إنجازات حكومة دستور 2011 : حصيلة موسمين دراسيين بقطاع التربية الوطنية







توطئة


وفقا لرسالتها وفي سياق إعمال مبدأ الديمقراطية التشاركية كمدخل أساسي لضمان مشاركة جمعيات المجتمع المدني في رسم السياسة العامة، وسيرا على النهج الذي اعتمدته، تضع جمعية "أماكن" هذا التقرير التقييمي بين يدي الرأي العام. 

وفيما يتعلق بالتربية الوطنية فيمكن القول أن السياسة العمومية في هذا المجال لم يعد يؤطرها الميثاق الوطني للتربية والتكوين بحيث أن البرنامج الحكومي لم يستند عليه عندما عرض سياسة الحكومة في مجال التربية والتكوين، بل فضل الاستناد إلى الميثاق الاجتماعي الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بالإضافة إلى ذلك فالخطاب الملكي ل20 غشت 2012 دعا الحكومة للعمل في اتجاه التغيير الذي يمس نسق التكوين وأهدافه، من خلال التركيز على ضرورة النهوض بالمدرسة العمومية، إلى جانب تأهيل التعليم الخصوصي، في إطار من التفاعل والتكامل. 
وباعتبار عدم صدور القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي لحد كتابة هذا التقرير، يبقى البرنامج الحكومي هو المرجعية الوحيدة التي ينبغي الاستناد عليها للحكم على السياسات العمومية في المجالات المذكورة مع التركيز بالخصوص على برنامج العمل متوسط المدى 2013-2016 الذي يجسد الآلية المعتمدة من طرف الوزارة لتفعيل مقتضيات البرنامج الحكومي في الشق المتعلق بالقطاع. كما أن ميزانية الوزارة لسنتي 2012 و2013 تظل الأدوات الإجرائية الحقيقية لقياس مدى التزام الحكومة بما سطرته في برنامجها. 

برنامج العمل متوسط المدى2013-2016

بعد طول انتظار كشفت الوزارة في الأسابيع الأخيرة عن برنامج العمل متوسط المدى2016-2013 لتنزيل البرنامج الحكومي. وبغض النظر عن التأخر الكبير في إنجاز هذا العمل الذي كان من المفترض أن يشكل أول ورش تفتحه الوزارة المعنية نظرا لما للتخطيط الاستراتيجي من دور هام في توجيه البوصلة وتوحيد الرؤى بين المسؤولين والفاعلين في مجال التربية والتكوين، فإن المنتوج الذي خلصت إليه الوزارة ما هو إلا نسخة رديئة للبرنامج الاستعجالي، بل أن هندسة برنامج العمل لم تحد عن تلك المعتمدة في البرنامج الاستعجالي بحيث حافظت على أقطابه الأربعة كمجالات، وهي تعميم التمدرس والقطب البيداغوجي والموارد البشرية والحكامة، وأضافت إليه المؤسسة التعليمية كمجال قائم الذات لتعطي الانطباع بأنها تسعى إلى تطبيق البرنامج الحكومي الذي ركز على محورية المؤسسة وجعلها في صلب الاهتمام. غير أن تدقيق النظر في برنامج الوزارة يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن المسؤولين في وزارة التربية الوطنية لا زالوا تحت تأثير مفعول البرنامج الاستعجالي، حيث عملوا على استنساخ مشاريع هذا الأخير بحذافيرها مع تجميع بعضها (انظر التقرير المفصل) . في حين لم يجب برنامج العمل المذكور عن الهواجس الكبرى للبرنامج الحكومي خاصة استقلالية المؤسسات التعليمية وربط المسؤولية بالمحاسبة.

