خواطر منكسرة لمفتش مقبل على التقاعد
وأنا مقبل في غضون 89 يوما على التقاعد ،وذلك بعد 37 سنة من الخدمة في قطاع أعتز بالانتماء إليه ،لقد ابتدأت مشواري المهني ، بعد تكوين جامعي ، كأستاذ ومفتش للتعليم الثانوي ، وقد ارتأيت وأنا أستعد لتوديع زملائي وزميلاتي ، أن أقتسم معكم مجموعة من الخواطر المنكسرة ، اتجاه أسلوب السيد وزير التربية الوطنية في تدبيره للشأن التربوي حتى لا أقول السياسة التربوية ،وفضلت أن أفصل خواطري هذه في تسعة أبواب أسميها الأبواب التسعة الموصدة شبيهة بالثقوب السوداء لإدغار موران Edagar Morin ، وهي خلاصات وضعيات عشتها شخصيا بشكل مباشر أو حكى لي عنها مسؤولون محترمون أعتز بصداقتهم وصدقيتهم .
1- في باب الاختلاف في الرأي :
إن السيد الوزير يتضايق من الرأي الآخر ،ولكم بعض الحكايات التي ربما تتبعتموها :
لقد سيق أن استدعى السيد الوزير مفتشا للتعليم الابتدائي بالقنيطرة لا لشيء إلا لأنه حرر مقالا في موضوع المذكرات التي أصدرها السيد الوزير ، و علق على جوانبها الشكلية واللغوية ، وتتذكرون حين دبج الوزير إحداها بمرجعه الشهير "تبعا لقراري " ، وبعد اطلاع الوزير على المقال قام باستدعاء المعني بالأمر بمعية مدير الأكاديمية السابق وبحضور المفتش العام للشؤون التربوية وبقية الحكاية تعرفونها .
كذلك هدد السيد الوزير ، عبر الهاتف، ثلاثة نواب بإعفائهم ،لا لشيء الا لأنهم أثاروا الانتباه لصعوبة تطبيق استعمال الزمن المدرسي الجديد ،فاعتبر السيد الوزير الأمر تقليلا لاحترامه .
وآخر حكاية ولا أعتقد ستكون الأخيرة ، تجلت في قرار إعفاء رئيس مصلحة الحياة المدرسية لنيابة أسا الزاك ،حيث وجه الوزير للمعنس بالأمر إنذارا وتحدث عن تصرف أو "سلوك لا تربوي" كما سماه ، صدر عن رئيس المصلحة اتجاه سيادة الوزير، وذلك حين سأله عن جودة الغذاء بمناسبة لقاء تكويني ، إذ أن السيد الوزير كان ينتظر جواب "كولو العام الزين" ، ولم يستسغ أن يسمع رأيا مخالفا ،فما كان من الوزير إلا أن خاطب المعني بالأمر "سير عند مراتك تطيب ليك " ، عن ماذا يبحث الوزير حين يقحم زوجة في موضوع يهم ظروف التكوين ، والكل يعرف ثقافتنا المغربية وعلاقتها بالمرأة خين تثار في غير مقامها ، وتعرفون بقية الحكاية ورد الفعل.
2- في باب اللباقة واللياقة التربوية :
زلات وخرجات السيد الوزير متعددة ومتنوعة ، منها ما قد يضحك من هم بعيدون عن الشأن التربوي ، ومنها ما يبكي وخاصة حين تمس المهنيين الذين ينتمون للقطاع ، لقد سبق أن روج السيد الوزير كلاما غير لائق وأحيانا في وضعيات غير لائقة ، ونكتفي بحكاية "المدير وصاحبتو" والتلميذة التي أهينت داخل الفصل الدراسي بحوز مراكش ،حيث اختلطت على السيد الوزير " ثقافة الحلقة في جامع الفنا " مع الثقافة التربوية المطلوبة في رحاب المدرسة ، وفي ححكاية أخرى ، كنت حاضرا فيها ، اذ كنا في لقاء تواصلي بين المفتشين المركزيين التخصصيين ، نادى الوزير على أحد الزملاء الحاضرين بمفتش "التحنقيز" ، وهو بالمناسبة مفتش للتربية البدنية . كل الخرجات والسلوكياتات غير اللائقة كانت موضوع مساءلة داخل المؤسسة التشريعية او خلال برامج حوارية.
