الإضراب بين الحلال والحرام
هل أتاك حديث من أفتى بعدم جواز القول بالحرام والحلال في مسألة الاضراب، مستشهدا برأي جماهير العلماء؟ كنت أظن أنني لم أسمع هذه الفتوى إلا بعد أن كررها عدة مرات وأكدها لي من كان حولي ممن شاهدوا الفقيه الألمعي و العالم اللوذعي يفتي على التلفاز.. لست من علماء الدين ولا من أهل السياسة بل فقط رجل قانون يزن الكلام بميزان النصوص، ويلبس الوقائع ما يليق بها من فصول؛ فهل صحت الفتوى يا أهل الشرع والقانون؟
إن المتصفح لكل دساتير المغرب بما فيها الدستور الحالي سيجد عبارة لا تتغير لا تتبدل: "الاسلام دين الدولة"؛ فإذا كان الاسلام والدولة أكبر من أن نبحث لهما عن تعريف لأنهما لا يحتاجان إلى ذلك نظرا لشساعة مجالهما، فإنه في هذا المقام ينبغي التذكير بأول درس في مادة العلاقات الدولية تلقيناه في مدرجات الجامعة يعرف الدولة بأنها سطلة وشعب وإقليم، وفي غياب أحدهم لا حديث عنها؛ ولست في حاجة إلى أن أقول لجماهير العلماء الذين استشهد صاحبنا بقولهم أن الدولة في عمقها هي السلطة، هي السياسة، هي المجتمع والأسرة والفرد، هي الشغل، هي الاضراب، هي العامل، وهي رب العمل والأجر، هي كل شيء ينبض بالحياة داخل إقليمها.. حينما يأتي النقابي ويسم الله قبل الشروع في خطبته الحماسية، وحينما يستشهد بآيات قرآنية في بياناته النقابية تقولون هذا "حلال"، وحينما يُسأل هذا النقابي عن حكم من يتقاضى الأجر دون عمل تقولون هذا "حرام"، مالكم كيف تحكمون؟
إن الحديث عن إبعاد الدين عن أمور الدنيا أجمع العلماء والفقهاء على نعته بالعلمانية التي لا وجود لها في دساتير المغرب ومرجعياته وأسسه؛ فالدين الإسلامي السمح من الثوابت الجامعة التي تستند عليها الأمة المغربية في حياتها العامة كما أكد ذلك الفصل الأول من الدستور، وهي فتوى عفوا نص مأخوذ من القانون الأسمى في الدولة ألا وهو الدستور.. فالأمة المغربية لها ثوابت جامعة في حياتها العامة التي تحتوي كل السلط وكل العلاقات المجتمعية وكل الحقوق الإنسانية، فإذا كان الإضراب حقا فإنه جزء لا يتجزأ من الحياة العامة التي تقوم على ثوابت جامعة أولها الدين الإسلامي السمح الذي يشكل الركيزة الأساسية للنظام العام المغربي.
الطريق طويل وأنا أضع راحة يدي على مقود السيارة وأستمع إلى صوت المذياع الذي كان مثبتا على إحدى القنوات التي تعرف إقبالا كبيرا من طرف المغاربة بشهادة أهل الاختصاص في هذا الميدان، وكان مقدم برنامج "يسألونك" يستقبل المكالمات ويعرض فحواها على الفقيه الذي يجيب عنها؛ رن جرس الهاتف، اجاب المذيع: من؟ قالت سيدة في مقتبل العمر : أريد أن أسأل سيدي الفقيه عن الموظف الذي يتقاضى أجره كاملا دون أن يؤدي عمله، هل ما يقوم به حلال أم حرام؟ تنحنح الفقيه قليلا تم أجاب : لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن ..ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؛ بعد ذلك بقليل رن جرس الهاتف ثانية، كان السائل شابا يسأل عن الموظف الذي يحضر إلى مقر عمله ويقضي يومه كله في لعبة حل الكلمات المتقاطعة هل أجره حلال أم حرام؛ وبدأت الأسئلة تتقاطر على مقدم البرنامج، الكل يسأل عن الحلال والحرام في كل شيء ولو في أبسط الأمور، هؤلاء هم المغاربة الشرفاء متشبثون بثوابتهم حتى النخاع، يسألون عن حكم الشرع في أي لقمة يدخلونها إلى جوفهم، جاعلين من الحلال والحرام ميزانا أبديا يزنون به كل قدر من المال يدخلونه إلى جيوبهم ولو كان بسيطا، ولا يتورعون في السؤال عن ذلك، لا لشيء سوى لتطمئن قلوبهم، وليس " جبرا لخاطر" أحد، لأنهم في هذه الأمور يحرصون أشد الحرص خوفا من الله أكثر من خوفهم على أنفسهم.
الزبير أبو رضا - أستاذ باحث
تعليقات
إرسال تعليق