وزارة التربية الوطنية في النسخة الاولى من حكومة المصباح
قرأت في احد المواقع الالكترونية ان السيد الوفا احسن وزير لقطاع التربية والتكوين منذ الاستقلال ،الموضوع جدير بالاهتمام ويغري المتتبع للشأن التربوي بالكتابة فيه ،نحن لا نشك في العواطف الذاتية لصاحب المقال ومدى تملكه لاسم التفضيل "أحسن "فاللغة العربية توسع المجال للجمل الاخبارية التي لا تستوجب جوابا ،لكن في مثل هذه الفتاوى الاجتهادية لا مناص لنا من البحث عن تأصيل الفعل التدبيري لوزارة التربية الوطنية في عهد حكومة حزب المصباح . فمنذ تشريف السيد الوفا برأس هرمية الوزارة وتكليفه بتسييرها منذ بداية النسخة الاولى من الحكومة الحالية ، ونحن نتتبع خرجات السيد الوزير في سبيل ان يجد موطئ قدم له ضمن كوادر الفعل السياسي ولو بالطلاق البائن بينونة كبرى مع حزبه "الاستقلال"...
فإذا تجاوزنا النعت القدحي للحكومة الحالية "الشعبوية" وقمنا بجرد حسناتها وسلبياتها فإننا نقف على مدى ثقل الكفة اليسرى للميزان بفعل بدع تم تقديمها للشعب المغربي وكأنه -"يعيش في دار غفلون"- غير متتبع للأحداث الوطنية ، فمن لوائح المساكن المحتلة الى لوائح المقالع وصولا الى لوائح رخص النقل...مع الوقوف عند حد "ولا تقربوا الصلاة ..." فأشكل الامر علينا بنشر لوائح أسالت مداد الاقلام ولم تغير في الامر شيئا. اقول الحق والحق اقول ان مسار السيد الوزير العملي ووطنيته ويده البيضاء هي خير الاشياء التي تشفع له عندنا للتجاوز عن زلات لسانه ،ولكن لا بد من استدعاء قراراته المتسرعة منذ توليه امر التدبير الوزاري للقطاع ،ومن بينها:
1- توقيف مشروع بيداغوجي صرفت عليه اموال الشعب " بيداغوجيا الادماج" بشكل متسرع ،وطرد الخبير "كزافيي" بوشعكاكة من المغرب بشكل غير حضاري من وزارة تعلم الاخلاق السلوكية بمدارسها...ثم تم الاجهاز على عملية التأليف المدرسي ،مما بعثر اوراق لجان التأليف التي وقعت مع الوزارة على دفتر تحمل ملزم للطرفين .وتم جرها- لجان التأليف - الى المحاكم من طرف الناشرين وشركات الطبع الممولة للمشروع...
2- توقيف العمل بالمخطط الاستعجالي دون استشارة مع الفاعلين في ميدان ،مما خلق سكونا يخيم على العمل التدبيري من الوزارة الى ابعد مؤسسة مدرسية بالوطن .وهذا الامر أشار اليه الملك في خطابه الاخير السامي بمناسبة الذكرى 60 لثورة الملك والشعب حيث أقر سيادته "غير أنه لم يتم العمل ، مع كامل الأسف ، على تعزيز المكاسب التي تم تحقيقها في تفعيل هذا المخطط، بل تم التراجع، دون إشراك أو تشاور مع الفاعلين المعنيين، عن مكونات أساسية منه، تهم على الخصوص تجديد المناهج التربوية، وبرنامج التعليم الأولي، وثانويات الامتياز..".
3- الرجوع الى مركزية القرار الاداري بعد ان تم قطع اشواط مهمة في عملية اللامركزية وتم تفويض مجموعة من الاختصاصات الى الاكاديميات الجهوية للتربية والتكوين على الاوراق الى حد الساعة. فمن نقل الحركات الجهوية /المحلية الى البرنام الوزاري الى اخر سلسلة من القرارات الخاصة مثلا : الترخيص بمتابعة الدراسة ،وكذلك الترخيص بدخول السكن الاداري .
