بنخلدون : لا ينبغي لخرّيجي الجامعات حصر طموحهم في التوظيف المباشر
أكدت سمية بنخلدون، الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، أنها منكبّة على دراسة ملفين أساسيين يتعلقان بالبحث العلمي والتعاون والشّراكة، مؤكدة في حوار أجرته معها يومية "صحيفة الناس" في عدد الاثنين 23 دجنبر 2013، أنه رغم الإشكاليات التي يعاني منها التعليم الجامعي في المغرب اليوم، ورغم قلة الإمكانيات المرصودة للبحث العلمي، فإن المخطط الذي وضعته الوزارة يسعى بعزم إلى تجاوز هذه الإشكالات عبر تشخيص واقعي يقدّم حلولا تدريجية.
وفيما يلي نص الحوار:
وفيما يلي نص الحوار:
ظلت العديد من أطر الأحزاب السّياسية تنتظر الاستوزار لسنوات، في حين كان انتماؤك إلى هذا الحزب يشبه السّعد.. خارج حسن الحظ، إلى ماذا يعود ذلك في تقديرك؟
ليس هدف أعضاء حزب العدالة والتنمية هو الحصول على مقاعد وزارية، لذلك لا أحد منا ينتظر الاستوزار، فالحزب بالنسبة إلينا مؤسسة تنظم الجهد لتحقيق الرّؤى والتصورات، بغية المساهمة إلى جانب القوى الحية في البلاد في تحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. كما أن أعضاء الحزب يشتغلون ويجتهدون ويضحون لتحقيق هذا الهدف، كيفما كانت مواقعهم، سواء في القاعدة أو في القيادة. فالحزب ليس طالبا للكراسي، لكنّ هذا لا يعني أن عليه أن يبقى دائما في المعارضة، لأن المشاركة السياسية تقتضي تحمّل المسؤولية وفق القواعد الديمقراطية.
حزب العدالة والتنمية، كما تعلمون، وبعد أن ساهم من موقع المعارضة، هو اليوم يساهم من موقع المسؤولية الحكومية، وفي هذا الإطار تحمّلَ بعضُ أطره مسؤولية تسيير قطاعات حكومية، والحزب يجتهد إلى جانب الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي لتنزيل مضامين البرنامج الحكومي الذي قدّمه رئيس الحكومة أمام البرلمان.
وبخصوص سؤالك عن المسؤولية التي تحملتها، أود أن أشير بداية إلى أن موضوع الاستوزار بالنسبة إلى أطر العدالة والتنمية يمرّ بمسطرة ديمقراطية دقيقة، وهي المسطرة التي طبقت على الجميع، سواء بالنسبة للأعضاء الذين تم اختيارهم للعضوية في التشكيلة الحكومية ليناير 2012، أو بالنسبة لي، حيث أضيف اسمي إلى لائحة الوزراء في التعديل الحكومي لأكتوبر 2013.
باختصار، المجلس الوطني للحزب اختار بالتصويت مجموعة من أعضائه ليضافوا إلى أعضاء الأمانة العامة للحزب لأجل تشكيل لجنة، كانت قد كلفت بترشيح لائحة أعضاء للاستوزار وفق المسطرة المحددة، والأمانة العامة صوتت بعد ذلك على الأسماء التي اقترحها الأمين العام من داخل اللائحة، وكان اسمي ضمن اللائحة المرشحة للتشكيلة الحكومية لسنة 2012 في مجموعة من القطاعات، ومن هذا المنطلق تم عرض اسمي في اجتماع الأمانة العامة التي انعقدت يوم 9 أكتوبر 2013، للنظر في ترشيحي ضمن التعديل الحكومي، وهكذا كان اختيار اسمي بالتصويت السّري لأعضاء الأمانة العامة.
ما هي الصلاحيات التي تخولها لك صفة "وزيرة منتدبة"؟
صلاحيات الوزراء المنتدبين يحددها ظهير شريف صادر بتاريخ 29 ماي 1998، ويتعلق باختصاصات ووضعية الوزراء المنتدبين.