3- في باب الشطط في استعمال السلطة
نكتفي بآخر حدث حصل في شهر فبراير 2013، ويتعلق بقرار إنذار وإعفاء رئيس مصلحة الحياة المدرسية لنيابة أسا الزاك ،وتم نشر بيان وجهه السيد الوزير الى الصحف والجرائد والمنبر الالكترونية ، وهو إجراء يجب أن يدرس في معاهد "التدبير الإداري" ،وسيشكل سابقة في المحكمة الإدارية وستغني بلا شك اجتهاداتها القضائية ، إنها قمة الشطط في استعمال السلطة ، إذ لم يهدأ بال السيد الوزير إلا بعد أن اعفى المعني بالأمر بعد أن وجه إليه رسالة موضوعها "إنذار" حيث لا مرجع قانوني لها ، كما أن السيد الوزير أضاف في بيانه الخاص ، أن المعني بالأمر تنقصه "الكفاءة المهنية " ، وهكذا تحول ابداء رأي في جودة التغذية في المركز الوطني للملتقيات الى تهمة "نقص في الكفاءة " ، والأخطر من هذا قام السيد الوزير بتوزيع البيان الفاضح لقراره ، وكأنه قرار حكيم يسترعي التقدير والتبجيل ، واكتشفت لأول مرة ، في حياتس المهنية ،وزيرا يقوم بتقييم الكفاءة المهنية للأطر ، وشخصيا ألتمس من السيد الوزير أن يمدنا بمعايير الكفاءة أو الشبكة التي أنجزها لتقييم الأداء المهني ، وسيكون بابا في كتاب مرجعي عنوانه "كيف تقوم الأداء المهني في 10 دقائق وعن بعد " ،"Comment évaluer la performance professionnelle en 10 minutes et à distance"
وقد أكد لي أستاذ للقانون الاداري أن هذا القرار انزلاق خطير،و معيب شكلا ومضمونا ، إذ حين أراد الوزير تعليل قرار الإعفاء ،طعن ضمنيا في كفاءة لجنة الانتقاء والمقابلة و قرار أهلية الجهة التي خولت للمعني بالأمر منصب رئاسة المصلحة ،والتي تتم كما هو معروف ، بعد استيفاء المرشح للمنصب للشروط المنصوص عليها في قانون الوظيفة العمومية ، وكذا محضر لجنة تقييم كفاءة المرشحين ، وإلا لما أمكن للمراقب المالي صرف التعويض الخاص بالمصلحة .وتصوروا يوما أن يقوم السيد الوزير بإعفاء مدير أكاديمية أو نائب أو مدير مركزي بدعوى غياب الكفاءة المهنية أو أن إطاره لا يسمح بذلك ، لا لشيء الا أن المعني بالأمر أبدى رأيا قد يكون مفيدا .
أما حكاية أستاذة مادة الموسيقى التي طلبت من السيد الوزير دعم المؤسسة لاقتناء آلة موسيقية ، فذلك حلقة أخرى ، والتي استمتع السيد الوزير بحكيها بسخرية في البرلمان داخل إحدى اللجن ، وغيرها من الحكايات المضحكة والمبكية في آن واحد ، واللائحة على كل حال طويلة.
هل من السياسة في شيء ، أن يحرج الوزير مسؤولين الى حد المهانة وفي حضرة شركاء اجتماعيين أوفي اجتماعات جد حساسة ، وقد وصل الأمر بالسيد الوزير القيام بالتشهير بالبعض منهم والاستهزاء بهم ، وكم من ضيوف مشاركين أشفقوا لحالهم .
لقد كنت شاهدا في احدى اللقاءات مع السيد الوزير ، حول دلائل الدخول المدرسي في شهر ماي 2012 ، حيث ضيعنا أكثر من نصف ساعة في الاستماع الى نكث سخيفة ، حيث لا يتوانى السيد الوزير في ذكر أشخاص بالاسم في البعض من طرائفه الساخرة ، ناهيك أحيانا عن تسميتهم بالكلام الساقط ،عندما يكون في حالة غضب.
وما قاله السيد الوزير في بوزنيقة ، في حق نائب وجدة وإمكانية انهاء مهامه ، والموضوع منتشر في فيديو يوتيب ليبرهن أن السيد الوزير لا يعير تقديرا للأطر المدبرة في القطاع.
4- في باب التسرع في اتخاذ القرارات :
سبق للسيد الوزير ان أعفى مدير أكاديمية ، ليتراجع بعد ذلك عن "الإعفاء" واكتفى بتسميته "توقيفا مؤقتا" ، وذلك لا لشيء إلا لأن السيد مدير الأكاديمية وكمسؤول جهوي ناقش السيد الوزير في أمر تدبيري يهم حيثيات تصحيح امتحانات الباكالوريا ،وهو فرار متسرع بترجم اندفاعية غبر مقبول في تدبير السياسات العمومية .
