سجل يا وزير: أنا أدبي مجاز ولست عالة وأنا خطير على الحكومة




بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أقول إن شر “الترمضين” هو الترمضين الحكومي. أسباب التعوذ هذا هو أن وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، لحسن الداودي ـ غفر الله له ـ أعادني وجيلي إلى أسطوانة قديمة تقوم على التقابل الدلالي واللفظي: “علمي” “أدبي” “تاريخ” و “جغرافيا”..”هندي” كراطي” قبل أن ينتهي عهد القاعات السينمائية طبعا.

سعادة الوزير اعتبر حاملي الإجازة عالة على الآباء والمجتمع وزاد في الطين الحكومي بلة حين حكم وجزم أن ازدياد نسبة الأدبيين في الجامعات المغربية صار يشكل خطرا على البلاد.يا سبحان الله، لو كنت أعلم أن السيد الداودي مدمن على شىء ما لالتمست له العذر في يوم صيامه، لكن الرجل حسب علمي متدين وبعيد عن “خوارم المروءة” كلها، فأي شيطان هذا الذي نزغ به ليقول في حق الأدبيين والمجازين ما تفوه به؟؟


سيدي الوزير، سأطبق معك في تلغرافي هذا كل آداب الصيام، ولن أترك لشيطاني أدنى مساحة أدبية أو علمية لأذنب في حقك:السيد الداودي: بما أن الأدبيين خطر كبير على البلاد والعباد، فلا بأس أن تكون منسجما مع نفسك وتعمد في الموسم الجامعي المقبل إلى إغلاق كل كليات الحقوق والآداب والشريعة والدراسات الإسلامية واللغات الأجنبية لأنها ـ حسب زعمك أنت ـ خطر متفاقم قد يكون السبب في خراب الأمة المغربية.هذا من الناحية المنطقية.وبما أن “جحافل” الأدبيين التي أزعجتك كثيرا تأتي من الثانويات والإعداديات فيجب أن تغلقها عن بكرة أبيها وأمها “وجامعتنا ما عندها باس”، وبهذا تكون وجدت الحل الثوري الجذري لهذه الكارثة الوطنية المنحصرة في الأدب والحصول على الإجازة.ولو اتبع الناس زبر الداودي فبعد عقد أيها الناس لن نجد قاضيا ولا محاميا ولا عدلا ولا شاعرا ولا صحافيا ولا ناقدا و لا إمام مسجد …ولا حتى كاتبا عموميا…وساعتها سنقول الله يرحم الداودي ويغفر له، ما ترك لنا غير الأطباء وعلماء الميكانيكا وعلماء الذرة وفطاحل الميكروبيولوجيا ودهاقنة البحث العلمي.

لقد حل المغرب كل مشاكله وحرر سبتة ومليلية والجزر الجعفرية وأغلق ملف الصحراء المغربية وأنهى قضية الصحراء الشرقية، ولم يبق أمام البلاد سوى التصدي لمصيبة ارتفاع نسبة الأدبين بنسبة تسعة في المائة مقارنة مع السنة الماضية.ولكي يمعن السيد الداودي في إهانة مئات الآلاف من خريجي الجامعات المغربية قال إنه “لم تعد لنا المساحة الكافية لإيجاد تلاميذ في الرياضيات، في ظل طغيان كليات الآداب والحقوق، والتي أصبحت ملجأ للذين لا يجدون سبيلا آخر للدراسة”. ها أنتم ترون كيف أصبح طلبة الحقوق والآداب طغاة يكتسحون الحرم الجامعي ويضيقون على “شعب الله المختار في الرياضيات”.حاولت بصدق أن أجد منطقا مستعارا لهذا التصريح الخطير من قبل وزير مغربي، لكني لم أهتد سوى إلى تطبيق آلية البرهان بالخلف التي درسناها في مادة الفلسفة التي لن يبقى لها وجود لو حقق الداودي حلمه بوأد الأدب.وعليه، دعونا نسير مع السي الداودي إلى أبعد نقطة في تصوره الغريب:السيد الوزير، الأدب لا يصلح لشيء في منطقك وبناء عليه نطلب منك التالي:عزل كل الوزراء غير “العلميين” في حكومتكم وتعويضهم بآخرين”علميينإصدار قانون يحرم تعاطي الأدب مثلما يحرم القانون تعاطي الحشيش.