وعلى العموم، فالوزير المنتدب يمارس صلاحيات في قطاع ما بحكم تعيينه كعضو في الحكومة من طرف جلالة الملك باقتراح من رئيس الحكومة، وبمقتضى قرار من الوزير المعني يؤشر عليه رئيس الحكومة. كما أن دستور 2011 نصّ، في مادته الـ87، على أن الحكومة تتألف من رئيس الحكومة والوزراء، ويحدد قانون تنظيمي القواعد المتعلقة بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها. الآن، تمّت المصادقة على مشروع القانون التنظيمي في المجلس الوزاري، وهو معروض على أنظار البرلمان. وقد نصّ هذا القانون على أن الوزراء يكون من بينهم وزراءُ دولة ووزراء منتدبون.
وعلى العموم، ليس هناك فرق جوهري بين صلاحيات الوزراء والوزراء المنتدبين، فالوزير المنتدب يشارك في ممارسة السلطة التنفيذية من خلال حضوره في المجلس الحكومي، الذي يرأسه رئيس الحكومة، وأيضا في المجلس الوزاري الذي يرأسه جلالة الملك، وبالتالي فالوزير المنتدب يشارك في التداول بخصوص القضايا الهامة التي تخصّ الشأن العام، كما يشارك في المصادقة على مشاريع القوانين العادية والتنظيمية، ويساهم في اتخاذ القرار بخصوص التعيينات في المناصب العليا، كما يخضع لمراقبة البرلمان من خلال الجلسات العامة للمساءلة واجتماعات اللجن لمناقشة قضايا القطاع الذي يساهم في الإشراف عليه كوزير منتدب.
هذا للتوضيح فقط، وكيفما كان الحال، فالألقاب لا تهمّ، بقدْر ما يهم العمل والإنتاج والمردودية.
ما هو برنامج الوزيرة اليومي؟
يتضمّن برنامجي عدة التزامات وفق أجندة محددة. وعادة، يبدأ بالاطلاع على الصحافة والبريد الإلكتروني، ثم اجتماع مع رئيس الديوان لضبط فقرات جدول الأعمال اليومي وإعداد الوثائق الخاصة بكل التزام، وينتهي بالاطلاع على البريد الوارد واتخاذ قرارات بشأنه والتوقيع على البريد الصادر.
عموما، يتضمن البرنامج اليومي اجتماعات مع المدراء والمسؤولين لمتابعة تنزيل مخطط عمل الوزارة (2013 -2016) كل حسب مسؤوليته، ولاسيما في ما يتعلق بالبحث العلمي والتعاون والشّراكة، مع اتخاذ القرارات الضرورية في هذا الشأن، وكذا اجتماعات مع أعضاء الديوان بصفتهم مستشارين مكلفين بإعداد الأوراق وتقديم الخبرة في ملفات محددة، وكذا استقبال رؤساء جامعات وعمداء وأساتذة وباحثين وطلبة وغيرهم..
كما يتضمن البرنامج، في الأجندة الأسبوعية، الاستجابة لدعوات البرلمان في جلسات المساءلة الأسبوعية واجتماعات اللجنة المختصّة في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي في مجلسَي النواب والمستشارين. كما يتضمّن حضور اجتماعات المجلس الحكومي، وأحيانا المجلس الوزاري.. إضافة إلى الاستجابة -قدْر المستطاع- للدعوات المتعلقة بالمشاركة في تأطير أنشطة علمية تنظمها مختلف الجامعات ومراكز البحث، أو قطاعات ومنظمات ومؤسسات حكومية وغير حكومية، في مواضيع تهمّ خاصة مجال التعليم العالي والبحث العلمي.
وفي إطار التعاون الثنائي والتعاون متعدد الأطراف، تتم المشاركة في مهامّ رسمية خارج المغرب، واستقبال مسؤولين أجانب تتوج أحيانا بإبرام اتفاقيات.. إلى غير ذلك من المهام.
وعلى العموم، فالبرنامج اليومي يبدأ في ساعة مبكرة من الصباح وينتهي في ساعة متأخرة من الليل، ويمتدّ طيلة أيام الأسبوع.