كما سيق أن تسرع السيد الوزير في التشهير بأستاذ ، اعتبره انتقل بشكل قانوني وتم تغليفه بتفرغ نقابي ، وتخدث عن ذلك في اخدى اللقاءات ، لكن الأستاذ رد عليه بشكل قاس في جريدة الاتحاد الاشتراكي ،فما كان من السيد الوزير إلا ان اعتذر بعد التحري واعتبار ان المعلومات المتوصل بها لم تكن دقيقة.
أما عن المنظمات الدولية ، فلا حديث إلا عن خرجاته المتسرعة وغير اللائقة حتى في الأعراف الدبلوماسية ، كان آخرها ،كما حكي لي في ندوة نظمت في المركز الوطني للملتقيات بتعاون مع منظمة اليونسيف ، حيث أزبد وأرغد السيد الوزير في وجه مسؤولي اليونسيف ، وذلك إثر صدور مقال لصحفي في جريدة ليكومونومبيست حول الانصاف في التمدرس واتهم المنظمة في ذلك ، اما عن منظمة اليونسكو فهذا موضوع آخر .
5- في باب التواصل والتعبئة
لنا وزير يسمع ما يريد هو ، وتنقصه القدرة على الاصغاء للآخر،ولا يعي تعقيدات وحساسية المنظومة ، لقد اتخذ قرارات ينقصها التروي والعمق ، دون استشارة ذوي الخبرة ،ودون التواصل والتعبئة حولها ،كقرار استعمال الزمن الجديد وهناك قرارات أخرى في المستقبل ،سمعت عنها ولا يمكن أن أتحدث عنها في هذه الرسالة .
لقد أمطر السيد الوزير الموقع الرسمي للوزارة ببلاغات مسترتسلة ، تذكرنا بالبلاغات التي تتم في المعارك.
كل المتتبعين لاحظوا أن السيد الوزير عندما وجه نداء طلب مشاركة خبراء لإمداده بالخبرات والمقترحات لإصلاح المنظومة ،كم كانت المعطيات جد هزيلة كميا ،إنه مؤشر له أكثر من دلالة خاصة في قطاع يعج بالخبرات والطاقات والتجارب المتميزة وعلى كل المستويات ، وأنا أحيي السيد الوزير على جرأته في الكشف عن ذلك الجدول الهزيل .
6- في باب الخطاب التربوي
حتى العديد من المصطلحات لم تسلم من غضبات السيد الوزير ، وبدأت تغادرنا ،لأن السيد الوزير لم يستوعبها ولا يريد سماعها : الثانوي التأهيلي /الهدر المدرسي/الزمن المدرسي وغيرها من المصطلحات والمسميات التي تزعج السيد الوزير .
7- في باب التوجهات السياسة
كل المتتبعين يعتبرون أن الوزير يفتقد لخلفية سياسة حزبية مؤطرة ويشتغل بدون ديوان قادر على تأطير وتصريف وتتبع السياسة التربوية.
الوزير لا يمارس تدبير السياسة العمومية ، فهو يمارس السياسة السياسوية الميكيافيلية الكافكاوية ، ولاحظوا عندما يلتقي السيد الوزير مديري المؤسسات التعليمية ، يخاطب ودهم ويقول لهم أنتم لستم في حاجة الى مفتشين ، أنتم الخبراء وانتم المسئولون وسأعمل على ان تكون المؤسسة مستقلة في التدبير و ..و.. ، وعندما يلتقي المفتشين يوجه كلاما معاكسا، ويشيد بأهميتهم في المراقبة والتدقيق ، وقد التجأ الى المفتشين أخيرا لتكسير مقاطعة المديرين لعملية الاحصاء ، وعندما يجتمع السيد الوزير بالمفتش العام يوجه له تعليمات تمس بالهيئة والإطار ، وهي اساليب ملتوية تعود الى حقبة قد ولت .
انه وزير فريد من نوعه ، ركز الاختصاصات في يده ، ويدبر اليومي التقني ، ويحاجج في الترهات ، ويتسرع في اتخاذ القرارات، أهذا هو استقرار المنظومة الذي جاء من أجله ،يل على العكس ساهم السيد الوزير في الاحتقان بل التشويش حتى أضحى المسؤولون بمختلف درجاتهم لا يعرفون كيف يدبرون ويتواصلون مع الوزير ، وكما قال لي أحد الزملاء الذي سبق أن خاطبه الوزير بكلام لا يليق بالمقام، جعله يفكر في طلب التقاعد النسبي وختم مساره بشرف وتقدير ذاتي .
