عندما يعتقل الأستاذ !!
فور الانتهاء من الإجراءات الإدارية القضائية المتعلقة بوضع المعتقلين بالحراسة النظرية بتهم واهية و جاهزة، يدعوك الأمني الى السير أمامه نحو مكان مجهول فتمشي بخطى ثابتة الى أن تصل سلم يهوي الى أسفل الكوميسارية، و مباشرة بعد أن تضع قدماك في السلم و تنزل تحت الأرض و الظلام الدامس يزداد سوادا و قتامة، تتفاجأ بأصوات غريبة و قوية منبعثة من أسفل الدرج، و يفتح البوليسي المرافق لك الباب فتحصل المفاجأة الكبرى، أناس بثياب مهترئة و متسخة و يصرخون بأصوات قوية و مزعجة و أغلبهم لا يعون ما يفعلون، فهناك من يلطم وجهه مع الجذران، و هناك من يتوسل البوليس و المعتقلين سيجارة أو مشتقاتها المخدرة، و هناك من يعربد و هو في سكر طافح يندد باعتقاله التعسفي بسبب السكر العلني و يعتبر ذلك حق ماداك معظم المغاربة يشربون الخمر و يعربدون ليل نهار، و جواب جميع الحراس الأمنيين على هؤلاء هو الركل و الرفس و الكلام النابي الذي موضوعه تحت الحزام، و ذلك أمام مرأى و مسمع الجميع بما فيهم النساء المعتقلات... ومباشرة بعد اكتشاف هذا العالم الغريب و الرهيب، يقترب منك رجل شرطة و يهمس في أذنيك " ودابا نتبادلو.. أنت عطيني هاديك رجل تعليم وخا الأجرة هزيلة و ضايعين في الحقوق ديالكم كما تدعون، و نعطيك أنا هاد الخدمة واخا ضابط شرطة وتخدم هنا؟ واش متافق؟؟"، لا جواب من جهتي غير التحليق بشغف للمعتقلين و المكان و الزنازن الثلاث الرثة...
قبل أن تلج للزنزانة تمر عبر مركز تضع فيه ممتلكاتك و كل حاجياتك، فيدون الحارس كل ممتلكاتك قبل أن يدعوك في الأخير لإزالة حزام السروال، ترد على هذا الأمر، كيف؟؟ نعم حيد السمطة ديال السروال، ترد و لكن.. ماكاين لا ولكن و لا هم يحزون، حيد السمطة و فك علية؟؟ ترد، و لكن... راه السروال مامزيرش و غادي.. أسيدي نعطيك شي ميكة باش تربط سروالك المهم حيد السمطة وهذا هو القانون المعمول به هنا، فتخرص عن الكلام و تبتلع لسانك، و تحس بأن دموعك يسابقونك، و تنظر الى الحارس نظرة المنهزم و المستسلم للعدو بعد معركة، و تحس بأن كرامتك الإنسانية دست في شيء ربما أكثر من التراب، و لم يعد لها معنى يذكر. فتنهض من جديد و تحاول أن تظهر لزملائك و كأن شيئا لم يقع و تبتسم في وجههم ابتسامة صفراء، لتزرع الأمل في قلبك و قلوبهم.
و مباشرة بعد دخول الزنزانة، جميع المعتقلين و الذين جميعهم معتقلي حق عام، و موقوفون بتهم سخيفة تتعلق السكر العلني و تناول الحشيش، و تركوا الشفارة الصحاح و اعتقلوا واحد شارب كأس ماحية أو بعض الغرامات من الحشيش... فينظرا إلينا باستغراب شديد، ربما لأن وجوهنا ماشي ديال الحبس كما قال أحدهم، فيشرعوا في طرح الأسئلة المعتادة بين المعتقلين، من قبيل علاش جابوك لهنا؟؟ فنرد نحن أساتذة واعتقلنا على خلفية إضراب، فيصرخ أغلبهم هادشي ماشي معقول؟ واش الأستاذ يتشد في الحبس هادشي ماعمرو كان؟؟ و أحدهم صار يصرخ بهيستيريا شديدة بسبب هذا الخبر "واش الشفارة تشدوهم، و السكايرية تشدوهم، و الحشايشية تشدوهم، و الأساتذة تشدوهم... وا بغيتوا تبقاوا برى غير انتوما؟؟" يقصد المسؤولين ديال البلاد...
عبد الوهاب السحيمي
تعليقات
إرسال تعليق