو الموجه والمربي والمعلم مما جعل العديد من الأساتذة يواجهون ضغوطا «لا تطاق».

من المسؤول


أجمع معظم الأساتذة الذين استقت «المساء» رأيهم على أن للعنف الذي يمارسه التلميذ تجاه الأستاذ دواعي وأسبابا كالتفكك الأسري وارتفاع حالات الطلاق  وانسحاب الأسرة من مسؤولياتها التربوية، بالإضافة إلى الاكتظاظ داخل الأقسام، وافتقار المدرسة للمرافق الثقافية والرياضية...
كلها عوامل تعمق  حدة العنف على حد تعبيرهم  وتكون لها آثار على نفسية التلميذ وتصرفاته,  التي قد تتسم بالعدوانية  فيلجأ إلى شتى الطرق لتفريغها.
يقول مجموعة من التلاميذ التقتهم «المساء» «إن بعض التلاميذ المراهقين يدخنون في المراحيض ويتعاطون المخدرات كـ «المعجون» و«القرقوبي» حتى أنك عند الحديث معهم تجد عيونهم حمراء اللون، الشر يتطاير منها».
من الحالات التي حكاها بعض التلاميذ والتي وقعت بإحدى المدارس العمومية أن أحد الأساتذة الملحدين قال لهم في السنة الماضية عبارات من قبيل (لا وجود لله - ضغط على زر المصباح وقال لهم : نادوا على الله ليطفئه ...) وهي عبارات استفزت التلاميذ فصرخوا في وجهه وضربوه بالدفاتر وغير ذلك وكذا حالة أستاذة سبت أحد التلاميذ بقولها (الحمار) مما جعل التلميذ يثور في وجهها وكاد يضربها.
هناك أيضا من ربط ذلك بغياب الأمن، خاصة أن من المعتدين من يتورط في جرائم لها علاقة بتعاطي المخدرات والسرقة ومعظمهم قاصرون.
ومن الأسباب التي تساعد على ارتفاع نسب الاعتداء على الأساتذة يقول أستاذ السلك الثانوي، عبد الله الجباري، اكتفاء المدرسين بعرض التلاميذ على المجالس التأديبية الداخلية للمؤسسة دون ولوج ردهات المحاكم، وكذا  تنازلهم في كثير من القضايا عن حقهم في المتابعة القضائية، بعد وساطات أسرية أو تعليمية استحضارا منهم لدورهم التربوي، ومراعاة للمرحلة العمرية التي يمر منها التلاميذ.  زيادة على عدم رغبة بعضهم  في ولوج المحاكم خوفا من الإدانة، مثل ما حدث لأحد الأساتذة، عندما منع أحد المتمدرسين من الغش في امتحان الباكلوريا، فما كان من التلميذ إلا أن قام بالاعتداء على الأستاذ، واستصدر من أحد الأطباء شهادة طبية، ولما رفع الأستاذ دعوى قضائية ضد التلميذ، أدينا معا بتبادل الضرب والجرح، مما جعل كثير من الأساتذة ينأون بأنفسهم عن متابعة التلاميذ قضائيا.
 وحسب الجباري فإنه يمكن إرجاع ظاهرة العنف المدرسي إلى سياقها المجتمعي العام، حيث نجد انخفاض منسوب القيم عند الأطفال والمراهقين، من خلال حديثهم الفظ والعنيف مع ذويهم، خصوصا منهم الوالدين، بل نجد الاعتداء الجسدي على الأقارب بما في ذلك الآباء، ومن
اعتدى على والديه وذويه لا يجد أدنى حرج في الاعتداء على الأساتذة والمدرسين.
وأضاف أن انتشار ظاهرة العنف ضد الأساتذة جعل البعض منهم  يرفع شعار «النقطة مقابل السلامة البدنية»، حيث أصبح بعض التلاميذ يستفيدون من ريع خاص، وهو النقطة التي لن يحظى بها ذلك التلميذ غير المشاغب، بل إن أحد الأساتذة صرح أنه يخبر التلاميذ منذ بداية الموسم الدراسي أن آخر نقطة هي 10، وما على التلاميذ إلا الالتزام بالهدوء ليحصلوا على هذا الامتياز، وهذا يزيد الطين بلة، فبدل أن يقوم الأستاذ بدوره في التربية وترسيخ القيم لدى الناشئة، فإنه يرسخ لديهم قيما سلبية مثل الرشوة .
واقترح الجباري لمعالجة الظاهرة  تيسير عملية دمج التلميذ في العملية التعليمية من خلال  محاربة الاكتظاظ، والتركيز على القيم، تدريسا وتطبيقا، والقرب أكثر من التلاميذ، بخلق مراكز وخلايا استماع داخل المؤسسات، فضلا عن تنقية محيط المؤسسات التعليمية من براثن الفساد التي تنتعش فيها (بيع المخدرات) وإحداث شراكة حقيقية بين وزارات التربية الوطنية ووزارة الشباب والرياضة ووزارة الثقافة، وتنزيل هذه الشراكة على أرض الواقع، لتحويل طاقات التلاميذ إلى إبداع فعال، في المجال الرياضي أو الموسيقي ...