ما هي أهمّ الملفات التي تعكفين عليها؟
يتعلق الأمر بملفين أساسيين، الأول يهم البحث العلمي والثاني التعاون والشّراكة، إضافة إلى متابعة ورش التعليم عن بعد وورش تأهيل النظام المعلومياتي للوزارة. كما يتم الاشتغال والمتابعة لمختلف الملفات التي تهمّ قطاع التعليم العالي والبحث العلمي.
فقد وضع مخطط عمل الوزارة للفترة 2013 -2016 شعار "استعادة الجامعة ريادتها في مجال الإشعاع والتكوين والبحث"، وركز من خلال مجموعة من المحاور على ضرورة تطوير البحث العلمي، وكذلك على تطوير التعاون والشّراكات، وهذان المجالان بُذلت فيهما مجهودات مهمة، خاصة في جانب تسطير الإجراءات وتوفير هيكلة إدارية ملائمة.. وأحاول -قدْر الإمكان- كوزيرة منتدبة تسريع وتيرة الإنجاز في هذين المجالين ومتابعتهما عن كثب.
من المعلوم أن البحث العلمي في المغرب تواجهه جملة من المشاكل، ما هو تصوركم لمواجهتها؟
نحن الآن في إطار تشخيص موضوعي للملف، وندبّر وضعا ورثناه من سياسات حكومية سابقة، أكيد أنها حققت إنجازات وواجهتها صعوبات، لذا فالتساؤل الذي ينبغي أن يُطرَح اليوم هو: "ماذا سيقدم تدبيرنا للقطاع؟". والجواب المفترَض طبعا هو أننا يجب أن نتقدم وبوتيرة معقولة.
إن تطوير البحث العلمي بالمغرب يمر، أساسا، عبر وضع إستراتجية تحدد أولويات البحث كما تساير الأوراش الكبرى للمغرب، وهذا التصور يتطلب بنيات تحتية ملائمة وتعبئة موارد مالية مناسبة، وتوفير الموارد البشرية المؤهلة والكفأة والمحفزة، إلى جانب إبرام شراكات واتفاقيات، سواء للاستفادة من الخبرة الدولية أو لتسويق أو تصنيع أو استثمار نتائج البحث العلمي.. وهناك إشكالات على مختلف المستويات المذكورة، فالمغرب يتوفر على إستراتيجية للبحث العلمي وضعت عقب المناظرة الوطنية سنة 2006، لكنّ هذه الإستراتيجية تحتاج إلى تطوير وتحيين.
في جانب الموارد المالية، إلى حد الآن يتم تخصيص 0.8 في المائة فقط من الميزانية العامة للبحث العلمي، وهي نسبة ضعيفة بالمقارنة مع المعدل الدولي، الذي يصل إلى 2.5 في المائة. وبالنسبة إلى الموارد البشرية يتوفر المغرب على عناصر بشرية مؤهّلة لكنها غير كافية.
لرفع هذه التحدّيات، يتم التفكير حاليا في تنظيم أيام دراسية بحضور خبراء وطنيين ودوليين لتحيين الإستراتيجية الوطنية للبحث العلمي، وتفعيل اللجنة الوزارية الدّائمة للبحث العلمي وتعبئة موارد إضافية من خارج الميزانية العامة، ووضع آليات لضمان حكامة صرف الاعتمادات، مع تسطير سياسة لتوفير الموارد البشرية وإيجاد الخلف، مع تأكيد تطوير التعاون والشّراكة.
هل أبرمتم اتفاقيات في هذا الصدد؟
التعاون والشّراكة دعامة أساسية لخدمة البحث العلمي، فالتعاون الدولي يفتح آفاقا كبيرة للانخراط في مشاريع بإمكانيات مادية مهمّة، كما يتيح الاستفادة من الخبرات الدولية، ويمَكّن انفتاح الجامعات على محيطها السيوسيو -ثقافي وإبرام شراكات مع القطاع الخاص والقطاع الصناعي من توفير موارد مالية ومن إيجاد فرص استثمار مخرجات البحث العلمي..