تقييم إنجازات الوزارة: بُعد الفاعلية

يمكن القول عموما بأن الإجراءات التي قامت بها الوزارة لحد الآن اتسمت بخاصيتين أساسيتين. فهي إما إجراءات ظرفية وجزئية لا تلامس القضايا الجوهرية التي أقرها البرنامج الحكومي من قبيل ربط المسؤولية بالمحاسبة وإرساء استقلالية المؤسسة التعليمية وإعادة الاعتبار للوظيفة التربوية للمؤسسة التعليمية، وتعتمد منطق الإثارة الإعلامية والعزف على الأوتار الحساسة للمواطن المغربي من خلال الإيحاء بأن الوزارة تسعى إلى معالجة الإشكالات التي تزعجه كاشتغال موظفي القطاع العام في القطاع الخاص واحتلال السكن الوظيفي وظاهرة الموظفين الأشباح. 

وإما إجراءات تهم قضايا جوهرية مثل الممارسات البيداغوجية والإدارة التربوية وهيأة التفتيش لكن مقاربتها تمت دون رؤية واضحة وتصور متكامل مما أدى إلى الكثير من اللغط ومن اللبس في أوساط الأسرة التعليمية وأدت معظمها إلى نتائج عكسية. وهذه المقاربة في تدبير الشأن العام من طرف وزارة التربية الوطنية انعكس بشكل سلبي على أدائها لأنها كبنية لا تمتلك رؤية استراتيجية واضحة في غياب مخطط استراتيجي محكم كما تمت الإشارة إلى ذلك، وإن كانت بعض العوامل المرتبطة بالتوجه العام للحكومة قد أثمر بعض الإيجابيات التي تخللت الأداء السلبي العام للوزارة والتي همت أساسا قلة التوقفات الدراسية بسبب نهج سياسة الاقتطاع من أجور المضربين، والدعم الاجتماعي المرتكز على المبادرة الملكية لمليون محفظة وبرنامج تيسير، ومواصلة إرساء نظام المعلومات استمرارا لما تم إنجازه في البرنامج الاستعجالي، ودعم التعليم التقني بأكثر من 100 مليون درهم في ميزانية 2013. لكن هذه الإيجابيات رغم أهميتها طغت عليها سلبيات يمكن تلخيصها فيما يلي:

• عدم إشراك الفاعلين التربويين والشركاء الاجتماعيين في بلورة المخطط الاستراتيجي للوزارة رغم أنها اعترفت في تقييمها الأولي للبرنامج الاستعجالي أن هذا الأخير "لم يقدم الأجوبة المناسبة للإشكاليات المرتبطة بتحفيز المتدخلين وتعزيز مسؤوليتهم وانخراطهم"، فكيف ينخرط من لم يشرك أصلا في مناقشة المخطط الذي يقرر مآل المنظومة في السنوات الأربع المقبلة؛ 

- إلغاء تطبيق بيداغوجيا الإدماج في منتصف الموسم الدراسي السابق دون أن تقترح أي بديل، بل وترك الحرية البيداغوجية للأستاذ رغم أن الإحصاءات تقول أن 60 بالمائة من مدرسي التعليم الابتدائي لم يتلقوا أي تكوين بيداغوجي أساسي. وبما أن الوزارة ألغت حتى دورات التكوين المستمر فأنى للأستاذ أن يمتلك الملكة البيداغوجية المطلوبة في غياب شروطها الأساسية؟
- الإعلان عن التأليف المدرسي طبقا للمنهاج الذي تمت مراجعته على عهد الحكومة السابقة بهدف تكييفه مع مقتضيات بيداغوجيا الإدماج، ثم توقيف العملية مؤقتا في انتظار مراجعة المنهاج من جديد على ضوء إلغاء بيداغوجيا الإدماج، فالسكوت نهائيا عن الموضوع رغم أن الصيغة المحينة للمنهاج أصبحت جاهزة حسب الوزارة؛

- التسرع في إرساء المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين دون اكتمال التصور الذي يؤطرها في جميع تفاصيله الشيء الذي أدى إلى ارتباكات على مستوى التدبير الإداري لهذه المراكز وعلى مستوى التكوين البيداغوجي وخاصة التكوين بالتناوب، وعلى مستوى تدبير الامتحانات الإشهادية، وعلى مستوى مدخلات هذه المراكز سواء تعلق الأمر بالانتقاء خاصة في المواد العلمية ومنها الرياضيات على وجه الخصوص أو بالربط مع المسالك الجامعية للتربية الذي من المفترض أن يكون قائماً؛

