شوف تشوف : "جري طوالك" بقلم رشيد نيني




«اللي عندو باب واحد الله يسدو عليه»، هكذا يقول نور الدين عيوش صاحب مؤسسة زاكورة في نفسه، وهو يشاهد حلقات المسلسل «كنزة فالدوار» الذي باعه ابنه نبيل للقناة الثانية بدقة للنيف.
فالرجل استطاع أن ينقل معركته في سبيل ترسيخ التعليم بالدارجة، من الأبراج العالية للمثقفين والسياسيين، إلى عقر بيوت المغاربة البسطاء، وفوق هذا وذاك بأموالهم، وكأنه يلقم لهم من لحاهم.
والواقع أن قلة قليلة من المنتبهين استرعى انتباههم ما قالته الممثلة بوطازوط التي تلعب دور حليمة، للممثلة الزعيمي التي تلعب دور كنزة، في الحلقة الخامسة من السلسلة، فقد قالت وهي تتهجى بصعوبة رسالة مكتوبة باللغة العربية، «هاد اللغة متاتفهمهاش كوكب، هضرو مع الشعب بلغتو أناري، تواضعو شوية، هضرو معاه بالدارجة باش يفهمكم».

هذا المقطع وحده، والذي جاء نتيجة لسياسة دفاتر التحملات، يلخص «معركة» عيوش الأب والابن ضد اللغة العربية، وصراعهما المرير من أجل جعل الدارجة تأخذ، رغم أنف الدستور، مكان العربية في التعليم والتواصل. وفصول هذه المعركة بدأها عيوش الابن منذ سلسلة «لالة فاطمة»، التي كان يدس في حوارات حلقاتها الكثير من التوابل التي يعد بها عيوش الأب وجبته التعليمية.

وهذا يجرنا إلى اليوم الذي فقد فيه رئيس الحكومة زمام «هواه»، عندما استغل مداخلته في ندوة عن التعليم، ليشن هجوما شخصيا على نور الدين عيوش، إذ يبدو أن «الأفذاذ» الذين أعدوا له مداخلته في ديوانه لم ينتبهوا لمعطيات كثيرة.

فقد ذكر بنكيران عيوش ورماه بتهمة «المتاجرة» بالتعليم المغربي، مذكرا بالملفات التي كانت لعيوش مواقف منها، مثل ملف الدارجة والرقمنة والتربية غير النظامية، وهي بالمناسبة ثلاث ندوات، فالأولى والثانية واللتان تناولتا موضوعي الدارجة والرقمنة هي من تنظيم نور الدين عيوش، أما الثالثة فهي من تنظيم وزير التعليم في حكومته رشيد بلمختار. وما لم ينتبه له بنكيران في تلك المداخلة، وهو يصف عيوش بالعمالة لجهات «لا تتعب» حسب رأيه، ولم يذكرها، هو أن وزيريه في التعليم بلمختار قد حضر ندوتي عيوش، كما أن عمر عزيمان، رئيس المجلس الأعلى للتعليم كان حاضرا أيضا في الندوتين، وبصدد الحديث عن عزيمان، وليعرف بنكيران وزن عيوش، فالرجل الذي لا يفارق منزله بإسبانيا حيث أسرته وأبناؤه يدرسون، ويسير المجلس بالهاتف، اضطر أن يغادر منزله ويحضر شخصيا الندوتين معا، بل ويلقي مداخلة تذهب في الاتجاه نفسه الذي ذهبت إليه مداخلة عيوش.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل الوزيران اللذان حضرا ندوتي عيوش صنعا ذلك بصفتهما الوزارية أم الشخصية؟
والجواب طبعا واضح وصريح عند كل من حضر الندوة، إذ تم تقديمهما بصفتهما الوزارية، إذن هل يتعلق الأمر بحكومتين لهما موقفان متناقضان من عيوش، حكومة تعتبره «عميلا» وأخرى تعتبره «نبيلا»؟ أم أن كل هذا العنف الشخصي في تخصيص عيوش بالهجوم مرده للشعور العارم بـ»الشمتة» والذي ينتاب العدالة والتنمية منذ أن قبلوا كرها استوزار وزير تكنوقراطي لا يتردد في مدح «وزير أول» يرجع لما قبل حكومة التناوب هو عبد اللطيف الفيلالي، ويقيم حصيلة العمل الحكومي للنسخة الأولى من الحكومة بكونها كارثية.

