إلى أساتذة العـــالم القروي : إلى متى الصمت ؟؟




في كل صباح..و أنا أتصفح سطور المجموعات الفيسبوكية الخاصة بالأساتذة…أشعر بمغص في داخلي…بألم من شدة الضعف و الهوان و الذل الذي وصلنا إليه…بظلم المجتمع لنا…بظلم رؤسائنا لنا…بظلم كل من يسير منظومتنا التربوية…لكن في الكثير من الأحيان…برغبة منــا…لأننا ببساطة استسلمنا للذل و طأطأنا رؤوسنا مهطعين له… 
سؤال لا جواب له…”إلى متى الصمت؟”…لا جواب له إلا من وراء شاشات تخفي ضعفنا… 
أتشعرون مثلي بحجم العار الذي نتخبط فيه؟؟؟ هل تتألمون و تبكون و تغضبون …دون أن تبرحوا أمكنتكم مثلي؟؟ هل تدركون فعلا هول ما يقع لنــا؟؟ 
بماذا سأبدأ إذن؟؟ 
حركة انتقالية مجحفة و لسنوات طوال تعد بالثواني …تدهورت فيها صحتنا…و شاب شعر رؤوسنا…و ضاع فيها مستقبلنا …كل سنة ،كل موسم ،كل حركة…الأسبقية للمتزوجات…خروقات و رشاوى و تدخلات و تمييز و ظلم…و نحن نسبح في بحار الصمت لأننا لا نستحق…لأننا مجرد “فتيات عوانس و عازبات” لأننا مجرد “مسنين غزا الشيب رؤوسنا وتجعدت تقاسيم وجوهنا.. وكبر أبناؤنا و لم يتعود أحد على سماع أصواتنا “…و لأننا “شباب قوي فتي عازب ملزم بالعمل في الخلاء لا بالانتقال”…و لأن أزواجنا ليسوا موظفين و لا…بل عاطلين عن العمل أو مرضى أو…لأن زوجاتنا لسن إلا ربات بيوت …لا يجب أن نستفيد… 


سكن متهاو و حجر ضيقة و غياب لأبسط مقومات العيش…نطوف في الدواوير نستجدي رحمة السكان و شفقتهم للحصول على غرفة آمنة أو شربة ماء باردة أو كسرة خبز جافة…تقض مضاجعنا حشرات زاحفة سامة…و ثعابين قاتلة…و جرذان و عقارب…ترتعد فرائسنا في طريق الخلاء أو داخل جحورنا خوفا من اقتحام أو سيل لمياه الأمطار أو… 
حجر دراسية بلا أبواب…أو بلا نوافذ…مدخل لكل من هب و دب …و أينما وجهت وجهك تجد ثقبا أو حفرة أو أخدودا في الجدران…سقف يتدلى على رؤوس صغار أبرياء حياتهم لا تساوي شيئا…ساحة من صخور تجعلك تشعر بقلبك يتمرغ في داخلك كلما تخيلت سقوط أحدهم أثناء الاستراحة…أو ساحة من طين…تثبت أقدامهم الصغيرة و تثقلها بأوحال لاصقة …مدرسة في خلاء لجميع المهام…للتدريس ..لقضاء الحاجة و لتسكنها رغما عنك…فوق تلة عالية…وحيدة خارج الدوار….أو وسط واد سحيق… 
عيشة بلا كرامة…أمطار غزيرة تقطع عنك الطريق…تزيد من عزلتك…فتظل أياما بلا ماء صالح للشرب..بلا خضر…بلا فاكهة لأسابيع طويلة…بمن ستتصل و كيف؟و هاتفك أضحى مجرد منبه أو يرقد في حقيبتك ينتظر عودتك…تظل محروما من أكل تشتهيه و من سماع صوت أحبتك و من حمام دافئ…و من صحبة تخفف حزنك و وحدتك…تسقي عطشك بماء آسن و تطفئ ظلمة غرفتك بضوء شمعة خافت….تزداد آلام رأسك…بصرك…أمعائك…و…ما التالي؟؟ 