من هذا المنطلق، أبرمت الوزارة عدة اتفاقيات، منها على سبيل المثال اتفاقية -إطار مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب، ومع المكتب الشريف للفوسفاط، إضافة إلى إبرام اتفاقيات مع قطاعات حكومية متعددة.
وعلى مستوى التعاون الدولي، فالمغرب منخرط في العديد من مشاريع البحث الممولة من الاتحاد الأوربي، كما أنه عضو نشيط في اتحاد مجالس البحث العربية وغيرها.. ونحاول أن ننفتح أكثر على شركاء متنوعين من بريطانيا، إيطاليا وتركيا وغيرها، وتفعيل شراكات دول جنوب -جنوب، إضافة إلى الشّراكة مع فرنسا، الشريك التقليدي للمغرب..
كيف تنظرين إلى قضية الطلبة المعطلين؟
شاركتُ، مؤخرا، في ندوة لتشغيل الشباب، وفي معرض كلمته أكد برونو بويزا، منسق نظام الأمم المتحدة للتنمية والممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة في المغرب، أنّ التشغيل لا يعني الوظيفة العمومية وأنه ليست هناك دولة في العالم تقول إن الجامعة حينما تكوّن الطلبة من المفروض على الدولة أن تدمجهم في أسلاك الوظيفة العمومية.. كما أشار إلى ضرورة أن يسعى خرّيجو الجامعات إلى اكتساب مهنة.
ولا ينبغي أن يحصر خرّيجو الجامعات طموحهم في التوظيف، لا بد أن ينفتحوا على التشغيل الذاتي والعمل في القطاع الحر، لأنّ من أراد ولوج الوظيفة العمومية حصريا لا بد أن يدرك أنها لا تستوعب أعدادا هائلة من خرّيجي الجامعات سنويا، فعدد المناصب المالية يكون محدودا ومعروفا، ويتوجّه لها خريجو الجامعات عبر مباراة، من اجتازها بنجاح فذاك، ومن لم يُقبل فأعتقد أنه لا فائدة من تضييع الوقت في الاحتجاج أمام البرلمان.. أرى أنه من الأفضل أن يشتغل حتى تتكون لديه فكرة عن العمل الأول، فمهما كان بسيطا فإنه سيتطور..
أنت الآن وزيرة في حكومة ثانية لبنكيران، هل تحسين أن بنكيران يحكم؟
عبد الإله بنكيران هو رئيس الحكومة، أي رئيس السلطة التنفيذية، وجلالة الملك رئيس الدولة وممثلها الأسمى، والسيد بنكيران يمارس صلاحياته المحددة دستوريا كاملة. وأشير هنا إلى أنه رغم أن سنة 2013 كانت استثنائية بكل المقاييس، وعرفت محاولات حقيقية لشلّ عمل الحكومة، فإن المغرب استطاع أن يُنهيها بمؤشرات إيجابية جدا، منها ارتفاع مداخيل الاستثمارات الأجنبية بنسبة 25 في المائة.. كما حظي المغرب بتنقيط إيجابي من مجموعة من المؤشّرات الاقتصادية والمالية، حيث ربح 10 نقط في تقرير "doing buisniss"، كما أكد تقرير "gafi" أنّ المغرب تجاوز النقطة الحرجة وأعطى صورة إيجابية عن تعاقداته، وتقرير "يونسكو" سجل للمغرب نقطا إيجابية في قطاع التعليم.. كما استطاع المغرب الحفاظ على السّلم الاجتماعي، إذ انخفض عدد الاحتجاجات والإضرابات، وتحققت العديد من الإنجازات، منها توسيع نظام التغطية الصحية "راميد" وإحداث صندوق التعويض عن فقدان الشغل والرّفع من فرص الدراسة من خلال برنامج "تيسير"..
