الإدريسي: الحكومة والوزارة تسيران اليوم في اتجاه تجريم الاحتجاج والإضراب


 حوار مع عبد الرزاق الإدريسي، الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم، أجرته معه جريدة المساء



- ما تقييمكم في الجامعة الوطنية للتعليم للوضع بقطاع التربية والتكوين ؟

< تقييمنا لا يخرج عن باقي التقييمات الكثيرة ومتعددة الأطراف، فقطاع التربية الوطنية يعرف نوعا من الإفلاس وأزمة مرتبطة بالأزمة البنيوية، والتي لم تستطع جميع الإصلاحات أن تعطي شيئا بخصوصها، لكون المسألة أعمق من الإصلاحات التي تتم، والتي لم تعط النتائج المنتظرة، هذا باستحضار ترتيب المغرب فيما يخص قطاع التربية والتكوين على المستوى الدولي، الذي يضعه في مؤخرة الدول ...  
هناك نقص على مستوى الأطر التربوية والإدارية وهو نقص فظيع وليس بسيطا ...

- هل لديكم أرقام ومعطيات مضبوطة حول الوضع ؟ 

الأرقام التي كانت بحوزتنا فيما يخص هيئة التدريس تؤكد أن هناك خصاصا بحوالي 24000 مدرس، منهم حوالي 15000 كخصاص في المدرسين بالسلك الابتدائي، وما تبقى يهم الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي، والدولة تحاول تدارك هذا الخصاص عبر  مراكز مهن التربية والتكوين التي توظف 8000 أو7000 التي نعتبرها غير كافية، زد على ذلك أن التكوينات في هذه المراكز تراجعت على المستوى الكيفي مقابل الكمي، وبالتالي تعيد المراكز إنتاج نفس الوضع، خاصة وأن مراكز التكوين على مستوى وزارة التربية الوطنية منذ برنامج التقويم الهيكلي لسنوات الثمانينيات ضربتها «تلافة»، ولم تعد تشتغل لعدم وجود المكونين (بفتح الواو)، والمكونين (بكسر الواو) أنفسهم يعيشون أوضاعا من العطالة و«قلة ما يدار»، وبالتالي عاشوا وضعية عطالة لسنوات متعددة واليوم تأتي الوزارة وتفتح مراكز التكوين بدون توفير الإمكانيات البشرية ولا الإمكانيات في مجال التكوين ...
أما على مستوى واقع الهدر المدرسي، فإن الأمر فظيع أيضا، فهناك 250 ألف طفل يغادرون المدرسة سنويا، وهي المغادرة التي تجعل منهم أميين ويساهمون في ارتفاع عدد الأميين في بلادنا الذي يصل إلى ثلث المغاربة حسب إحصائيات رسمية، والدولة تعالج قضية الهدر المدرسي بمحاولتها الحفاظ على التلميذ في المؤسسات التعليمية لمدة معينة، بالرغم من حصوله على معدلات ضعيفة جدا فهي تسعى إلى الحفاظ عليه داخل المدرسة حتى لا يقال بأنه غادرها، وهذا ما يؤثر على مسألة عدد التلاميذ بالقسم الواحد ويصبح الأستاذ أمام عدد من التلاميذ بمستوى دراسي ضعيف ويصبح ملزما بالنزول بمستوى التدريس إلى الأسفل وهذا بطبيعة الحال يؤثر على المستوى العام لقطاع التعليم .

- طيب، على اعتبار ما ذكرتم ما هي الوصفة التي تقترحونها كجامعة وطنية للتعليم لإصلاح منظومة التربية والتكوين ؟  

في نظرنا يجب أن تكون هناك إرادة سياسية لإصلاح التعليم، وأقصد الإرادة السياسية للجميع، وأن تكون بالفعل المدرسة العمومية والتعليم بشكل عام القاطرة الفعلية للتنمية كما فعلت جميع الدول التي اعتبرت التعليم ذا أولوية على جميع المستويات، كما يجب إشراك الجميع كي نحصل على إجماع. لقد قيل من قبل بأن هناك إجماعا على ميثاق التربية والتكوين، لكن في نظرنا نحن لم يكن له الإجماع، لكونه عرف مشاركة التنظيمات السياسية التي تحكم في البلاد وكذا تمثيليات الأحزاب التي تمارس المعارضة في البرلمان وتمثيليات للنقابات الخمس ...لكننا نؤكد على  ضرورة  إشراك الجميع، وضرورة توفر  إرادة سياسية لدى الجميع إذا ما نحن أردنا أن نصل إلى نتيجة إيجابية على مدى عشرات السنين .