يمكن ان نسوغ الامر من زاوية اخرى وهي ان الوزارة ارادت قطع الخشونة الادارية في مجال تدبير بعض الملفات ،لكن الامر يمكن ان يحيلنا الى عدم ثقة الوزارة في موظفيها وأطرها . من تم نطرح السؤال "الماكر " التالي :لما لا نفعل مبدأ المسؤولية مقابل المساءلة والمحاسبة؟
4- فرض تأمين الزمن المدرسي بشكل عمودي و باتخاذ قرار لا رجعة فيه . هو فعل استعجالي ويغلب عليه تقليد المدرسة الغربية ، فالغرب ماثل امامنا حتى في تدبير زمن التعلم بالمدرسة العمومية ،فإسقاط النموذج الغربي على المنظومة التربوية المغربية مع الفارق البين في البنية المادية للمؤسسات المدرسية هو عملية تعسفية يراد بها تلوين الوجه بما يبيعه العطار المغربي ...
5- اغلاق باب الاشتغال بالتعليم الخصوصي على اطر الوزارة إلا بترخيص وزاري مسبق ومقنن،هو قرار نستحسنه ،-ولكن بالله عليكم والقرار نزل كالصاعقة على شريك تدعمه الدولة ويتم تدليله ضريبيا -حيث تم الحسم بالأمر وجميع المؤسسات الخصوصية نظمت نفسها تربويا قبل 4 شتنبر2012 تاريخ المصادقة الوزارية على القرار...
6- الخرجات الاعلامية للسيد الوزير كثيرة ،وسقوطه في عدة كمائن كثيرة وفيديوهات " اليوتوب " لازالت تشهد عن زلات لسانه ، في حين ان المسؤولية تستوجب الكلام المسؤول والطيب، ونحن هنا لا نبحث عن اللغة المستعملة (هل هي بليغة او فصحى)وإنما المسؤولية فيما يلفظ من دلالات الجمل فقط.
7- كثيرة هي الملفات التي وعد السيد الوزير بحلها لكنها لازالت حبيسة رفوف الوزارة ومن هذه الملفات ملف الادارة التربوية / ملف تجديد القانون الاساسي لرجال التعليم / ملف اساتذة السلم التاسع...انها السنوات العجاف البيضاء التي اصابت الشغيلة التعليمية وقطاعه.
8- الاقتطاعات من الاجور بفعل الاضراب بدون سند قانون ،مادام القانون المنظم للإضراب غير موجود.
9- اللجان الوزارية التي تجوب المدارس والمؤسسات التعليمية للإطلاع والتفتيش ، ونيتها المبيتة مسبقا في اصطياد الهفوات الادارية والتربوية ،فأين هو قول الوزارة بان اللجان هي لجان قرب ومصاحبة .؟
10- ركوب الوزارة في دليلهاعلى مقولة "دخول مدرسي متميز" بدون شعار .في حين اننا لا زلنا لم نوطن بمؤسساتنا المدرسية سوى دخول مدرسي عادي تشوبه عدة اكراهات داخلية وخارجية. فعندما نمطط من الاهداف المرجوة بشكل معياري غير قابل للتحقق بواقع الحال نسقط في متاهة " قضي بلي كاين وسلك ".
النقاش لو فتح على تقويم اداء حكومة برمتها لكان رد الفعل بين المؤيد /والمعارض/والذي لا رأي له...لذا لا بد من اجراء وقفة كما ورد في الخطاب الملكي " وقفة موضوعية مع الذات، لتقييم المنجزات، وتحديد مكامن الضعف والاختلالات".
تقويم المسار العملي للسيد الوزير لا ينبني عن ارتسامات عفوية لحظية وإنما يكون عبر قياس فاعلية مشروعه التعاقدي مع مجتمع المدرسة المغربية في مجال تفعيل اصلاح المنظومة التعليمية التعلمية ولو في حدها الادنى ، وهذا المسار يستوجب :
1- الاشتغال عبر خطة تعتمد على التدبير بالنتائج والتعاقد الاولي ...