نبذ العنف


عبرت مجموعة من الفعاليات النقابية عن نبذها للعنف بصفة عامة، واصفة العنف الموجه ضد الأساتذة بالظاهرة الخطيرة التي تقتضي إعادة النظر في المنظومة التعليمية، فسلسلة الاعتداءات التي تعرض لها عدد من الأساتذة على الصعيد الوطني جعلت النقابات التعليمية تدق ناقوس الخطر وتتداول في اجتماعاتها الموضوع مطالبة وزارة التربية الوطنية  بمناظرة وطنية حوله. عبد الحق صيفار،عضو بالجامعة الوطنية للتعليم، التابعة للاتحاد المغربي للشغل، اعتبر في اتصال هاتفي أن هناك خللا في المنظومة التعليمية بحيث جل المدارس العمومية تفتقد للأنشطة الرياضية والثقافية والفنية التي تساعد التلميذ على تجاوز مشاكله الاجتماعية، زيادة على مطالبته بتفعيل الدور الاجتماعي للملحقين التربويين.
من جهته أوضح الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم، التابعة للفدرالية الديمقراطية للشغل، عبد العزيز إيوي، أن مستوى العنف الممارس ضد الأساتذة في ارتفاع مستمر وأن وزارة التربية الوطنية في عهد الحبيب المالكي أعدت دراسة في الموضوع، لكن لم يتم الإعلان عنها.
 وطالب الكاتب العام الفاعلين الحكوميين بالتدخل للحد من هذه الظاهرة معتبرا أن المقاربة الأمنية للموضوع لا تنفع لأن للأمر علاقة بما هو سيكولوجي، متأسفا كون معظم الأساتذة يتلقون تكوينا بيداغوجيا فقط في حين يتم تغييب الجانب النفسي والاجتماعي وهذا ما يزيد من حدة العنف داخل المؤسسات التعليمية.
مصدر نقابي من النقابة الوطنية للتعليم  التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، اعتبر أن الظاهرة خطيرة وتستدعي التدخل العاجل، متحدثا عن  حالة مدرس مادة الاجتماعيات بثانوية المسيرة – جماعة أقايغان بطاطا، الذي تعرض للاعتداء مساء يوم الاثنين 4 مارس 2013 أثناء مزاولته لمهمته داخل الفصل على يد تلميذه ( ع ج )، الذي أمطره بوابل من كلمات السب والشتم والقذف أمام مرأى ومسمع تلاميذ مستوى الثانية إعدادي، مهددا إياه  بالضرب واعتراض سبيله خارج المؤسسة. واعتبر المتحدث أن مثل هذه السلوكات ستؤدي لا محالة إلى خلق جو من التوتر والخوف والقلق بين صفوف الأساتذة.
وأوضح المصدر ذاته أن المكتب النقابي خاض وقفات احتجاجية تضامنا مع الأستاذ، مطالبا  إدارة الثانوية باتخاذ جميع الإجراءات التربوية والإدارية والقانونية الضرورية الكفيلة بإيقاف هذا التلميذ عند حده.