- هناك بعض الأصوات التي تتهم نقابتكم باحترافها الركوب على بعض الملفات الشائكة والعالقة بعينها، من بينها ملف أصحاب الزنزانة 9 سابقا والملف الرائج حاليا لحملة الإجازة والماستر الذي أصبح يبدو بأفق مسدودة ؟

نحن في الجامعة الوطنية للتعليم معروفة بكونها حلت العديد من المشاكل على مستوى قطاع التربية الوطنية، وهذا أمر يقر به الجميع، وأبدأ بملف أساتذة الخدمة المدنية المحتفظ بهم، ففي عهد الحسن الثاني كان أحد اشتكى إلى الملك حول وضعية هذه الفئة، التي كانت تشتغل سنتين مقابل مبلغ حوالي 1500 درهم ثم يرمى بهم إلى الشارع بعد انتهاء المدة، وهي الوضعية التي لم تعجب الملك الحسن الثاني آنداك وقال – أعتقد في خطاب – أن هذا الأمر غير معقول وهو الكلام الذي اعتبر قرارا وتم الاحتفاظ بأصحاب الخدمة المدنية في إطار وزارة التربية الوطنية، دون أن تتم تسوية وضعيتهم الإدارية والمالية، وكنا قد بنينا هذا الملف، وتمكنوا من الحصول على الإدماج في القطاع، كذلك هناك ملف العرضيين الذين كانوا بالنسبة للدولة ولوزارة التربية الوطنية يشتغلون في إطار «الديباناج» كمدرسين عرضيين و»تأطروا» في إطار الجامعة الوطنية للتعليم وخاضوا معارك نضالية وتم إدماجهم في القطاع، ونفس الأمر بالنسبة لملف أساتذة سد الخصاص وأساتذة التربية غير النظامية والأساتذة المتطوعين، هذه الفئة الأخيرة التي كان أصحابها يتطوعون للتدريس لمدة سنة أو ثلاث سنوات بدون مقابل، وهو وضع يمكن أن نقول بأنه أقل من العبودية، لأن العبد على الأقل كان سيده يطعمه كي يستمر في الحياة ويشتغل ...هذه الوضعيات توجد بقطاع التربية الوطنية وخارج أدنى مراقبة للجهات المسؤولة عن قطاع التشغيل وهي ملفات تبنيناها في نقابتنا ...

- لكن السيد الكاتب العام، كل هذه الملفات التي ذكرت كانت تتبناها حتى النقابات الأخرى وخاصة النقابات ذات التمثيلية، بحيث نجدها في بياناتها وبلاغاتها وكذا مذكراتها المطلبية ؟ 

جيد، جيد، ما أحوجنا إلى أن نضع اليد في اليد ونتبنى ملفات المقهورين والمضطهدين «مادابينا وياريت» لوأننا نضع اليد في اليد في مثل هذه الملفات، ونحن عندما كنا نأتي بملفات من هذا النوع كان البعض ينعتنا بالحمق لكونا نقابة تعليمية ويجب علينا تبني ملفات الموظفين المتوفرين على أرقام تأجير فقط، وهذا الأمر سمعناه من العديد من الأطراف، ونحن نتمنى دائما وضع اليد في اليد وتشكيل قوة نقابية موحدة من أجل حل المشاكل بشكل مشترك، حينها لا نريد حتى أن تحسب على جامعتنا أنها حلت مشاكل. 

