زيد السوايع فظهر المعلوف 'الجزء الأول' بقلم رشيد نيني
الحرب المعلنة التي تخوضها وزارة التربية الوطنية على المتعاطين للساعات الإضافية المؤدى عنها، تعكس بوضوح أزمة التعليم بالمغرب، فهي ليست فقط أزمة برامج ومناهج، ولا أزمة حكامة كما يقال عادة، بل هي أزمة تدبير أساسا.
فالوزير أصاب في تشخيصه لأحد أوجه أزمة التعليم، وأقصد أزمة الاسترزاق بتعليم أبناء المغاربة، ولكنه أخطأ في تعميم انتقاده لكل المدرسين، بل وأخطأ عندما استند لتكافؤ الفرص في محاربة الساعات الإضافية، وخرق هذا المبدأ ذاته في ضبط التعليم الخصوصي، إذ ما معنى أن تخوض الوزارة حربها «زنقة زنقة» ضد المدرسين وتنسى المفتشين، لاسيما وأن من هؤلاء من لم يزر مدرسين يحتاجون لترقيات طيلة سنوات، بينما يترددون يوميا على مدارس خاصة مجاورة؟
ما معنى أن يمارس الوزير «التبوريدة» في منع المدرسين من الساعات الإضافية، وفي نفس الوقت يدس رأسه في الرمال كالنعامة أمام لوبيات التعليم الخاص؟
قد يقول قائل ما العلاقة بين الساعات الخصوصية غير المنظمة والتعليم الخاص، وهو تعليم منظم ويخضع لقوانين؟
والجواب يمكن إيجاده بسهولة من خلال حدثين شهدهما الأسبوع الماضي، ففي الوقت الذي وقع فيه بلمختار مذكرة يأمر فيها النواب ومديري الأكاديميات بممارسة الرقابة الشديدة على المدرسين، طار الوزير لترؤس اجتماع المجلس الإداري بمكناس واعترف حرفيا بأن «التعليم الخصوصي خرج لينا من يدينا».
فأن تقدم سلطة حكومية على اعتراف مماثل، معناه أنها أصبحت بموجب عجزها هذا شريكة في كل اختلالات مدرسة الشعب، لأن التعليم الخصوصي، وباعتراف الوزير ذاته، أضحى يخضع لأسوأ ما يوجد في قيم السوق، حيث المنافسة غير الشريفة، والتحايل على آباء وأولياء التلاميذ.
فإذا كان مبرر بلمختار في حربه على الساعات الإضافية كما تقول مذكرته، هو «تخليق المنظومة التربوية وتكريس النزاهة والقيم وثقافة الواجب، وحماية حقوق المتعلم ومبدأ تكافؤ الفرص، وضمان الاستفادة العادلة والمنصفة للجميع من خدمات التربية والتكوين العمومية»، فإن ظواهر كثيرة موجودة في قطاع التربية تجسد بالملموس انعدام النزاهة وغياب القيم وهيمنة ثقافة الحق، وضرب حقوق المتعلمين، بل وتكريس التمييز بين أبناء المغاربة في حقهم الطبيعي والإنساني في التعليم.
فعندما انتقدنا في عمودنا هذا قبل شهر، توظيف مديرية المناهج بالوزارة لدراسة أمريكية مشكوك في علميتها، للتغطية على خطايا المناهج الدراسية وصفقات الكتب المدرسية المشبوهة، وتحويل الرأي العام نحو المدرسين، كنا ننتظر، من باب الشفافية والنزاهة التي يتكلم عنها الوزير، أن يوضح للرأي العام لماذا لم تتغير المناهج الدراسية منذ 12 سنة، علما أن دفاتر التحملات تؤكد على تغييرها كل ثلاث سنوات؟
وانتظرنا أن يوضح للرأي العام ما هو عدد الشركات التي تحتكر سوق الكتاب المدرسي، لكنه لم يفعل، والخطير هو أن يوضح للرأي العام حقيقة المساومات التي تمارسها هذه الشركات الاحتكارية لمشروع ملكي من حجم مليون محفظة.