معاناة معلمة


بعد حادث أستاذ سلا، ناقشت إحدى الأستاذات بالقنيطرة مع تلاميذ الباكلوريا درسا خاصا بالظواهر الاجتماعية، وطلبت منهم تحديد ظاهرة معينة كنموذج قصد دراستها، فاقترحوا مشكل الاعتداء على الأساتذة، وانجر النقاش إلى قضية حمل التلاميذ للسلاح الأبيض، وانقسم التلاميذ إلى فريقين، فريق يستنكر المسألة ويرفضها، وفريق يدافع عنها بدعوى أن التلميذ يمر من أماكن معينة قد يتعرض فيها لاعتداء، لذا يجب أن يكون مستعدا للدفاع عن نفسه، فطرحت عليهم الأستاذة السؤال الآتي : من منكم يحمل سلاحا أبيض الآن ؟ ففوجئت بالنتيجة، حيث أظهر لها جميع التلاميذ الذكور – إلا اثنين – سلاحهم الأبيض داخل الفصل الدراسي.
منذ ذلك الوقت والأستاذة تنتابها هواجس وتخوفات، فكما يتعرض الرجل الأستاذ للتعنيف لا تسلم المرأة منه أيضا، غير أن العنف الذي يطالها في القرى هو أكثر وأكبر تقول إحداهن، عينت حديثا في جماعة تونفيت، بعد أن درست سنوات في مدينة الرباط» تخيفني الحوادث التي أسمعها والتي تعرضت لها أستاذات في مناطق قروية كالاغتصاب»، مضيفة « عندما تأتي المرأة إلى هذه المناطق بلباس معين يختلف عن ثقافة المنطقة وعاداتها وطقوسها فهي تجر عليها  كوارث قد لا تسلم منها».
مجموعة من الحوادث وقعت في بعض القرى كانت ضحاياها نساء تعرضن لشتى أنواع العنف من طرف أشخاص ينظرون  إلى المعلمة وكأنها غنيمة سهل اصطيادها، لكونها بعيدة عن أي ظهر يحميها، كحالة أستاذة تعمل بمدرسة ايتزر  في مدينة ميدلت تعرضت لاعتداء بشع من طرف أحد الأشخاص المختلين عقليا، حيث تهجم عليها في منزلها منتصف الليل حيث تمكن من كسر القفل.
وفي مدينة شفشاون تعرضت إحدى الأستاذات بفرعية أزطوط التابعة لمجموعة مدارس الحاج العسـلاني، جماعة باب تازة، للاغتصاب حيث رماها المعتدون من سيارتهم أمام باب المؤسسة، ولاذوا بالفرار، مخلفين وراءهم ضحية أنهكها العنف الجسدي (اغتصاب وضرب) لتصاب جراءه برضوض وجروح خطيرة.

حالات متفرقة


الاعتداءات التي تطال الأساتذة تنقسم إلى أنواع فالغالب فيها السب والشتم ثم الضرب فالاعتداء الجسدي، هذا الأخير كان من أبرز حالاته التي خلقت ضجة داخل الوسط التعليمي حادثة الاعتداء الذي طال أستاذ مادة الفرنسية بمدينة سلا، الذي تلقى طعنة بواسطة سلاح أبيض، وجهها له تلميذ يدرسه في القفا نجا منها بأعجوبة قبل أن يلوذ بالفرار .
حالة أخرى شبيهة لها وقعت في إحدى المناطق النائية ولم تلق تغطية إعلامية، تتعلق بأستاذ مادة الاجتماعيات في ثانوية موسى بن نصير في جماعة بومية بميدلت، الذي أصيب في ركبته بطعنة سكين «غادرة» من تلميذ كان يتابع دراسته بنفس القسم, بعد أن أدار الأستاذ وجهه للسبورة، قام التلميذ بعمله الإجرامي. أيضا حالة وقعت في ضواحي مدينة سيدي سليمان منذ أربع سنوات عندما كانت المعتدية تلميذة في الإعدادي ضربت أستاذها في مادة الإنجليزية بسكين، نقل على إثر ذلك إلى مستشفى الإدريسي بالقنيطرة. أما الاعتداءات الأخرى فهي متداولة جدا في الوسط التعليمي. ففي مدينة القصر الكبير مثلا، أكد أحد الأساتذة أن سوء تفاهم وقع بين تلميذ وأحد الأساتذة بإحدى الثانويات بالمدينة، مما جعل التلميذ يطلب مساعدة بعض أصدقائه للاعتداء على الأستاذ، وقد تم فعلا الاعتداء عليه خارج المؤسسة، وهو الأمر الذي جعل الأستاذ يقدم شكايته إلى الجهات المختصة، إضافة إلى تقديم التلميذ إلى المجلس الانضباطي الذي قرر طرده، لكن، بعد وساطات عديدة، يضيف المصدر ذاته، تم التنازل عن الشكاية، وإعادة تسجيل التلميذ في المؤسسة التي يشتغل بها والده.