فعندما انتقدنا في وقت سابق «أسطورة» وحدة العمل الحكومي، وقلنا إن الحكومة أصبح فيها كل وزير «يلغي بلغاه»، خصص لنا بنكيران ورهطه تهما وشتائم على مقاس، ولا أدري ما هو موقفهم الآن، وهم يرون رئيس الحكومة يتهم رجلا بالعمالة والمتاجرة وفي الوقت ذاته، نجد وزيره في التعليم، وفي الأسبوع ذاته، وقد وقع معه اتفاقية تمنح «مول الحانوت» هذا صفة الشريك، صفة تمكنه من استغلال الممتلكات العمومية، المتمثلة في المؤسسات التعليمية، لإحداث أقسام للتعليم الأولي، ثم استقبال التلامذة المتخرجين من مدارس عيوش، في مؤسسات التكوين المهني، بالرغم من أن أبناء الشعب الآخرين لا يجدون لهم مقاعد في المؤسسات. هل لهذه الدرجة انفلت بلمختار من سلطة رئيسه المباشر؟ هل حقا لا يعلم بنكيران بالاتفاقية؟

وطبعا ما كتبناه أعلاه ليس دفاعا عن عيوش، فالرجل ليس من صنف «الملائكة»، فهو كأي رجل أعمال «طالع واكل نازل واكل»، فما تقوم به مؤسسته في التعليم هو نفسه ما قامت به في مجال القروض، فهي تستثمر وتمتص الدماء ولكنها تتباهى بكون أهدافها تنموية، لكون المنظور العالمي الآن في مجال القروض الصغرى يزكي طرحه ويدعمه، وهذا نقاش آخر، فعيوش يفتخر بكونه أنقذ أسرا لكونه موَّل مشاريع صغيرة، المتمثلة في تمويل بضعة رؤوس ماعز أو أرانب، ولكنه لا يصرح بعدد الذين أرسلهم إلى غياهب السجون لكونهم لم يسددوا أقساطهم لمؤسسته، كما أنه لا يصرح بمئات الموظفين الذين شردهم عندما أوقف عمل المؤسسة قبل أن يبيعها للبنك الشعبي الذي تشغل فيه زوجته منصبا مهما.

وإلى هنا يمكن اعتبار  الأمر عاديا جدا، فعيوش «واضح مع راسو»، فهو يؤمن بكون بتوصيات صندوق البنك الدولي مقدسة ولا يخفي ذلك، بل وصرح به في ندوته مع العروي أمام الملأ وبالبث المباشر، واستدل بأرقام هذا البنك، بصفتها حقائق قاطعة، وهو يعمل وفق هذه الأجندة، إنما بنكيران وهو ينتقد عيوش ويصفه بالعمالة لجهات «لا تتعب» كما جاء في مداخلته سباقة الذكر، لم يمتلك الشجاعة ليذكر هذه الجهة، أي صندوق البنك الدولي الذي يعتبر رئيس الحكومة الفعلي في المغرب، وهو الذي استقبل مديرته «كريستين لاغارد» قبل أسابيع، وعبرت عن كونها استفادت من لقاءها بنساء مغربيات أكثر مما استفادته من المسؤولين المغاربة، بل و»جبدات الودن» لبنيكران، عندما صرحت أن السياسة الاقتصادية للحكومة قتلت الطبقة الوسطى، وطبعا بنكيران ابتلع لسانه.
لذلك نقول ونؤكد أن المشكلة الكبرى ليست في كون عيوش يخدم مصالح صندوق البنك الدولي، والقوى العالمية المتحكمة فيه، بل المشكلة في رئيس حكومة الذي يكتفي بالاتهام، ناسيا أنه رئيس الحكومة يفترض أن يعمل أكثر مما يتكلم، لذلك فما رأي بنكيران في كون عيوش سيدخل للمجلس الأعلى للتعليم بصفته «خبيرا مشهود له بالخبرة»، كما ينص على ذلك القانون التنظيمي للمجلس والذي تمت المصادقة عليه قبل أسابيع في البرلمان؟

بمعنى أن «مول الحانوت» هذا سيكون حاضرا أثناء صياغة السياسة الإصلاحية المقبلة للقطاع، ولبنكيران أن يتصور حجم هذا الحضور، وسيرى الرأي العام إن كان سيقدر، بصفته رئيسا للحكومة، على رفض أي من المشاريع التي سيتقدم بها عيوش عبر المجلس الأعلى للتعليم، والتي ستمر لزوما من مكتبه للمصادقة عليها في المجلس الوزاري، وبلغة أخرى «جري طوالك».

نستطيع أن نتكهن من الآن أن جواب رئيس الحكومة سيكون هو الصمت، تماما مثلما فعل عندما وضع بين يديه وزيره في التعليم سابقا بالجزء الثاني من افتحاص البرنامج الاستعجالي، وهو البرنامج الذي كلف عشرات المليارات من الدراهم كما يعلم الجميع، دون نتيجة.

والسؤال هو أليس جديرا برئيس الحكومة أن يطلع الرأي العام عن هؤلاء الذين أفشلوا البرنامج الاستعجالي وبددوا أموال دافعي الضرائب؟ أليس جديرا به أن يسعى لتطبيق مبدأ ربط المحاسبة بالمسؤولية بدل الاكتفاء بالكلام كما هي عادته؟









تعليقات

المشاركات الشائعة