فاطنة أفيد : الوفا يشتغل بشكل انفرادي وفوقي
قالت فاطنة أفيد، الكاتبة الوطنية للمنظمة الديمقراطية للتعليم، المنضوية تحت لواء المنظمة الديمقراطية للشغل، إن المسؤولين بالحكومة لم ينتبهوا، بعد، إلى أهمية ربط التعليم بالتشغيل.
وأوضحت أفيد في حوار أنه لا يمكن تصور دخول مدرسي ناجح من دون الانكباب الجدي على ورش إصلاح التعليم، مؤكدة أنها تسجل استمرار اختلالات عميقة على المستويين المنهجي والتربوي، مؤكدة أن قيمة المدرسة وجودتها تكمن في فعاليتها ونجاعتها في مجتمعنا، وفي قدرتها على تحقيق التنشئة الاجتماعية والارتقاء الاجتماعي، وفي ما يلي نص الحوار:
كيف تقيمون الدخول المدرسي الحالي؟
لم يختلف الدخول المدرسي لهذه السنة عن سابقيه في عهد هذه الحكومة، إذ أنه دخول على إيقاع الإضرابات والاحتجاجات وتذمر شامل للآباء والأسرة التعليمية مما آل إليه الوضع بالتعليم العمومي.
إن التعليم اليوم يعرف أزمة بنيوية معقدة جدا، إذ مازال غارقا في وضع تقليدي متجاوز ينحصر فيه جوهر ودور المدرسة في تعليم القدرات على الكتابة والتهجي والحساب فقط، وتفريخ آلاف العاطلين بشهادات عليا.
لحد الساعة، لم ينتبه المسؤولون بالحكومة إلى معضلة ربط التعليم بالتشغيل، ولم يستطيعوا تتجاوز ذلك إلى إكساب المتعلم الكفايات اللازمة وآليات التفكير والتساؤل والنقد وترسيخ ثقافة المواطنة والقيم الإنسانية والسلوك المدني. لا يمكن أن نتصور دخولا مدرسيا ناجحا دون الانكباب الجدي على ورش إصلاح التعليم الذي يرقى بمدرستنا إلى مصاف المدارس الحديثة، والمؤهلة والمندمجة في بيئتها، والفاعلة في ورش التنمية الاجتماعية، والمنفتحة على العالم، والمتشبعة بقيم الحداثة ومبادئ حقوق الإنسان، والقادرة على تأهيل العنصر البشري لمواجهة مختلف التحديات المستقبلية.
إن مستقبل المدرسة الحديثة والارتقاء بها رهينان بتحمل الدولة مسؤولياتها في الحفاظ على المبادئ الرئيسية للتعميم والمجانية والإنصاف والديمقراطية والجودة.
هل كانت لديكم انتظارات كنتم تأملون أن تحققها وزارة الوفا؟
كنا ومازلنا ننتظر أن ينكب الوزير والحكومة عموما على إصلاح المنظومة التعليمية، إذ منذ تحملهم المسؤولية ونحن نكتب التقارير والمقالات وخضنا عدة نضالات، ونظمنا عدة ندوات تهم الشأن التعليمي، لكننا نسجل استمرار اختلالات عميقة على المستويين المنهجي والتربوي.
ما هي هذه الاختلالات؟
على المستوى المنهجي، نسجل استمرار الوزارة في الاشتغال بشكل انفرادي وفوقي، وهذا ما يتعارض والمقتضيات الدستورية التي تؤكد على المقاربة التشاركية التي ترفعها الوزارة الوصية شعارا بعيد عن التنفيذ الفعلي له، وربط الإصلاح التربوي بالولاية الحكومية (البرنامج الاستعجالي 2009 - 2012، برنامج العمل متوسط المدى 2013 - 2016) والاقتصار على برامج قصيرة المدى، بدل الرؤية الإستراتيجية متوسطة وبعيدة الأمد، التي من شأنها تسطير خطة إصلاحية شمولية ومندمجة على مدى 20 أو 25 سنة، يتم تبنيها من قبل الحكومات المتعاقبة باعتبار ورش الإصلاح التربوي ورشا وطنيا ممتدا في الزمان والمكان وشأنا مجتمعيا يجب على الكل المشاركة فيه والانخراط في إنجاحه بوعي وطني وحس تربوي عاليين. نسجل غياب التعبئة الاجتماعية حول التعليم والمدرسة لإنجاح الأوراش الإصلاحية، وضعف التواصل والتنسيق على مختلف المستويات، خصوصا بين قطاع التعليم والقطاعات المتدخلة في الشأن التربوي.