لقد حاول السيد الوزير إقحام اسم جلالة الملك نصره الله في خرجاته التواصلية مع المسؤولين وذلك بعد تسلم المنصب الوزاري ، ليتدارك الأمر بعد ذلك ، وليفهم أن المجال السياسي قد تطور في المغرب ، بعد ان ابتعد عنه لمدة معينة ، مما فوت عليه محطات أساسية .
8- في باب اللامركزية واللاتمركز
ركز السيد الوزير العديد من الاختصاصات التدبيرية المخولة للمديريات والأكاديميات والنيابات ، هكذا أضحى مدير الموارد البشرية يقوم بتهييء البطاقات ومشاريع المقررات والقرارات والرسائل ليوقعها السيد الوزير كل يوم، وهو مثال جد معبر .
هل تعلمون أن الاكاديميات اليوم لا تتوفر على معطيات في شأن التعليم الخصوصي، لأن السيد الوزير ركز عملية إعطاء التراخيص ،وشخصيا رفضت التأشير على العديد من استعمالات الزمن الواردة من مؤسسا التعليم الخصوص ،لأنها تفتقد الى تراخيص ،هذا هو العبث.
حتى السكنيات أصبح السيد الوزير يدرسها ويوقعها ،هذا ما أخبرني به أحد أحد النواب .
هل يعقل أن يستدعي الوزير مدير اعدادية وأستاذ لمكتبه لمناقشة مشكل عاد جدا ، قد يحل على مستوى الاكاديمية أو النيابة
السيد الوزير لا يثق في المسؤولين المركزيين والجهويين والإقليمي ولا مديري المؤسسات التعليمة ولا المفتشين ، علما أن مبدأ الثقة مبدأ أساسي في تصريف السياسة العمومية .
لقد قزم السيد الوزير اختصاصات الكاتب العام للوزارة و المديرين المركزيين ومديري الاكاديميات والنواب ، حيث لم يعد يعرفون كيف يشتغلون ،وأين يتجهون.
9- في باب الثقة في الكفاءات
لا يثق الوزير في كفاءات الأطر المدبرة للشأن التربوي، إذ قال يوما أمام إحدى النقابات ،"لقد وجدت أساتذة مبرزين يسيرون الوزارة وهذا عبث ، كيف لأستاذ مبرز أن يكون نائبا للوزارة أو مديرا مركزيا أو مدير أكاديمية ،فمكانه الطبيعي هو تدريس التلاميذ ، هو الذي اختار هذا المسار "،انتهى كلام السيد الوزير . وقد كان ذلك عندما قاطع الاساتذة المبرزون عملية التصحيح ، وفي مناسية أخرى ، قال ماذا يعمل المفتشون عندي في الوزارة ، هم ليسو إداريين ، أما عن مديري المؤسسات التعليمية ، فسبق أن هددهم بأنه مستعد لفتح مباراة لتوظيف أطر لتسيير المؤسسات التعليمة ،بالله عليكم هل يعي السيد الوزير ما يقول هل يستطيع توفير 13 ألف منصب ؟ أما حين التقاه أحد الأطر المتخرجة من المدرسة الوطنية للإدارة ، حيث سأله السيد الوزير ، ماذا كنت تعمل سابقا ، فقال له أستاذ في الاعدادي ، فقال سأضع حدا لكي لا يلتحق أي أستاذ مستقبلا بالمدرسة الإدارية .
أكيد أن السيد الوزير ، لم يأخذ وقته لفهم المنظومة ، وكان عليه أن يبحث عن أطر من خارج القطاع لتدبير توجهاته إذا كانت له توجهات بالفعل . و أعاتب بعض المسؤولين وليس كلهم ، الذين يكتفون بالضحك على نكاثه ويبدون انبهارهم لخرجاته ، فليكفوا عن القيام بذلك ،لأنه تشجيع ودعم لذلك .
لقد كان قطاع التربية الوطنية من القطاعات التي تشرفت ومنذ الاستقلال بوزراء متميزين ، وسنترك للتاريخ أن يقول كلمته في استثنائية السيد الوفا ، و يتذكر العديد من الزملاء المراكشيين ممن عايشوه عن قرب ، كيف كان متميزا في التدبير الجماعي بمراكش ، وقد فهمت لماذا كان دائما التحفظ من استوزاره .
دمتم في رعاية الله
مفتش للتعليم الثانوي مقبل على توديع المنظومة بعد 89 يوم
تعليقات
إرسال تعليق