بصفقة عامة، نجح المغرب في أن يحافظ على استقراره، وظلت الحكومة قائمة، والمَرافق مشتغلة، بما يرفع منسوب الثقة ويجلب الاستثمار، وكل هذا بفضل الرّئاسة الحكيمة لرئيس الحكومة تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك.. اليوم، وبعد التعديل الحكومي، وبعد مضي سنتين من عمر الحكومة، استطاعت خلالها أن تضع الإستراتيجيات ومخططات العمل لمختلف القطاعات وبدأت في الإنجاز، هي مطالبة اليوم بتسريع وتيرة الإنجاز والإصلاح، ولا شكّ أن ذلك من الأسباب التي جعلت رئيس الحكومة يرفع عدد أعضاء الحكومة الثانية..
خصك الملك في يوم التعيين الحكومي بحوار مقتضب.. ما هو فحوى هذا الخطاب؟
..(مبتسمة) هذه المعلومة لا أعطيها.. وكل ما يمكن قوله في هذا الموضوع، وسبق أن قلته في حوار صحافي، هو أنّ ما يقوله جلالة الملك لأحد أعضاء الحكومة لا يمكن أن يعطي لهم الصلاحية في إطلاع باقي الناس عليه، بل يبقى ذلك أمورا خاصة..
وحديث صاحب الجلالة معي خلال مراسيم التعيين هو التفاتة أعتزّ بها كثيرا، وسيظلّ بها هذا التعيين وبالطريقة التي عاملني بها جلالة الملك خالدَين في ذهني..
ماذا تغير في حياة الوزيرة الزّوجة والأم بعد الاستوزار؟
الذي تغير أساسا هو جدول الأعمال، في الوزارة اكتشفت مسؤوليات أكبر، وأدركت حقيقة عبارة "شخصية عامّة".. فعلا، العمل كوزير لا يترك لك مجالا لـ"الحياة الخاصة"، فحياتك كلها هي المسؤولية الملقاة على عاتقك، والتي ينبغي أداؤها على أحسن وجه، وأن تكون في خدمة المصلحة العامة. وبالنسبة إلى أبنائي فإنّ الأمر لا يطرح إشكالات كبيرة، فهم نسبيا مسؤولون ومستقرّون، اثنان منهم متزوجان، والآخران يدرسان في التعليم العالي..
هل غيرت محل سكناك وسيارتك بعد أن أصبحت وزيرة؟..
مازلت أسكن في مدينة القنيطرة، لكنني أفكر الآن في الانتقال إلى مدينة الرّباط للتخفيف من أعباء التنقل اليومي إلى القنيطرة في ساعات متأخّرة من الليل.. ما زلت أحتفظ بسيارتي الخاصة للتنقل بها خارج أوقات الخدمة، وبالطبع، هناك سيارة وظيفية، كحال جميع الوزراء.
من أين تقتنين هندامك كوزيرة؟ هل هو اختيار شخصي أم هناك من يشرف على هذا الجانب؟
أقتني من المحلات المُعدّة لهذا الغرض، وأحيانا أقصد الخياطة لخياطة وتصميم بعض الملابس.. وقد أستشير صديقة أو أختي، الأمر بالنسبة إلي لا يستدعي مستشارة في اللباس..أحاول أن أختار لباسا بسيطا ميسّرا للعمل ولائقا بي كعضو في الحكومة..
وبالنسبة إلى المهام خارج المغرب أحرص على ارتداء الجلباب المغربي في بعض الاستقبالات كعربون اعتزاز بالانتماء إلى المغرب.
هل تعتبرين أن المدة التي قضيتها في رئاسة ديوان الشوباني كانت فرصة سانحة للاطلاع على التدبير الحكومي لعدد من الملفات؟
بالفعل، كانت تجربة مهمّة جدا، فالفترة التي قضيتها إلى جانب الوزير الحبيب الشوباني أتاحت لي الفرصة -دون أن أكون في الواجهة- للتعرّف على الأمور المتعلقة بالتدبير الحكومي، على كيفية إدارة الملفات، وعلى الإشكالات والحلول الممكنة..