دراسة وطنية 


يحتل العنف الذي يمارسه التلميذ تجاه الأستاذ على الصعيد الوطني الصدارة بنسبة 20 في المائة حسب الدراسة التي قدمتها وزارة التربية الوطنية  حول العنف بالمدارس، التي أظهرت تفشي ظاهرة العنف، فقد بلغت حالات العنف المسجلة داخل المؤسسات التعليمية 52 في المائة، تتنوع أشكاله بين عنف جسدي يحتل الصدارة بنسبة 58 في المائة وعنف لفظي 14 في المائة، كما يمثل التحرش الجنسي 14 في المائة، والاغتصاب 14 في المائة.
الدراسة التي قامت بها الوزارة  بناء على مؤشرات العنف داخل المؤسسات التعليمية وفي محيطها من خلال المتابعة الصحفية للجرائد الوطنية  من 01 شتنبر 2012 إلى 28 فبراير 2013، عزت ارتفاع نسبة العنف الموجه ضد الأساتذة إلى الاحتكاك والتصادم، الذي يقع بينهم وبين التلاميذ مما يفتح المجال كي تتحول العلاقة أحيانا إلى علاقة توتر تفضي إلى العدوانية، موضحة أن حضور التلميذ كطرف يتكرر في العلاقات العنفية المسجلة، خاصة باستحضار البواعث السيكولوجية والاجتماعية المرتبطة بالمستوى المعيشي .
وأظهرت الدراسة، التي تتوفر «المساء» على نسخة منها، أن حالات العنف مسجلة أكثر في المجال الحضري في مقابل انخفاضها في المجال القروي، وهو ما تم تفسيره بكونه متعلقا بالأسباب الديموغرافية كارتفاع نسبة الكثافة السكانية في المدن وما قد يفرزه ذلك من ظهور أحياء هامشية وأسباب اجتماعية واقتصادية كانتشار الفقر والبطالة وانتشار المخدرات وتفشي الأمية وتدني درجات الوعي، فضلا عن أسباب تكنولوجية مرتبطة بالعولمة.


وكشفت الدراسة أن الدلالة الإحصائية المتعلقة بالعنف اللفظي لا يعتد بها، لأن الحقيقة أكثر بكثير إلا أنه بالرغم من ذلك فالأرقام والنسب الأخرى المتعلقة بالعنف الجسدي وحالات الاغتصاب، تضيف الدراسة ذاتها، باتت تحيل على واقع تربوي بدأ يهيمن عليه بشكل واضح مناخ العنف والإجرام والانحراف .  ومن الحلول المقترحة، حسب  الدراسة  ذاتها، خلق شرطة مدرسية تتكلف بالتصدي لكل الظواهر السلبية بفضاء المؤسسات التعليمية والتعاقد مع شركات لتوفير الأمن وتثبيت كاميرات المراقبة داخل المؤسسات وتنظيم تكوينات خاصة لأطر التدريس لتمكينهم من آليات التعامل مع العنف، ومكافحة ترويج المخدرات،  وعدم ممارسة أي عنف مادي أو لفظي تجاه الأبناء.
  

 هيام بحراوي

تعليقات

المشاركات الشائعة