هزالة أجور التعليم




أجر أي إنسان هو حبل وريد حياته ، فبوفرته و ضخامته ؛ يعيش معززا مكرما في حياة رغيدة ملؤها البذخ و النعيم و كسب مقابض الحياة المترفة ، و بهزالته و وهنه يعيش حياة التقشف و البؤس و الحرمان ، حياةَ خصاصة و مخْمصَة .
أجور رجال التعليم و نسائه تدلف إلى الصنف الثاني الذي يعيش حياة الكدح ، فأجور موظفي هذا القطاع ما زالت تكتوي من نيْر متطلبات الحياة المتمثلة بخاصة في السكن ، فالزمن الحاضر صار لا يرحم ذوي ما يسمى بالدخل المحدود ، فأجورهم لن تمكنهم من امتلاك سكن يقيهم شر الكراء المستطير ، و من ضمان مصاريف الحياة الأخرى كالأكل و الشرب و دراسة الأبناء و كسوتهم و السيارة ...
منظومة الأجور داخل قطاع التربية الوطنية في حاجة إلى إعادة النظر ، فهي ما زالت تكرس الفوارق الطبقية بين موظفيها ، و تساهم في امْتهان الكثير من التابعين لها ، فقد أُثِر في الموروث الشعبي أن المعلم الذي أوصله الشاعر إلى درجة الأنبياء صار الآن في درك البخلاء ، و مبعثَ تندر و إسفاف ، و مرجع هذا كلِّه خصاصة المعلم التي تجبره على مد يد العون إلى من هو دونه ، بسبب الأجر الزهيد الذي يمنح له آخر الشهر و هو لا يقوى على مقارعة أيامه العاتية .
بعيدا عن غثاء نظرة العامة إلى نحيب رجال التعليم و نسائه الذين يعتبرون حالتهم ترفاً عن شبع ، يمكن وصف حالة موظفي القطاع بالكارثية مقارنة مع بعض حالات موظفي القطاعات الأخرى ، فأن تغيب تعويضات معقولة عن بعض مهام الأطر التعليمية مثل الإشراف على الامتحانات و حراستها و تصحيحها و ترتيبها و إيصالها إلى الأكاديميات ، و أيضا غياب منح سنوية نظير مناسبات مثل عيد الأضحى أو حاجيات أساسية مثل السكن ، و لعل الصورة التي تناثرت في صفحات الفيسبوك التي تُري معلما يفترش الخلاء في أحد الدواوير حين لم يجد غرفة متهرئة تقيه البرد القارس و الحر القائض كل هذا يعبر عن مأساة رجال التعليم و مظلوميتهم ، و محنهم التي تتطلب تدخلا عاجلا من أعلى السلط في البلاد لإنصافهم و لا سيما أن من مداخل إصلاح التعليم تحسينُ الوضعية المادية لموظفي القطاع و منحهم تعويضات محفزة على العمل الدءوب و المتواصل .
في الجانب الرسمي أطلقت الوزارة الوصية برامجَ للأعمال الاجتماعية لتحسين وضعية موظفيها ، خاصة أطرها التربوية ، و هي برامج تتغيا إعطاء تخفيضات في وسائل الترفيه كالسفر و الفنادق و المخيمات الصيفية ، و في تمكين موظفيها من امتلاك سكن عبر قروض فوكاليف و أيضا عبر قروض المرابحة التي أبرمتها مؤسسة محمد السادس لرجال التعليم مع مؤسسة دار الصفاء ، لكن رغم هذه التحسينات فهي لم تلق القَبول و الاستحسان عند شريحة واسعة من الأطر التربوية ، بل يعتبرها بعض رجال التعليم ضحكا على الذقون أو من قبيل المداواة بالتي هي داء ، فأما التخفيضات التي تطول وسائل الترفيه فالكثير من الأطر التربوية لا تستفيد منها بالشكل الأمثل ، مثلا الفنادق التي أبرمت معها المؤسسة اتفاقياتها هي فنادق مصنفة و لا يستطيع رجال التعليم و نساؤه إليها سبيلا سواء أكانت بثمنها الحقيقي الباهض أم بثمنها المخفض الذي يصل إلى 350 درهما لليلة الواحدة ، أما المخيمات و تذاكر السفر فحدث و لا حجر و يكفي أن تخفيضات السفر تقتصر فقط على قطارات الدرجة الثانية خارج أيام العطل الأسبوعية التي يكون فيها الناس في مسيس الحاجة إلى السفر ، في حين المخيمات فهي أشبه بملاجئ اللاجئين و الكثير من الأطر التربوية تتعفف عن ارتيادها بل يعتبرونها إهانة و إزدراءً في حقهم ، أما قروض السكن ، و في ظل غلاء العقار ، فلا يستطيع الموظف الصمود أمام الاقتطاعات التي ستلقى على كاهله مما يجعله بين أمرين أحلاهما مرٌّ كراء مرتفع أو قرض ذو اقتطاع كبير يصل إلى 40 في المائة إذا سمح أجر الموظف بالقرض طبعا من أجل سكن كريم و لائق .
سلالم الأجور في حاجة ماسة إلى تعديل فموظفو ما تحت السلم 10 خصوصا السلم 9 يعانون الخصاص الدائم ، و الفاقة الكبيرة خصوصا أنهم يتقلدون مهمة تدريس الأجيال ، التي تتطلب أن يكون المعلم مثالا للأناقة و البهجة و السرور و الحبور لا مثالا للعبوس و الاكتئاب و الضجر و القنوط .

أشرف سليم



تعليقات

المشاركات الشائعة