2- عدم الاستحواذ على مركز القرار وفتح باب العمل التشاركي وفق مقاربة منفتحة نحو الرأي الاخر والرأي المضاد
3- ابداء حسن النية في الموارد البشرية المكونة للمنظومة التربوية وإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية
4- ايصال الاصلاح الى المتعلم في الفصل الدراسي
5- العدول عن اقحام الفعل السياسي في حقل المنظومة التربوية ،حيث وجه الملك اصابع اللوم مباشرة الى الفاعلين السياسيين عندما يقحمون القطاع التربوي في الجدال السياسي المحض ،بيد ان الشأن التربوي يجب ان يوضع في اطاره الاجتماعي والاقتصادي والثقافي "لا ينبغي إقحام القطاع التربوي في الإطار السياسي المحض، ولا أن يخضع تدبيره للمزايدات أو الصراعات السياسوية"، واسترسل الملك في تقعيد منهج الاصلاح الواجب سلكه : "يجب وضع القطاع التربوي في إطاره الاجتماعي والاقتصادي والثقافي..."
حان الوقت لكي لا نضيع على أنفسنا اصلاح المنظومة التربوية والقيادة الملكية قد دقت ناقوس الخطر برفع البطاقة الحمراء في وجه القطاع ، حان الوقت لكي لا نلقي بجيل اخر في طوابير العطالة والتهميش،حان الوقت لكي نمتلك المواطنة الحقة ونتجاوز خلافاتنا السياسية والمذهبية البغيضة ،حان الوقت والملك قد فتح ملف التعليم مرة اخرى بعد ان حظي بالعطف الملكي بجعله ثاني الاهتمامات بعد الوحدة الوطنية . قد يتساءل القارئ وما العمل لتجاوز السكتة القلبية التي اصابت قطاع التربية والتكوين؟
من حقنا طرح اكثر من سؤال واستفسار،لكنني لا ارى عودة الى عقد مناظرات / او منتديات الاصلاح ...،اننا في حاجة الى امتلاك اليات تصريف الاصلاح ،والقدرة على عقد العزم الاخلاقي في تأسيس فعل إصلاح وطني للمنظومة متوافق عليه، وصادق يتميز بالبساطة مع ضرورة تجاوز العدمية السائدة بالقطاع وامتلاك القدرة على الابتكار والتجديد... فأسباب الاخفاق حصرناها بالعد عدة مرات ، لكننا همشنا امر توطين الإصلاح على ارض واقع المدرسة المغربية، فلتكن البداية من ذواتنا ثم نوسع الدائرة لتشمل الاخر الغافل اوغير المعني بنكسة القطاع ، بل يجب وضع مؤشرات ممعيرة لا تفوق قوتها طموحنا الجماعي ،قفزنا نحو الجودة ونحن لم نعمم حتى الولوج الى المدرسة ،أسسنا لجيل مدرسة النجاح وتلاميذتنا لازالوا لم يمتلكوا حتى المواد الاذاتية/ الاساسية في حدها الادنى ...زينا الفصول الدراسية بالصور ثم جعلنا الاثاث تلميذ مهمش في رأيه ومطالبه...
لا نلقي برؤوسنا في الرمال كالنعامة، ولكن لنجعل الخطاب الملكي في شقه الغاضب على القطاع نصب اعيننا ونشتغل وفق وطنية لا تطوح بأجيال اخرى من تلاميذ المغاربة خارج اسوار المدرسة ،و نحو العطالة والكفاف، و النكوص نحو الامية الابجدية .
وثمة امر من دونه لا يستقيم حال مدارسنا وهو ان لا نجعل من تلميذ المدرسة العمومية فأر تجارب "كوباي" ،نحن لسنا بيتامى يتم تعليم وتجريب الحلاقة في رؤوسنا ،وإنما نحن مغاربة نحس بالخير ونفرح له ونقف امام الظلم ولو بإعلاء الصوت بالصياح ب "لا" ثم "لا" وهو أضعف الايمان...
لا اخفيكم سادتي الكرام فخوفي الاكبر هو من محاسبتنا تاريخيا بأننا اصبحنا نمد ايدينا للمطالب ولا نفتح افواهنا لانجاز الواجب داخل الفصول الدراسية...
محسن الاكرمين
تعليقات
إرسال تعليق