أما على المستوي التربوي، فقد كنا ننتظر أن ينكب عمل الوزارة على تدبير مسألة الخصاص في بنيات الاستقبال من مؤسسات تعليمية وحجرات دراسية وداخليات، وحل معضلة النقص المتزايد في كافة الفئات التعليمية (أطر هيأة التدريس، وأطر الإدارة التربوية، وأطر المراقبة التربوية، وأطر التوجيه والتخطيط، وأطر الدعم الاجتماعي، الملحقون التربويون، الكتاب، ...). كما أننا لم نلمس حلولا لتفاقم ظاهرة الاكتظاظ (50تلميذا) بالعديد من المؤسسات بمختلف الأقاليم والجهات، ما يؤثر سلبا على جودة التعلمات.
كنا ننتظر أن يتم التفكير جديا في حل مشكلة تناسل ظاهرة الأقسام المشتركة، جراء فرض عمليات الضم اللاتربوية بالوسط القروي، وتغليب منطق الخريطة التربوية في تحديد عتبات النجاح، الشيء الذي يؤثر سلبا على التحصيل الدراسي، وعدم قدرة المتعلمين على مواكبة تعليمهم بالأقسام الموالية والصعوبات الكبيرة التي يواجهها الأساتذة في تحسين وتجويد العملية التعليمية التعلمية داخل حجرات الدرس للتلاميذ الضعاف، الذين يصبحون مهددين بالانقطاع عن الدراسة.
الاستمرار في ربط إصلاح المنظومة التربوية بالولاية الحكومية من خلال وضع برامج إصلاحية قصيرة المدى (4 سنوات فقط)، ما ينتج عنه عدم استقرار المنظومة التربوية؛ بدل تسطير إستراتيجية وطنية طويلة المدى، قادرة على استشراف مستقبل المنظومة والمدرسة بأهداف قابلة للأجرأة والتنفيذ.
سبق أن طالبتم الوزير بفتح حوار وطني موسع حول المسألة التعليمية، أين وصل الموضوع؟
بالفعل، إلا أن الوزارة تعتقد أن التعليم قضية تهمها لوحدها دون غيرها، في حين أن التعليم يعتبر قضية وطنية تندرج ضمن الأولويات الإستراتيجية التي يجب إشراك المجتمع برمته في مناقشتها والتوافق حولها، وبالتالي الانخراط في إنجاح مشاريعها وبرامجها، وهذا ما نسجله كاختلالات في أداء الوزارة التي غيبت المقاربة الشمولية والمندمجة للإصلاح، ولم تفعل التعبئة الاجتماعية لإنجاح الأوراش الإصلاحية، كما غاب في منظورها الانكباب على نظام الأولويات الوطنية والجهوية والإقليمية مع مراعاة الفوارق المجالية (حضري- قروي)، كما أنها لم تدبر عدم قدرة الهياكل التنظيمية للأكاديميات والنيابات والمؤسسات التعليمية على مسايرة مشاريع الإصلاح، ولم تدفع بالتنسيق المطلوب بين القطاعات الحكومية المتدخلة في النهوض بقطاع التربية والتكوين.
هل تعتقدون أن وزارة الوفا تمادت في أخطائها، وأين لمستم ذلك؟
بالتأكيد، الوزارة مازالت مستمرة في أخطائها، والدليل على ذلك، أننا نسجل عدم تقديم حل تربوي مناسب للإشكالية اللغوية القائمة بين التعليم الثانوي الذي تدرس فيه المواد العلمية بالعربية وبين التعليم الجامعي بالفرنسية، وعدم تسطير إستراتيجية وطنية للنهوض بالتعليم بالوسط القروي، مع تخويل صلاحية الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الجهوية والإقليمية، وغياب إستراتيجية وطنية للتواصل الداخلي والخارجي. كما لمسنا استمرارها في نهج أسلوب التعليمات العمودية وإصدار المذكرات والمنشورات بشكل فوقي، وغياب ربط المحاسبة بالمسؤولية خلال تنزيل البرنامج الاستعجالي، مع ما صاحب ذلك من مطالبة بالقيام بافتحاص مالي وفتح تحقيق بشأن مجموعة من أخطاء التدبير بعدد من الأكاديميات التي عرفت فسادا ماليا واختلالات. كما قلصت عدد المشاريع من 26 إلى 15، وتخلت بالتالي عن عدد من المشاريع مثل المشروع الخاص بالتميز، والمشروع الخاص بالتفتيش والمشروع الخاص بالجودة.