إذن إذا كان الوزير يؤمن بالنزاهة، وهي قيمة أخلاقية مطلقة لا تخضع لتكييف أو تجزيء، عليه أن يبدأ بتنظيف المصالح المركزية لوزارته حيث العلاقات الحزبية والجهوية والعائلية في تفويت الصفقات والحصول على الترقيات، وإلا هل لبلمختار أن يوضح للرأي العام طبيعة علاقة مديرية التعاون الدولي بالمنظمات الدولية التي تستبيح تعليمنا منذ تعيينه في حكومة بنكيران؟
كيف يتم تفويت الدراسات الدولية لبعض المحظوظين تحت يافطة «خبراء»؟
وكيف يستفيد بعض المتقاعدين في الوزارة من صفقات، لكونهم غادروا المكاتب الرسمية ولكنهم عادوا للمنظومة من خلال مكاتب دراسات؟
ثم هل لبلمختار، من باب النزاهة والشفافية التي يتغنى بها، أن يوضح للرأي العام الطريقة التي تدبر بها مديرية الرياضة المدرسية صفقات المعدات الرياضية التي يتم وضعها في المؤسسات التعليمية؟
والأخطر لماذا لا تخضع هذه المعدات للمعايير الدولية المعمول بها، من قبيل حجم مختلف الكرات ووزنها وجودتها؟
ثم هل له أن يحارب الفساد الواضح في مديرية التعليم الخصوصي، والمتورطة في منح تراخيص صورية لبعض المؤسسات الخصوصية الفاقدة لكل المواصفات؟
وماهي النتائج الملموسة لكيان إداري مركزي يتم تمويله من المال العمومي يسمى «الوحدة المركزية للبحث التربوي»؟ وكيف يستفيد الأصدقاء والأهل من «مشاريع» البحث في الأكاديميات؟
وقبل هذا وذاك، أين هي نتائج الافتحاصين اللذين قام بهما الوزير السابق للبرنامج الاستعجالي؟ لماذا لم يحاسب المسؤولون عن الفساد المنظم الذي عرفه هذا البرنامج، وبعضهم ما يزال إلى الآن مسؤولا، سواء مركزيا أو جهويا؟
أليس ضربا للنزاهة وعرقلة لسير المرفق العمومي، بموجب القانون، أن يتغاضى الوزير عن مسؤولي الوزارة، الحاليين والسابقين، والذين ما يزالون يحتلون السكن الوظيفي؟
ما نريد قوله هنا، هو إذا كان الوزير يتكلم عن ثقافة الواجب، فإن هذه الثقافة تقتضي أيضا محاسبة المقصرين في أداء واجبهم، ليس عبر القفز فوق الحائط القصير الذي هو المدرسون، بل وفي مختلف مستويات المسؤولية في الوزارة، فربط المسؤولية بالمحاسبة لا يعني فقط رجال التعليم.
صحيح أن هذا المبدأ ينبغي تعميمه، ليشمل مسؤولية المدرسين عن نتائج تلامذتهم، وهذا في نظرنا أمر صحي وحيوي، لتطوير الأداء والاجتهاد لتحسين مستوى التدريس. لكن إذا اقتصر المبدأ على المدرسين وحدهم دون غيرهم، فإن نتائج تطبيقه ستكون عكسية تماما، وإلا هل يعتقد بلمختار أنه قادر بالقانون وحده على أن يقضي على ظاهرة الساعات الخصوصية، علما أن قانون الوظيفية العمومية الذي يعود لسنة 1958 يمنعها؟
فالوزير أصاب في تشخيصه لأحد أوجه أزمة التعليم، وأقصد أزمة الاسترزاق بتعليم أبناء المغاربة، ولكنه أخطأ في تعميم انتقاده لكل المدرسين، بل وأخطأ عندما استند لتكافؤ الفرص في محاربة الساعات الإضافية، وخرق هذا المبدأ ذاته في ضبط التعليم الخصوصي، إذ ما معنى أن تخوض الوزارة حربها «زنقة زنقة» ضد المدرسين وتنسى المفتشين، لاسيما وأن من هؤلاء من لم يزر مدرسين يحتاجون لترقيات طيلة سنوات، بينما يترددون يوميا على مدارس خاصة مجاورة؟
ما معنى أن يمارس الوزير «التبوريدة» في منع المدرسين من الساعات الإضافية، وفي نفس الوقت يدس رأسه في الرمال كالنعامة أمام لوبيات التعليم الخاص؟
قد يقول قائل ما العلاقة بين الساعات الخصوصية غير المنظمة والتعليم الخاص، وهو تعليم منظم ويخضع لقوانين؟
والجواب يمكن إيجاده بسهولة من خلال حدثين شهدهما الأسبوع الماضي، ففي الوقت الذي وقع فيه بلمختار مذكرة يأمر فيها النواب ومديري الأكاديميات بممارسة الرقابة الشديدة على المدرسين، طار الوزير لترؤس اجتماع المجلس الإداري بمكناس واعترف حرفيا بأن «التعليم الخصوصي خرج لينا من يدينا».
فأن تقدم سلطة حكومية على اعتراف مماثل، معناه أنها أصبحت بموجب عجزها هذا شريكة في كل اختلالات مدرسة الشعب، لأن التعليم الخصوصي، وباعتراف الوزير ذاته، أضحى يخضع لأسوأ ما يوجد في قيم السوق، حيث المنافسة غير الشريفة، والتحايل على آباء وأولياء التلاميذ.