وهذه كانت مدرسة أخرى في حياتي للتدرّب والتمرّن على المسؤولية، وقد كنت محظوظة لأنها كانت إلى جانب الوزير الشوباني، الذي كان يعاملني كوزيرة منتدَبة ويناقش معي مجموعة من الملفات، خاصة أن الوزارة التي يديرها سياسية بدرجة أكبر.. فيها علاقات الحكومة مع البرلمان ومع المجتمع المدني، وهكذا أتاح لي عملي كرئيسة ديوان فرصة للتعرّف على الطيف المتنوع للمجتمع المدني، الذي يطلب لقاءات مع الوزير ويطلب تأطيرا.. وكنت أحضر العديد من اللقاءات، وأيضا استقبال عدد كبير من هيآت المجتمع المدني، فكان هذا مصدر استفادة من هذه التجربة المهمة، كما أنّ تدبر العلاقات مع البرلمان من موقع الحكومة أفادني جدا، بعد أن كنت قبل ذلك برلمانية لمدة ولايتين.
كنت أول امرأة تشغل منصب رئيسة لجنة العلاقات الخارجية والدّفاع الوطني والشؤون الإسلامية، وقمت بإعداد ورقة عن القضية الوطنية، ما هي إضافات هذه التجربة إلى مسارك؟
أعطى الموقع المتقدّم الذي حصل عليه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية عام 2002 لفريقه البرلماني الحق في أن يرأس لجنة. وبعد أن اختار لجنة العدل والتشريع لمدة سنتين، اختار رئاسة لجنة الخارجية نظرا إلى أهمية الملفات التي تناقشها وإلى ما تتيحه هذه الرئاسة من إمكانيات خدمة للقضايا الوطنية، من خلال تقوية الدبلوماسية البرلمانية الموازية. وقد اختارني الفريق البرلماني رئيسة للجنةِ العلاقات الخارجية والدّفاع الوطني والشؤون الإسلامية، وشكل ذلك بالنسبة إلي تجربة مهمة حقا.. وبالفعل، خلال رئاسة فريق العدالة والتنمية لجنة الخارجية، أعددنا ورقة من أجل تفعيل دور لجنة العلاقات الخارجية في خدمة القضية الوطنية. كما سطرنا برنامجا لذلك، منها تنظيم زيارات عمل مع مجموعة من برلمانات الدول الأوربية، للتعريف بالقضية الوطنية والتصدّي لمحاولات تشويه الحقائق، التي يقوم بها الخصوم وجبهة البوليساريو، ويحاولون بها التأثير على مجموعة من البرلمانيين من المدخل الحقوقي أو من مداخلَ أخرى.. وكلفنا لجنة فرعية بهذا المجال وسطرنا جدول أعمال يضمّ أنشطة داخل المغرب وخارجه. كما تزامنت فترة رئاستي اللجنة بإبرام عدد من الاتفاقيات الدولية المهمة، منها اتفاقية التبادل الحرّ مع الولايات المتحدة الأمريكية وحصول المغرب على دعم ميثاق تحدّي الألفية، وكانت فرصة لمتابعة هذه الاتفاقيات بشكل حثيث...
ويمكن القول إن رئاسة هذه اللجنة أتاحت لي فرصة لاستقبال العديد من وفود الدول المختلفة والمنظمات التي تزور المغرب في إطار أنشطة مختلفة بالبرلمان، حيث استفدت في عدد مهمّ من الجوانب..
أنت من مؤسسي منتدى الزهراء للمرأة المغربية، أيضا، كيف أفادتك هذه التجربة؟
منتدى الزهراء للمرأة المغربية هو واحدة من الجمعيات التي كنت من مؤسّسيها.. وقد جاءت كفكرة من أجل لمّ جهود مجموعة من الجمعيات المتقاربة في الأهداف والتصورات والأفكار. ونلت شرف رئاسة المنتدى من عام 2002، سنة التأسيس، إلى سنة 2009، حيث انتهت الولايتان المسموح بهمها وفق القانون الأساسي.