تسريح كل القضاة والمحامين والسفراء الذين في حوزتهم شهادات أدبية.مصادرة وإحراق كل الكتب الأدبية بالمكتبات المغربية فهي لم تعد صالحة لشيء.البحث في السير الذاتية لكل المدراء الكبار في الإدارة المغربية والاستغناء على غير “العلميين” منهم.تسريح كل الأمنيين المغاربة بجميع رتبهم إن لم يكونوا من حاملي الشهادات العلمية في الرياضيات أو الفيزياء أو الجيولوجيا.استقالتك من الوزارة لأنك حاصل على الدكتوراه في العلوم الاقتصادية، وكما نعلم فأنت ابن النظام التعليمي القديم وقد كانت هذه الشعبة تعتبر أدبية، وينبغ فيها “الأدبيون” لا “العلميون”.سيدي الوزير،

تصريحك استفزني كثيرا لسببين أولها أني أدبي وثانيهما لأني مجاز ولست “موجزا”.ولم أكن أدبيا عاديا بل كنت أحصل على المراتب الأولى على الصعيد الوطني في الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي.وتصريحك أثار في الغثيان لأني خلاف ما زعمت لست عالة على المجتمع ولا على الأسرة، بل أجد في كثير من الأمور أني أقاتل كي لا يصبح هذا الوطن وحكوماته عالة علينا كمجتمع: لم أطالب الدولة بعمل في القطاع العام، لم أعتصم في أي مكان كي تشغلوني مدرسا أو إداريا، لم أقترض من بنوككم درها واحدا كي تدعموا مشروعا لي، لم استفد ولم أطالب بالاستفادة من أي سكن، لم استفد من أي ريع، لم أحصل على منحة للدراسة في الخارج كما أبناء حزبكم وأبناء باقي الأحزاب وزعماء النقابات، لم أشتغل في ديوان أي وزير، لم أطالب بأي تعويض في أي دفاع قمت به في سبيل ثوابت الأمة ووحدة أرضنا…هذا كله لأني أديب ومتأدب وينطبق علي كلام الشاعر الكبير محمود الطويل:
أنا الأديب وأنتم أدرى
وعاشق الناس والخضرة
لا عمري طبلت ف حضرة
ولا قلت حاضر للنصاب

في الأخير، سيادة الوزير، نحن في هذا المغرب لسنا سوى حقول لتجاربكم التعليمية والاستهلاكية والسياسية، وبما أن “العلميين” يؤمنون بالتجربة فإني أدعوك وباقي أعضاء الحكومة لأمرين:على الصعيد الشخصي أقبل الرهان كي أتقدم معك فقط لمباراة تمتحن فيها قدرات هذا “الأدبي المجاز التافه” مقارنة بالوزير العلمي، وأن تكون اللجنة محايدة وعلمية، فإن رسبت أمامك سأعتذر وأنسحب من الكتابة نهائيا، وإن تفوقت عليك فاحترم نفسك وانسحب من الوزارة والسياسة.على الصعيد الموضوعي، لدي الحل غير الترقيعي لكل المعضلات التعليمية والإعلامية التي عجزت أنت عن حلها، كما فشل فيها من سبقوك من وزراء التربية ووزراءالإعلام، ولن أبوح بها لكم مجانا، ما لم يكن الأمر علنيا، ساعتها سيكون الحكم للشعب الذي أوصلكم لسدة الحكومة ب”علمييكم” و”أدبييكم”.


أحمد الجلالي
londonsebou@hotmail.co.uk


تعليقات

المشاركات الشائعة