فإذا كان مبرر بلمختار في حربه على الساعات الإضافية كما تقول مذكرته، هو «تخليق المنظومة التربوية وتكريس النزاهة والقيم وثقافة الواجب، وحماية حقوق المتعلم ومبدأ تكافؤ الفرص، وضمان الاستفادة العادلة والمنصفة للجميع من خدمات التربية والتكوين العمومية»، فإن ظواهر كثيرة موجودة في قطاع التربية تجسد بالملموس انعدام النزاهة وغياب القيم وهيمنة ثقافة الحق، وضرب حقوق المتعلمين، بل وتكريس التمييز بين أبناء المغاربة في حقهم الطبيعي والإنساني في التعليم.
فعندما انتقدنا في عمودنا هذا قبل شهر، توظيف مديرية المناهج بالوزارة لدراسة أمريكية مشكوك في علميتها، للتغطية على خطايا المناهج الدراسية وصفقات الكتب المدرسية المشبوهة، وتحويل الرأي العام نحو المدرسين، كنا ننتظر، من باب الشفافية والنزاهة التي يتكلم عنها الوزير، أن يوضح للرأي العام لماذا لم تتغير المناهج الدراسية منذ 12 سنة، علما أن دفاتر التحملات تؤكد على تغييرها كل ثلاث سنوات؟
وانتظرنا أن يوضح للرأي العام ما هو عدد الشركات التي تحتكر سوق الكتاب المدرسي، لكنه لم يفعل، والخطير هو أن يوضح للرأي العام حقيقة المساومات التي تمارسها هذه الشركات الاحتكارية لمشروع ملكي من حجم مليون محفظة.
إذن إذا كان الوزير يؤمن بالنزاهة، وهي قيمة أخلاقية مطلقة لا تخضع لتكييف أو تجزيء، عليه أن يبدأ بتنظيف المصالح المركزية لوزارته حيث العلاقات الحزبية والجهوية والعائلية في تفويت الصفقات والحصول على الترقيات، وإلا هل لبلمختار أن يوضح للرأي العام طبيعة علاقة مديرية التعاون الدولي بالمنظمات الدولية التي تستبيح تعليمنا منذ تعيينه في حكومة بنكيران؟
كيف يتم تفويت الدراسات الدولية لبعض المحظوظين تحت يافطة «خبراء»؟
وكيف يستفيد بعض المتقاعدين في الوزارة من صفقات، لكونهم غادروا المكاتب الرسمية ولكنهم عادوا للمنظومة من خلال مكاتب دراسات؟
ثم هل لبلمختار، من باب النزاهة والشفافية التي يتغنى بها، أن يوضح للرأي العام الطريقة التي تدبر بها مديرية الرياضة المدرسية صفقات المعدات الرياضية التي يتم وضعها في المؤسسات التعليمية؟
والأخطر لماذا لا تخضع هذه المعدات للمعايير الدولية المعمول بها، من قبيل حجم مختلف الكرات ووزنها وجودتها؟
ثم هل له أن يحارب الفساد الواضح في مديرية التعليم الخصوصي، والمتورطة في منح تراخيص صورية لبعض المؤسسات الخصوصية الفاقدة لكل المواصفات؟
وماهي النتائج الملموسة لكيان إداري مركزي يتم تمويله من المال العمومي يسمى «الوحدة المركزية للبحث التربوي»؟ وكيف يستفيد الأصدقاء والأهل من «مشاريع» البحث في الأكاديميات؟
وقبل هذا وذاك، أين هي نتائج الافتحاصين اللذين قام بهما الوزير السابق للبرنامج الاستعجالي؟ لماذا لم يحاسب المسؤولون عن الفساد المنظم الذي عرفه هذا البرنامج، وبعضهم ما يزال إلى الآن مسؤولا، سواء مركزيا أو جهويا؟
أليس ضربا للنزاهة وعرقلة لسير المرفق العمومي، بموجب القانون، أن يتغاضى الوزير عن مسؤولي الوزارة، الحاليين والسابقين، والذين ما يزالون يحتلون السكن الوظيفي؟
ما نريد قوله هنا، هو إذا كان الوزير يتكلم عن ثقافة الواجب، فإن هذه الثقافة تقتضي أيضا محاسبة المقصرين في أداء واجبهم، ليس عبر القفز فوق الحائط القصير الذي هو المدرسون، بل وفي مختلف مستويات المسؤولية في الوزارة، فربط المسؤولية بالمحاسبة لا يعني فقط رجال التعليم.
صحيح أن هذا المبدأ ينبغي تعميمه، ليشمل مسؤولية المدرسين عن نتائج تلامذتهم، وهذا في نظرنا أمر صحي وحيوي، لتطوير الأداء والاجتهاد لتحسين مستوى التدريس. لكن إذا اقتصر المبدأ على المدرسين وحدهم دون غيرهم، فإن نتائج تطبيقه ستكون عكسية تماما، وإلا هل يعتقد بلمختار أنه قادر بالقانون وحده على أن يقضي على ظاهرة الساعات الخصوصية، علما أن قانون الوظيفية العمومية الذي يعود لسنة 1958 يمنعها؟
رشيد نيني
تعليقات
إرسال تعليق