وقد بدأ منتدى الزهراء، الذي حمل كشعار "امرأة مُكرَّمة، أسرة متماسكة وتنمية أصيلة"، كشبكة تضم 20 جمعية، ظلّ يتوسع إلى أن وصلت الجمعيات المنضوية في النسيج الجمعوي التابع للمنتدى الآن حوالي 100 جمعية نسائية، حقوقية وثقافية، تشتغل على قضايا المرأة والأسرة في مختلف جهات المملكة.. واستطعنا أن نطور عمل المنتدى، ما مكنه من التواجد المؤثر على الصّعيد الوطني والمقدَّر على الصعيد الدولي، إذ تمكنا من الحصول على صفة عضو استشاري في المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة وعلى العضوية في العديد من المنظمات الدولية.. وهي تجربة جد مهمة، لاسيما في ما يتعلق بصياغة المذكرات ورفع المقترحات والتوصيات، إذ شارك المنتدى في أوراش مهمة، منها ورش مدونة الأسرة، وورشي تعديل قانون الجنسية، وورش تعديل الدستور وغيرها...
لماذا اخترتِ المدرسة المحمدية للمهندسين؟
منذ الصغر كنت أحلم أن أكون مهندسة.. رافقني هذا الحلم طيلة مساري الدراسي، فاخترت شعبة العلوم الرياضية، لأتمكن من بلوغ هذا الهدف. وأذكر أن خالي، وهو خرّيج المدرسة المحمدية للمهندسين، حاول ثنيي عن الالتحاق بالمدرسة عندما حصلت على شهادة البكالوريا وعلِم برغبتي تلك، من منطلق أن هذا التكوين صعب على الإناث.. لكنني بقيت مصرّة على اختياري. وفعلا، بعد حصولي على شهادة الباكلوريا بميزة، تمكنت من الالتحاق بالمؤسسة وعمري حينها لم يتجاوز الـ17. وكان ولوج مدارس المهندسين آنذاك لا يمرّ عبر الأقسام التحضيرية.
ما هي أقوى الطرائف التي عشتها داخل داخلية المؤسسة؟
خلال السنة الأولى والثانية في المدرسة لم أكن أقطن بالداخلية، لكنْ بعد أن تحولتْ إلى مؤسسة شبه عسكرية أصبح النظام الداخلي إجباريا، فالتحقت آنذاك بداخلية المؤسّسة، وأتذكر في هذا الصدد الألفة الجميلة بين طالبات المؤسسة، اللواتي كنّ معدودات على رؤوس الأصابع، نظام الأكل المبكر، وموعد العشاء، الذي كان في السادسة مساء.. وقد كنا من طول السّهر للتحصيل الدراسي نشعر بالجوع، فكانت الواحدة منا تطرُق غرفة الثانية وتسألها هل وفرتْ شيئا للأكل، مهما كان بسيطا، فإنه يغدو ذا قيمة حينها..
ومن الطرائف التي ما زلت أذكرها أنه في إحدى المرات كانت الطالبة التي تقاسمني الغرفة داخل الداخلية تتحدّث وهي مستلقية على فراشها، تسألني عن مسألة عالقة في الهندسة، وأنا أجيبها.. لأكتشف بعد ذلك أنني كنت أحدّث نفسي فقط وأنّ زميلتي كانت تتحدث وهي نائمة..
حلمت أن تكوني مهندسة، لكنك سرعان ما غيرت الوجهة نحو التدريس، لماذا؟
ربما كان السبب هو زواجي في سن مبكرة، ثم الأطفال وواجب رعايتهم والأمومة وما إلى ذلك من مسؤوليات..
صحيحٌ أنني عندما تخرّجت اشتغلت كمهندسة لمدة قصيرة في إحدى شركات القطاع الخاص، لكن بعد ذلك، انتقلت للتدريس في الجامعة، بداية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كأستاذة لمادة الإعلاميات في المدرسة العليا للتكنولوجيا في فاس. وعندما انخرطت في مهنة التدريس، سرعان ما استأنست بها وأحببت عملي واستشعرت مسؤولية تنوير العقول والمساهَمة في بناء الأجيال.. كما أحببت كثيرا تأطير مشاريع نهاية الدراسة للطلبة، وكنت أفرح بفرحتهم حين ينجزون مشاريعهم ويُنهون دراستهم ويحصلون على دبلوماتهم. وهكذا مارست مهنة التدريس لمدة ثمان سنوات في فاس، وبعد ذلك انتقلت للتدريس في جامعة ابن طفيل -كلية العلوم في القنيطرة.