- اتخاذ قرارات لم تتوافر البنيات والموارد الضرورية لتطبيقها كالتوقيت المدرسي بسبب عدم توفر الحجرات الكافية، ومنع أساتذة التعليم العمومي من التدريس في التعليم الخصوصي بسبب عدم توفر هذا الأخير على أطره القارة. والغريب أنه رغم الضجة التي أثيرت حول هذا الموضوع في بداية السنة الدراسية الحالية فلم يتم التداول في أية حلول لتمكين التعليم الخصوصي من الاستقلال بموارده البشرية كما جاء في البرنامج الحكومي؛

- نشر لوائح المحتلين للسكن الوظيفي والموظفين الأشباح رغم أنه من حيث المبدأ إجراء إيجابي جدا، لكن طريقة تصريفه شابتها عدة عيوب نذكر منها التشهير بأسماء كانت قد غادرت الوزارة للتو، وعدم اتخاذ أي إجراء تأديبي ضد بعض المسؤولين الحاليين لتسريع إخلاء السكن الذي يشغلونه دون حق بل أن الوزارة قد كافأت بعضهم بمهام جديدة كحالة بعض مديري الأكاديميات وبعض النواب، وإدراج أسماء الكثير من الموظفين المواظبين على لائحة الموظفين الأشباح والتشهير بهم أمام الرأي العام في حين قد تكون اللائحة خلت من الأشباح الحقيقيين، نشر لائحة الموضوعين رهن الإشارة إلى جانب لائحة الموظفين الأشباح جعل الرأي العام لا يفرق بين الفئتين ويضعهم في سلة واحدة. من جهة أخرى لم تصدر الوزارة لحد الآن لائحة المتفرغين النقابيين رغم تلويحها بذلك عدة مرات؛

- وضع برنامج للعمل للوزارة دون القيام بتقييم نهائي للبرنامج الاستعجالي للوقوف على مكامن القوة ومكامن الضعف فيه ورغم ذلك فإنها تبنته جملة وتفصيلا في مخططها الجديد؛

- عدم فتح الأوراش الكبرى التي نص عليها البرنامج الحكومي كمراجعة المنهاج والمسألة اللغوية واستقلالية المؤسسة التعليمية والنظام الأساسي لنساء ورجال التعليم وربط المسؤولية بالمحاسبة والتربية على القيم. والتبرير الذي تقدمه الوزارة هو أن هذه القضايا الكبرى هي من اختصاص المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في حين أن هذا الأخير هو هيئة استشارية يدلي برأيه في السياسة العامة والقضايا الكبرى ولا يمكن له أن يعوض السلطات المشرفة على مجالات التربية والتكوين والبحث العلمي.

ويمكن الرجوع إلى التقرير المفصل للوقوف على أهم الملاحظات والاقتراحات حول أداء الوزارة مبوبة حسب مكونات البرنامج الحكومي. 

تقييم إنجازات الوزارة: بُعد النجاعة

تعتبر الميزانية أداة عملية لتنزيل البرنامج الحكومي حيث ينبغي أن تعكس السياسة الحكومية في جميع المجالات، والأولويات الحكومية من خلال الاعتمادات المرصودة. وقد شهدت الميزانية الإجمالية المخصصة لوزارة التربية الوطنية تطورا بأكثر من 7,8 % في السنة منذ 2001، ووصلت ميزانية وزارة التربية الوطنية خلال سنة 2012 إلى 42,4 مليار درهم أي حوالي 17,2 % من ميزانية الدولة، غير أنها تراجعت في سنة 2013 إلى ما يناهز 42,37 مليار درهم خصصت أساسا لتأهيل المدرسة الوطنية. 