طيب، الوزارة طرحت نهاية الأسبوع بلاغا صحفيا حول ملف المضربين والمعتصمين من حاملي الإجازة والماستر، البلاغ بدا وكأنه حسم  الموضوع  من جهة الوزارة التي أقرت بأنها متمسكة بالمباراة في إطارها القانوني وملتزمة بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في المحضر الأخير الموقع مع النقابات الخمس، كما أن الوزارة باشرت تنفيذ الإجراءات الإدارية المتعلقة بمسطرة الانقطاع عن العمل كيف ستتعاملون مع هذا الوضع ؟ 

نحن في الجامعة الوطنية للتعليم نتبنى جميع ملفات نساء ورجال التعليم وخصوصا الفئة التي تنظم نفسها وتناضل من أجل تحقيق مطالبها التي نعتبرها مشروعة، وبالنسبة لحاملي الإجازة والماستر تبنيناهم منذ البداية قبل نظام 2003، وما بعد النظام الأساسي لسنة 2003 تبنيناهم كذلك، بالنسبة لفوجي 2012 و2013 المحرومين من الترقية كذلك تبنيناهم منذ البداية والجامعة الوطنية للتعليم أشرت على جميع بلاغات التنسيقية التي وصلت إلى 12 بلاغا، في رأيي الحكومة والوزارة اليوم تسير في اتجاه تجريم الاحتجاج وتجريم الإضراب في الوقت الذي ينزل فيه المحتجون إلى الرباط للاحتجاج لا يحدثهم أي أحد لا على مستوى الوزارة ولا على مستوى الحكومة، واللغة التي استعملت مؤخرا هي لغة العصا وتكسير عظام وجماجم الأستاذات والأساتذة وإهانتهم والمس بكرامتهم، والآن تود الحكومة الاقتطاع من رواتبهم ... الأمر الذي نعتبره إجهازا على حق الإضراب تفتخر به الحكومة الحالية وتعتبره إنجازا كبيرا، وهو أمر بات يتطلب من المركزيات النقابية أن تنتفض من أجل الدفاع عن الحق في الإضراب.

- ما هو ردكم على بعض الموظفين من وزارة التربية الوطنية الذين اشتكوا من إقحامهم في الحركات الاحتجاجية ومنعهم من مغادرة مقرات عملهم في إحدى اللحظات، كذلك بعض المواطنين الذين لم يتقبلوا مسألة اعتراض «الترامواي « كحركة احتجاجية، مع كامل تقديرنا لاحتجاجات كافة الفئات التي تعتبر نفسها متضررة ؟ 

هذه الاحتجاجات تأتي في إطار تنبيه المسؤولين إلى مشروعية مطالب هذه الفئة، والأكيد أن تقع هنا أوهناك بعض الهفوات أو شيء من هذا القبيل لكن هذه مسؤولية الدولة والحكومة الحالية، التي يجب أن تقف على أسباب كل الاحتجاجات التي تتم وتفتح باب الحوار مع المعنيين بالأمر أو من يمثلهم لإيجاد حلول لمشاكلهم التي ليست من باب المستحيلات، لكن كل هذا لا يبرر الاعتقالات والتعنيفات التي طالت الأساتذة والأستاذات والزج بهم في مخافر الشرطة، وأنا أقول إنه كان على المعنيين اعتقال الجميع بدل اعتقال 26 منهم.
 أما بخصوص بلاغ الوزارة فهو يأتي في إطار القمع والتخويف وتجريم الإضراب، فالمحتجون ليسوا منقطعين عن العمل فهذا «كذب» على الناس، فهم مضربون عن العمل للمطالبة بحقوق مشروعة. في لقاء مع وزير التربية الوطنية قلت بالحرف إننا في الجامعة الوطنية للتعليم لا يمكننا أن نتخلى عن أي مجموعة كيفما كان عددها، ولن نجعلها تحس بأنها «مسموح فيها» ونتركها للضياع، لأن هذا الأمر خطير خصوصا في مجال التعليم، لأنهم بالآلاف ...فنحن نقوم بما نستطيع القيام به وسنبقى على نفس الطريق التي نعتبرها صحيحة.

رضوان الحسني






تعليقات

المشاركات الشائعة