متى ارتديتِ الحجاب؟ وهل يتعلق الأمر باختيار شخصي؟
كان الأمر اختيارا شخصيا، فرغم أن أسرتي كانت أسرة متدينة ومحافظة، فإن فكرة الحجاب لم تكن مطروحة بشكل كبير. وفي السنة الأولى من ولوجي مدرسة المهندسين، وبالضبط في فترة "البيزوطاجْ"، التي تسبق مرحلة الدراسة، حاول بعض الطلبة تشكيكي في منظومة القيم الإسلامية، وكانوا يقدّمون الإسلام بصورة سيئة، فكنتُ أدافع عنه، لكني وجدت أنني لا أمتلك أدوات الدفاع، فأنا مسلمة بالفطرة، ولكنْ لم تكن لدي أي معطيات حول الدين الإسلامي، وهو ما حفزني على البحث والرّجوع إلى بعض الكتب والمراجع الدينية.. كما تمعنت في القرآن الكريم بشكل كبير، فوجدت بعض الآيات التي تتحدث عن اللباس وتحثّ على وضع خمار فوق الرأس، فقررت الالتزام بذلك.. وبالطبع، كان الأمر مفاجأة كبيرة لعائلتي، بداعي الخوف من أن يعرقل هذا الزيّ مساري الدراسي والمهَني.. لكنني نجحت في إقناع أسرتي باختياري، بل إنّ أخواتي كذلك اخترن الاختيار نفسَه.
كيف كانت طفولة الوزيرة؟ وما هي أبرز محطاتها؟
قضيت جزءا يسيرا من طفولتي في مدينة مراكش، مسقط الرأس، وانتقلت بعدها مع الأسرة إلى مدينة الدار البيضاء، وقد كانت طفولة عادية.. تلقيت تعليمي الابتدائي في المدرسة العمومية تلبية لرغبة الوالد، في الوقت الذي كان أبناء عمومتي يتابعون دراستهم في مدارس البعثات الفرنسية..
وأذكر أن القنصل الفرنسي آنذاك زار والدي وحثه على تسجيل أبنائه في مدارس البعثات الفرنسية، لكنّ والدي بقي مُصرّا على تدريسنا في المدرسة المغربية. ومن الطرائف التي أذكرها أنني ولجت المدرسة وعمري لم يتجاوز 5 سنوات، والتحقت بعد مرور حوالي شهر ونصف على الدخول المدرسي.. وجدت التلاميذ يلتزمون الصّف مثنى -مثنى، لكنني تقدّمت مباشرة إلى مقدّمة الصف ووقفت بمفردي، وأنا لم أفهم بعدُ قواعد الدخول، فما كان من المعلم إلا أن حمَلني على كتفه بحنان أبوي وأوصلني إلى الفصل.. مازالت هذه اللحظة موشومة في ذاكرتي، لأنّ حُسن معاملة المعلم وتصرّفه الأبوي كانا حافزين بالنسبة إليّ لمواصلة الدّراسة بنجاح..
ومن ذكريات الطفولة الجميلة، أيضا، حصولي على أحسن معدّل على صعيد جهة الدار البيضاء في قسم الشّهادة الابتدائية.. كان عمري حينها 10 سنوات، وأتذكر كيف كان إخوتي يمازحونني قائلين: لن تنجحي، فأنت صغيرة وتفرِطين في اللعب". بعد ذلك، انتقلنا إلى مدينة الرباط، حيث تابعت الدراسة في الإعدادي ثم الثانوي، والحمد لله وبتوفيق منه، كنت دائما أحصل على أحسن نتيجة في الفصل. وأقدم هنا شهادة لذكرى الوالدة، رحمها الله، فقد كانت تخصص كل جهدها لرعايتنا وتتبّعِ مسارنا الدراسي وتوفير الجو المنزلي الأسَري الهادئ لتيسير تحصيلنا الدراسي.
حاورتها: حنان النبلي
تعليقات
إرسال تعليق