وبقراءة لبنية ميزانية 2013 يتضح أن هناك تراجعا هاما في ميزانية الاستثمار بالمقارنة مع 2012 بنسبة 40 بالمائة إذا احتسبنا الأداء والالتزام (انظر التقرير المفصل). كما أن ميزانية الاستثمار لا تشكل سوى حوالي 6 بالمائة من الميزانية العامة في حين يلتهم الموظفون أكثر من 84 بالمائة من الميزانية العامة وحوالي 90 بالمائة من ميزانية التسيير. وإذا دققنا في هذه الميزانية في شقها المتعلق بالمعدات والنفقات نلاحظ أن الأكاديميات تأخذ حصة الأسد ب75 بالمائة ومؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية تلتهم حوالي 20 بالمائة من هذه الميزانية (انظر التقرير المفصل). أما عندما نحلل نفس الميزانية مقارنة مع برنامج الوزارة فنجد أن حوالي 45 بالمائة تذهب للدعم الاجتماعي والأعمال الاجتماعية وحوالي 30 بالمائة لتغطية مصاريف الماء والكهرباء والهاتف والحراسة والنظافة في حين يكلف التكوين الأساس حوالي 10 بالمائة من الميزانية. أما ميزانية الاستثمار فخصصت في كليتها لمشاريع البناء والتجهيز. 

وهكذا فعندما نجري قراءة مدققة لميزانيتي التسيير والاستثمار مقارنة مع المجالات الخمس للمخطط الاستراتيجي للوزارة للفترة 2016-2013 نلاحظ أن مجال جودة التعليم لم تخصص له الوزارة أي درهم لا في ميزانية التسيير ولا في ميزانية التجهيز بينما حظي مجال العرض التربوي ب100 بالمائة من ميزانية الاستثمار و80 بالمائة من ميزانية التسيير كما هو موضح فيما يلي:

ميزانية التسيير 2013: 

• مجال العرض المدرسي: حوالي 80 بالمائة؛ 
• مجال جودة التعليم: 0 بالمائة؛ 
• مجال المؤسسة التعليمية: 3 بالمائة؛ 
• مجال الحكامة: حوالي 8 بالمائة؛ 
• مجال الموارد البشرية: 10 بالمائة؛ 

ميزانية الاستثمار 2013:

• مجال العرض المدرسي: 100 بالمائة؛ 
• مجال جودة التعليم: 0 بالمائة؛ 
• مجال المؤسسة التعليمية: 0 بالمائة؛ 
• مجال الحكامة: 0 بالمائة؛ 
• مجال الموارد البشرية: 0 بالمائة؛ 

خاتمة

يتضح من مضامين هذا التقرير أن قصورا جليا يعتري قدرة وزارة التربية الوطنية على تنزيل ما جاء في البرنامج الحكومي بعد انتهاء السنة الدراسية الثانية في ظل حكومة دستور 2011، ولعل ذلك راجع إلى عدة أسباب، على رأسها طغيان المزاجية والاستفراد باتخاذ القرار في قمة الهرم التدبيري للوزارة، وعدم رغبة أو قدرة أصحاب القرار في الوزارة على بلورة برنامج عمل متوسط المدى يترجم أهداف ومضامين البرنامج الحكومي. وسعيا منا للمساهمة في النقاش الذي يجب أن يفتح في هذا الموضوع نقدم في ختام هذا التقرير مقترحا لتنزيل البرنامج الحكومي من خلال مخطط استراتيجي 2013-2016.

ملاحظة

نزولا عند طلب الكثير من الأخوات والإخوة الصحفيين نضع بين أيديكم ملخصا للتقرير الذي أعدته جمعية “أماكن” حول حصيلة وزارة التربية الوطنية على عهد حكومة ابن كيران. وفيما يلي الملخص الذي تجدونه أيضا رفقته، علما أن التقرير الكامل يمكن تحميله على الرابط التالي:
مع خالص التحيات
عبد الناصر ناجي
رئيس الجمعية

تعليقات

المشاركات الشائعة