الحركة الانتقالية بين آمال الأساتذة و إكراهات الإدارة و الفساد المسكوت عنه



عند اقتراب نهاية كل موسم دراسي تنتعش آمال ما يقارب ثلث رجال و نساء التعليم، و يبدأ الكثير من اللغط حول الحركة الانتقالية بين الآمال و بين واقع يصدم هذه الآمال و المتمنيات وواقع آخر يفيد انتظار فرصة أخرى قد تأتي أو لا تأتي. وبحسب المعطيات يشارك كل سنة عشرات الالاف من رجال و نساء التعليم، لكن نتائج الانتقالات تظل هزيلة (ما بين 7% و13%)  خلال السنوات الأخيرة  مما يجعل من الحركة الانتقالية هاجسا يراود الكثيرين و حلما بعيد المنال و قد تؤرقهم و تضعف مردوديتهم.

تبدأ هذه المعاناة مند اليوم الأول للتعيين، فعند التخرج من مراكز التكوين يصطدم الاساتذة بمقرات عملهم التي يكون أغلبها في المغرب العميق في اقاصي و قمم الجبال و هم في الغالب القادمون من المدن او اكملوا دراساتهم بها، فصعوبة العيش و قساوة الطبيعة و ضعف البنيات التحتية تزيد من تعميق هذه المعاناة فهناك من ينهي جميع وسائل النقل تقريبا للوصول الى مقر عمله فتجده يبدأ بالقطار ثم الحافلة ثم سيارة الأجرة فالنقل المزدوج الذي قد يشترك به مع البهائم بعده يمتطي الدواب ان أشفق عليه احد سكان المنطقة و الا فيكمل مشيا لمدة قد تصل الى ثلاث ساعات ،و هناك يحكي فيصل أستاذ للتعليم الابتدائي الذي كان يعمل بقمم جبال الاطلس الكبير بين مراكش و تارودانت انه عاش احلك ايام حياته حينها فهو القادم من مدينة مكناس حيث انه كان مجبر على قضاء شهور بتلك الجبال بحكم عدم توفر اية وسيلة نقل الا يوما في الاسبوع و كان يعمل بفرعية بمفرده فكان لا يتحدث الا مع تلاميذه الصغار الذين لا يجيدون سوى الامازيغية التي لا يفهم فيها حرفا. فكان يظل شبه صامت كل هذه المدة و في احدى العطل و في طريقه الى منزل العائلة ظل صامتا مندهشا عندما اراد ركوب الحافلة و هو يلتقف بعينه الحوارات الموجودة كأنها شيء غريب، فيقول فيصل اني كنت قريب من فقدان العقل، بعدها تنضاف معاناة اخرى فمن الاستاذات المتزوجات الراغبات في الالتحاق بأزواجهن أو العكس و هناك من يريد ان يبحث عن مكان للاستقرار رفقة عائلته ليضمن لأطفاله مستقبلا أفضل و يكون بالقرب من الجامعات و المستشفيات.
تتحول هذه المعاناة الى كوابيس لتصبح الحركة الانتقالية أمالا للتخلص منها. لكن ما يرغب به الأساتذة لا يعكسه عدد المنتقلين.
و يعود سبب قلة الاستجابة الى اكراهات عدة في نظر مسؤولي الوزارة الوصية، تعود بالأساس الى قلة الموارد البشرية و ضعف عدد الخرجين و أن أغلب الراغبين في الانتقال يتجهون صوب المدن و خصوصا الكبرى و هذا يبرر به هؤلاء المسؤولون حيث يقولون ان هذه المدن تتسم بفائض بالموارد البشرية يتعدى في بعضها 200 و لا يمكن قبول المزيد و اضعاف المناطق الاخرى التي تعاني من الخصاص.
