عيد المدرس ..بأي حال عدت يا عيد؟




يحتفل العالم في مثل هذا اليوم الذي يوافق 5 أكتوبر من كل سنة باليوم العالمي للمدرس، الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة للتربية و الثقافة و العلوم، هذه الأخيرة التي تعترف بدور المدرس الملحوظ في تشكيل قوة فعلية لتحقيق العدالة الاجتماعية و الإنصاف التربوي و الجودة التعليمية، و قد اختير لاحتفالات هذه السنة شعار " دعوة من أجل المعلمين " ، هذا الشعار الذي لا شك أن واضعيه يهدفون من خلاله إلى التأكيد على ضرورة توفير كل الظروف الملائمة لجعل المدرس محور عملية تجويد التعليم ليكون فعلا بوابة أساسية من أجل تحقيق حياة أفضل في ظل مجتمع يتسم بالسلم و السلام و التقدم و الازدهار و مبنيا على احترام الآخر و تقدير خصوصياته، جاعلا من الديموقراطية و احترام حقوق الانسان أهم دعائمه...

لكن يبدو أن الشعار بالرغم من بعده الدلالي فإنه يوحي للمدرس المغربي بالعديد من الإشارات المستمدة من ثقافتنا المحلية و المستقاة من واقعنا التعليمي و المجتمعي، و قد نستثمره روحانيا لنسأل الدعاء و " الدعوة " من كل السجد و الركع من أجل المدرسين أن يلهمهم الصبر و السلوان على ما آل إليه واقعهم الذي لا يزداد إلا سوءا يوما بعد يوم و سنة بعد أخرى. و أن يرزقهم القوة و العزيمة لمجابهة كل التحديات التي يواجهونها و التغلب على كل المشاكل التي يولدها نظام تعليمهم الذي يثبت بالملموس فشله الذريع عاما بعد عام أمام تجاهل مستفز لدور التعليم الحقيقي الذي يعتبر السبيل الوحيد الذي يجعل الفرد قادرا على تحديد مستقبله، و بالتالي المساهمة في رقي مجتمعه و ضمان رفاهه الاجتماعي  .

 لقد كانت نظرة المجتمع للمدرس منذ القدم  نظرة تعظيم و تبجيل لإيمانه الصادق بكونه صاحب رسالة مقدسة وشريفة تهدف إلى تقدم الأمم وسيادتها، و قد بلغ بهم إيمانهم هذا إلى اعتبار انهزام الأمم أو انتصارها في الحروب يرجع إلى المعلم و قدرته على غرس القيم الدينية و الوطنية و الإنسانية في نفوس تلامذته، كما أنها تعزي فشلها أو تقدمها في المجال الحضاري إلى سياسة التعليم أيضا. و لذلك عد المعلم بمثابة قطب رحى الفعل التعليمي في المدرسة وعمودها الفقري الذي لا ينهض التعليم و عبره المجتمع إلا به ، و ترتكز قيمته على وعيه وإلمامه بمسؤولياته الجسيمة والشاملة و المتجددة لتتماشى مع روح العصر و ذلك  من أجل تحقيق الأهداف التربوية بكل جوانبها المختلفة، والمشاركة الفعّالة والإيجابية في إعداد المواطن الصالح الذي يعرف ما له وما عليه .

و أمام هذا التراجع الخطير في نظرة المجتمع للمدرس، الذي يبخس دوره الإيجابي في رسم معالم التغيير على جميع المستويات و يقزم مساهمته الفعالة في بناء مجتمع المعرفة و العدالة و الحرية، و يعتبره عائقا أساسيا أمام فشل تطبيق السياسة التعليمية التي أثبتت انتكاستها فراحت ترمي بلومها على المدرس الذي تعتبره شماعة تعلق عليها كل فشلها في توفير بيئة تعليمية سليمة تمكنه من أداء رسالته النبيلة بكل اعتزاز و فخر و ثقة بالنفس، فإن رجل التعليم اليوم مطالب بإبراز صورته الحقيقية عبر تغيير العديد من عاداته التي أسقط فيها عمدا أو قسرا ، لتكريس واقعه المزري و تأكيد مسؤوليته في فشل منظومة التعليم، و طبعا لن يتم ذلك إلا بالتخلص من الشرنقة التي نسجها لهم النظام التعليمي المغربي ، و قوقعهم فيها فأفسحوا السبيل لاستشراء الفساد في جسد التعليم المنهك أصلا ،و إنجاح كل السياسات المبيتة الرامية إلى التفريق و الانقسام و التشرذم ، لقد آن الأوان لتوحيد صفوف نساء و رجال التعليم و توحيد رؤاهم و تذويب الاختلافات بينهم، و أن يدركوا أن إنقاذ المدرسة العمومية تحد يتحملون فيه جزءا من المسؤولية، و أهم شيء استحضار مصلحة أطفال هذا الوطن الذين تتقاذفهم الأزمات السياسية و تحكم مصيرهم الأهواء و الأمزجة .

فتحية لكل نساء و رجال التعليم العاملين بين جدران المدارس بكل بقاع العالم، و تحية تقدير و إكبار لزملائنا المدرسين بهذا الوطن الحبيب الذين نعتبرهم شموعا تحترق لتنير حياة كل المغاربة .





تعليقات

المشاركات الشائعة