هل تعتقدون أن الوزارة بعد الخطاب الملكي غيرت خطتها للنهوض بقطاع التعليم؟
لم نسجل أي تغيير، اللهم إذا كان هناك شيء لا نعرفه في الأيام المقبلة، مع العلم أن الجميع اليوم ينتظر أن تنكب الحكومة على ورش إصلاح التعليم، ونحن في المنظمة الديمقراطية للتعليم، نؤكد أن قضية الإصلاح لا يمكن تخيلها بدون إصلاح عميق ومندمج للمؤسسة التربوية، باعتبارها المشتل الرئيس لوضع اللبنات المؤسسة للتنمية البشرية، التي يكون محورها وغايتها الإنسان.
نعتقد في المنظمة أن من بين الأهداف الأساسية لكل ورش إصلاحي تربوي هو مصالحة المجتمع مع المدرسة من خلال إشراك مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية في ورش الإصلاح، ليكون المواطن منخرطا في إنجاحه والدفاع عنه. لا يمكن معالجة مشكل التعليم بمعزل عن باقي المجالات الأخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لأنها يجب أن تكون شاملة وواقعية ومتكاملة ومندمجة، بحيث تكون المدرسة في قلب المجتمع، والمجتمع في خدمة المدرسة، ضمن نسق تفاعلي تواصلي أفقيا وعموديا، بشكل يمكن المدرسة من أداء وظائفها التربوية والمجتمعية على أحسن وجه.
وهذا يتطلب توفر عدة شروط من أهمها إجماع المجتمع بمختلف أطيافه وتوجهاته على مشروع مجتمعي وطني، ينطلق من واقع وخصوصية المغرب، يحافظ له على ثوابته المتمثلة في مقومات هويته الحضارية المغربية، بأبعادها المتميزة: دينيا ولغويا وثقافيا وتنمويا وحداثيا، مع التركيز على ترسيخ قيم المواطنة وحقوق الإنسان الكونية والسلم والتسامح.
من أجل إرساء ثقافة جديدة للإصلاح
لا بد من إرساء ثقافة جديدة للإصلاح التربوي باعتماد مقاربة تشاركية ومنهجية مندمجة وتوسيع دائرة التعبئة الاجتماعية بهدف توفير كافة الشروط لإنجاح الورش الإصلاحي المقبل، وتوفير بنيات الاستقبال الكافية ذات جودة عالية سواء بالوسط الحضري أو القروي، الذي يجب التركيز عليه ببناء مؤسسات جماعاتية مندمجة تضم الداخلية وسكن المدرسين والإداريين، وتتوفر على المرافق الأساسية، مع توسيع الدعم الاجتماعي كما ونوعا، وتوفير العدد الكافي من الأطر الإدارية والتربوية من خلال خلق المناصب المالية اللازمة بعيدا عن منطق وهاجس الكلفة المالية للتعليم، والعمل على ضمان الاستقرار الاجتماعي والنفسي للأسرة التعليمية. كما نطالب الوزارة بالتركيز على واقع التعليم بالوسط القروي وشبه الحضري لما يعرفه من اختلالات عميقة، من قبيل ارتفاع ظاهرة الانقطاع والهدر المدرسي وتناسل الأقسام المتعددة المستويات، وتدني مستوى جودة التعلمات، وإحداث نظام للتكوين الأساسي والتكوين المستمر يروم رفع القدرات والمهارات والكفايات سواء للمدرسين أو الإداريين، إضافة إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية والمادية والمعنوية وظروف عمل نساء ورجال التعليم، ورد الاعتبار إليهم، مع مدهم بالوسائل الحديثة لمسايرة عصر التكنولوجيا والمعلومات والاتصال.
كما نطالب بتفعيل عمل المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وإعادة النظر في هيكلته وتركيبته ليضم مختلف التنظيمات ومكونات المجتمع المدني والفعاليات الفكرية، مع تجاوز الصبغة الاستشارية، ومنحه دورا تقريريا من شأنه إعطاء دفعة نوعية له، من أجل الانخراط في المسار الإصلاحي للمنظومة التربوية.
كما نقترح إطلاق نقاش عمومي واسع وفتح قنوات للعمل التشاركي وإحداث فضاءات للتشاور والنقاش والتفاعل بين مختلف مكونات المجتمع والفاعلين التربويين والنقابات التعليمية من أجل تشخيص متأن دقيق وموضوعي للشأن التعليمي، قبل وضع اللبنات الأساسية للإصلاح التربوي المقبل.
أجرت الحوار: إيمان رضيف
تعليقات
إرسال تعليق