هذه المبررات يرد عليها الأساتذة باتهامات للمسؤولين بسوء التسيير و الفساد الموجود في بعض الادارات المغربية يقول أحد اساتذة الثانوي التأهيلي ابن مدينة سلا و يعمل بنيابة اشتوكة ايت بها لا يعقل ان يكون فائض في بعض المواد بنايبة اشتوكة و خصاص تعيشه نيابة سلا و لا يتم تلبية رغبتي في الانتقال. ليضيف صديق محمد موضحا هناك بمدينة سلا يحرم بعض التلاميذ من التفويج في مادة الفيزياء بحكم الخصاص و هنا يوجد التفويج و فائض من الاساتذة و يضيف ان سوء التسيير ضارب بوزارة التربية الوطنية و أن مصلحة التلميذ تبقى شعارا فقط وأعطى مثالا بتكليف لأستاذة مادة التربية الاسلامية تدريس مادة الرياضيات و تكليف أساتذة الابتدائي يتوفرن على البكالوريا فقط  بالتدريس في الثانوي و اسنادهم لتلاميذ مقبلين على اجتياز الامتحان الوطني فيصبح التلميذ و الأستاذ بنفس المستوى لتعليمي رغم المجهودات التي يقوم بها هؤلاء يقول محمد و لا يتم السماح للأساتذة بالانتقال. اما الفساد فيضيف شخص من المطلعيين عل خبايا الوزارة ان ملف انتقالات الأساتذة ملف خصب للمتاجرة في معاناتهم، فلما كانت هناك حركة استثنائية و بدون معايير كانت تمر ملفات لا علاقة لها بالهدف النبيل المعلن للحركة. ليذكر كذلك بانتقالات غشت 2011 التي رافقتها ضجة و التي فاقت 50 حالة حيث تم نقلهم خارج كل المساطر القانونية فوقع قرار الانتقال على أساس طلب غير مؤرخ، و لما سكنت العاصفة، يستمر الأمر بعدها ليتم تعيين خريجين و اعادة تعيين اخرين في أماكن يطلبها من لديه سنوات عدة من الأقدمية فيتم اصدار لائحة التعينات للعموم تنشر على موقع الوزارة و هي تحتوي على ترتيب حسب الاستحقاق و بعدها يتم التلاعب بالتعيينات فنجد أستاذة للابتدائي (ن د) تم تعينها بجهة تادلة أزيلال لكنها بعد مرور شهر أصبحت تشتغل بسلا و يعلم أساتذة الابتدائي ماذا تعني سلا للراغبين بها يضيف فهي اماني غير محققة لمن قضى أزيد من عقدين من الزمن و هو يشتغل بين المداشر و القرى لتنضاف أمثلة أخرى لأساتذة تم تعيينهم بجهة العيون بوجدور او جهات اخرى بعيدة وبقدرة قادر أصبحوا بالعاصمة أو نواحيها كحالات (إ .ل) الذي انتقل من العيون إلى تمارة و(أ.خ) من لكويرة إلى سلا وحالات أخرى و هذه فقط عينة من العينات.
لتنضاف الى هذه الاتهامات المتبادلة، عدم المساواة و نقط الامتياز في الحركة و هذا يعمق الاختلاف بين الراغبين انفسهم و بين الادارة من جهة اخرى. فهناك طرف يستفيد من الأسبقية في الانتقال بمبرر الالتحاق بالزوج و هو طرح يدافع عليه الكثيرين بدواعي تجميع الأسرة، و هناك فئة اخرى متضررة اد تقول ان هذا التجميع يتم على حساب أسر اخرى تأمل الهروب من قساوة العيش و الاقتراب من الحواضر، تضيف ان هناك ملفات للالتحاق غير حقيقية و يشوبها التدليس، و يطالبون هؤلاء بإلغاء الإلتحاقات او جعلها في نسبة محددة تتيح للذين قضوا سنين بالبوادي امكانية الانتقال، ليزيد من معاناة بعضهم نقط الامتياز الممنوحة للعازبة و الارملة و الارمل و المطلقة و المطلق و المتزوج بربة بيت، فيقول الرافضون ان هذه الامتيازات  حيف اخر يتعرضون له، و هو باب للفساد.

طارق أحنين




تعليقات

المشاركات الشائعة