أروع بكالوريا في العالم!





مثلما سبق لوزارة السياحة عندنا أن رفعت شعارها (التاريخي) الشهير: «المغرب أجمل بلد في العالم» يمكننا أن نرفع اليوم، بكل فخار، شعارا آخر مماثلا وهو: «امتحانات الباكلوريا في المغرب أروع امتحانات في العالم»؛ وذلك بفضل بعض الأسئلة التي تم طرحها على التلاميذ الممتحنين في الدورة الاستدراكية لهذا العام، والتي دارت فصولها خلال هذا الأسبوع.ففي امتحانات اللغة الإنجليزية الخاصة بمسلك العلوم الإنسانية في شعبة الآداب وبجميع مسالك الشعب العلمية والتقنية والأصيلة، اجتهد «المركز الوطني للتقويم والامتحانات والتوجيه» في «تنزيل» (كما يقال اليوم) السياسة الحالية لوزارة التربية الوطنية (المعروفة بسياسة «أوباما باباه») عن طريق وضع أسئلة «والله أوباما باباه ما عندو بحالها»، ويتمنى كل مترشحي الباكلوريا عبر العالم (بما في ذلك أمريكا) لو يطرح عليهم مثلها.

يدور أحد الامتحانين حول «فكاهي موهوب» (هو كاد المالح) في حين يدور الآخر حول «أسطورة كروية» (الأرجنتيني ميسي)، بما يعني أن الوزارة تمكنت والحمد لله (الذي لا يحمد على مكروه سواه) من تجاوز الأسئلة التقليدية المتحجرة التي تطرح في الباكلوريات «التقليدية» إلى طرح أسئلة «حيّة» (أو «حيةّ تسعى»، في الحقيقة) منفتحة على العصر ومنسجمة مع التوجهات «التربوية» العالمية الكبرى، التي تدعونا إلى الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يربطنا بالثقافة والمعرفة والفكر، والحرص على الاقتراب أكثر من «نجوم» الكرة والتلفزيون، نجوم المستقبل الذي لا مستقبل سواه، آ سواه، آ سواه!


ولإثبات أنهم معاصرون تماما (من العصر، طبعا، لا من المعصرة) قام واضعو الأسئلة باختيار مواضيعهم من الإنترنيت مباشرة، دون أن يخجلوا من ذكر ذلك في تذييلهم لها، وهذا تطوّر جبار يشير -من بين ما يشير إليه- إلى أنهم «In» وليسوا «Out»، وبالتالي إلى اندراجهم ضمن القائلين بدخولنا عصر نهاية الكتاب والمراجع المكتوبة وبداية التواصل الإلكتروني المتطور، حتى وإن كان دخولنا بالقهقرى فليس ذلك مهما، المهم أن «ندخل» فحسب.


في الموضوعات المطروحة على المترشحين للدورة الاستدراكية هذا العام طرحت «معلومات» تفصيلية عن اللاعب الأرجنتيني وعن الفكاهي مغربي الأصل، تتعلق بمرض الأول و»شراء» فريق برشلونة له قصد التكفل بعلاجه، مثلا، كما تتعلق بالمسارين: الدراسي والمهني للثاني، بحيث وجدنا أنفسنا أمام أسئلة «طلائعية» فريدة من نوعها تدخل تاريخ امتحانات الباكلوريا لأول مرة في العالم، من قبيل: سنة ميلاد الفكاهي، وأسماء المعاهد التي درس فيها، وسنة تقديمه لأول عرض فكاهي أمام الجمهور، وعناوين الأفلام التي لعب فيها أدوارا، وما قاله الجمهور عنه، ولماذا ذهب، في وقت من الأوقات، إلى كندا... وغير ذلك من الأسئلة «الهامة» و«المفيدة» التي يمكن القول إن حياة المترشح ستكون عديمة الجدوى بدون معرفتها، وخاصة منها آخر سؤال ضمنها (السؤال المتعلق بالwriting أو الإنشاء، كما نقول بعربيتنا العتيقة) الذي يطلب من المترشح إعطاء رأيه في البرامج التلفزيونية المهتمة بالكشف عن مواهب الغناء والرقص وغيرها، مع ذكر عدد من تلك البرامج ووضع شاراتها ضمن ورقة الامتحان (استوديو دوزيم، ستار أكاديمي، سوبر ستار، أراب آيدول، بغيت ندوز فدوزيم)، الأمر الذي لا يمكنه إلا أن يعمل على تنمية معارف تلاميذنا والدفع بها إلى الأمام.


إلا أن هذا المجهود الجبار الذي قامت به الوزارة على مستوى امتحانات اللغة الإنجليزية لا يمكنه أن يؤتي أكله، للأسف، إلا بتعميمه على امتحانات باقي المواد التي يتعين أن تدخل العصر بدورها، فيختار أساتذة اللغة العربية، مثلا، قصائد «الراب» لامتحاناتهم بدل معلقات الشعر الجاهلي، ويمكن لأساتذة الفلسفة بدورهم أن يحتفظوا بمحمد عبده، مثلا، لكن مع توضيح أنه ليس مفكرا مصريا، كما يقال خطأ، وإنما هو مطرب سعودي، والله أعلم.
 




مصطفى المسناوي






تعليقات

المشاركات الشائعة