أسرتك..تضطر من أجلهم للرحيل و العيش في قفار بعيدة…تترك خلفك أما مسنة أو أرملة ..أو أبا عاجزا…و إخوة صغارا بحاجة إليك…رغما عنك تجبر زوجتك التي ترعرعت في وسط كريم …على العيش معك…تقاسمك همومك و تحرم نفسها مما حرمت منه…تتحمل كل الظروف من أجلك …يأتيك أطفال و بدلا من أن تفرح تأخذ رأسك بين يديك و تصرخ “أين سيكبر إن لم أنتقل”؟…فتراه سنة بعد سنة يكبر مع جديه بعيدا عنك…أو معك في خلاء تخجل من أسئلته البريئة…و إن لم تفعل ذلك فأكيد ستكتفي برؤية زوجتك و أولادك في المناسبات فقط أو في العطلة الصيفية…فأي زواج هذا؟؟…البعض يفضل كونه عازبا على البقاء متزوجا عازبا !! 
و…رغم ذلك…إياك أن تمرض!! فأنت لا يجب أن تمرض…كيف لك أن تمرض؟!!! أكتب حقا مديرك أنك “تتمارض”؟؟ بعد كل ما قاسيته لشهور و سنوات…تجد نفسك تتجه إلى أن تصبح مشروع “مجنون” …إما أن تفقد صوابك كما حدث للبعض…أو تنسيك آلامك و احتقارك لنفسك غضب الله فتشنق نفسك ظنا منك أنك أخيرا ستستريح من عناء التحقير و الذل…لا يجب أن تمرض…فأمعاؤك من نوع جديد…و بصرك حديد…نفسيتك في أحسن حالاتها…لا يعلمون أو يتجاهلون أنك تحمل من الهموم ما لا تطيق…همومك..هموم أحبائك…هموم وطنك…هموم تلاميذك…تغيرت حياتك 360درجة…تغير نمط عيشك و أكلك…و فقدت الرغبة في العيش و القراءة و الدراسة …فإياك أن تمرض!! 
خط أخضر…”مقدم غبي” يطلب منك معلوماتك الخاصة!!…قائد أغبى يتبجح بسلطته عليك أمام الآخرين…مدير متواطئ لا يتفهم ظروفك ويفضل زميلك أو زميلتك عليك…نيابة لا تعرف لك اسما و لا تحمل لك هما…وزارة تكلفك فوق طاقتك…30 ساعة من العمل…6 أيام لا كغيرك من الموظفين…ساعات تضامنية زورا و بهتانا…تغامر بحياتك يوميا لتصل إلى بيتك…ليس لتستريح…بل لتعمل و تحضر و تفكر و تحمل هم الغذ…تقطع مئات الكيلومترات كل يوم ..أو كل شهر…حوادث سير تلاحقك…مصاريف يومية…مناوشات من هنا و هناك…لا أحد يهتم إن تعطلت سيارتك أو مرض ابنك أو أغمي على والدتك…لا أحد…المهم أن تعمل… 
أنت و أنا مجرد قطعة شطرنج …يسدون بها الخصاص …يخفون بها الأشباح ..هذا لأنه ابن فلان..و هذه لأنها زوجة فلان…يسكتون بها أولياء التلاميذ…يرضون بها مصالح الموارد البشرية و نزوات النفايات النقابية…اصمت…فأنت مكلف بكذا و كذا…و بالمنطقة الفلانية…لا شأن لك…فهذه هي المصلحة الوطنية…و غيرك ينعم بــ3 انتقالات في ظرف وجيز… 
أنت أستاذ…أستاذة…رجال التعليم…تصرف ..اجتهد…أبدع…أمامك حجرة واحدة ..قد تكون أو لا تكون لائقة…بها ثلاث مستويات…بل أربع…عذرا….بل المستويات كلها…درس…اعمل بجد..ابتكر…أنت الآن 6 في واحد ولا يحق لك أن تمرض أو تستريح أو ترفض…اعمل عمل زملائك الأشباح فهم لا يتحملون مثلك…تحمل عواقب سوء التدبير في بلدك…هم يهمسون لك في أذنك بمعنى آخر و صريح…”لا تدرس هؤلاء الصغار بل راقبهم فقط…احتفظ بهم…لا يمهنا أن يتعلموا…هل سينفعنا تعليمهم في شيء؟؟” 
كل هذا بدون تعويض…لا تعويض عن السكن و لا عن المرض و لا عن المخاطر التي تواجهنا كل يوم…نصلح الحجرات من مالنا الخاص…دفاتر و كتب و أقلام و… من مالنا الخاص…صباغة السبورات و الوسائل التعليمية و تزيين الأقسام و إصلاح النوافذ و الأبواب من مالنا الخاص…مصاريف الطبيب و العلاج و الأدوية و التنقل من مصحة إلى أخرى …من مرتب نريد منه العجب العجاب!! 
هل انتهيت الآن من ذكر ما نتحمله كل يوم يا سادة؟؟أكيد لا….هناك الكثير الكثير…فلم الصمت؟؟؟ 
نحن لا نساوي لديهم شيئا…لا شيء على الإطلاق…تعرضنا للسرقة و الاعتداء و الاقتحام و الاغتصاب و فقد البعض منا هيبته و عينه و صحته و أسرته …لكن وزارتنا الموقرة …نياباتنا لم تحرك ساكنا….و سيظل الحال هكذا … 
نحن قوة…نحن لا ندرك بعد أننا نستطيع أن نغير كل شيء…بوقفة واحدة و صرخة واحدة…باتفاقنا و خروجنا …لكننا نفضل الخنوع و الخضوع… 
شيء واحد سيجعلني أغادر هذا المجال قريبا…و هو الذل …أعرف..لا أحد يبالي..كما دائما ..لا أحد يبالي… 
فــــ…..إلى متـــــــــى هذا الصمت؟؟


حسنـــاء أحمد

تعليقات

المشاركات الشائعة