بهدلة الدولة لرجال التعليم: الطريق إلى الهاوية




أشار الدكتور وعالم المستقبليات المغربي المرحوم المهدي المنجرة في بعض خطاباته إلى أداتين فعالتين تهدمان الأمة هما: تهميش الأستاذ، وتهميش القيم والهوية، وهما أداتان كفيلتان بانحطاط الدولة وتخلفها، وإذا كان أمر الهوية والثقافة لا غبار عليه، فما علاقة تهميش المدرس بتدهور الأمة؟
إن المدرس في واقع الأمر يحمل من الدلالات أعمقها ولعل التماثل المورفولوجي في اللغة الفرنسية بين “prof ” و”prophète” يحيل على أن هذا الاشتقاق ليس عبثا، فقيمة المدرس تشبه في بعض أوجهها وظيفة الأنبياء ولعل ذلك ما دفع أمير الشعراء شوقي إلى القول:
” قم للمعلم أوفه التبجيلا               كاد المعلم أن يكون رسولا ”

بل إن ديننا يؤكد على أن العلماء ورثة الأنبياء، وليس المعلم والأستاذ إلا بوابة إلى العلم ودليلا عليه، فكل الأطر في العالم تخرجت على أيدي مدرسين وكل المسؤولين بمن فيهم الملوك ورؤساء الدول لابد تكونوا وتربوا على أيدي أساتذة ومدرسين.

واليابان هي أول دولة أدركت قيمة المدرس فهي لا تحترمه فقط بل تقدره إلى درجة تشبه التقديس، ومما يدل على هذا الاهتمام لديها أن راتب الأستاذ عندها هو أعلى راتب أستاذ في العالم، بل هو أعلى راتب في دولة اليابان مقارنة مع كل الموظفين، وأكيد أن هذا سر من أسرار تقدمها، بل هو الحقيقة التي لا غبار عليها، فالمدرس والمعلم هو طريق التقدم في كل المجالات؛ في الاقتصاد، والسياسة، والاجتماع، والثقافة، والإدارة، والحضارة.

ولعل أبرز ما نسجله في المغرب طيلة عقدين من الزمن على الأقل هو تهميش و”بهدلة” رجل التعليم بكل الوسائل، منذ أن كان مناضلا سياسيا وثائرا اجتماعيا في وجه الظلم ومساهما في التوعية الإيديولوجية ضد الإيديولوجيا التقليدية والمخزنية السائدة آنذاك إلى اليوم في عهد محمد السادس الذي خص هذا القطاع بأهمية كبرى في سائر خطبه السامية، الرامية إلى تحسين وضع المدرسة المغربية والثقافة المغربية والهوية المغربية.

رغم كل تلك المحاولات، فالدولة لم تنصف رجل التعليم قط لا ماديا ولا معنويا، إنما تتخذه مطيتها الأولى لتعلق عليه فضائح المدرسة المغربية وتدهور مستوى التعليم لدى الناشئة، وهي تعلم علم اليقين أن المدرس ليس سوى حلقة واحدة ضمن حلقات كثيرة في هذه المنظومة، منها ما يتعلق بالبرامج المستوردة وطبيعة المقررات بل والغايات الكبرى التي لا تؤمن بالتعليم طريقا للنجاح وتنشر ذلك عبر الإعلام وغيره، بل إن الدولة كما لا يخفى على أحد تتخذ من المدرسة وسيلة للتفرقة بين أبناء الوطن، ولعل أقوى دليل على ذلك هو اعتمادها دون أن تكلف نفسها عناء التفكير في مصير ذلك بكالوريات متعددة بلغات متعددة أخيرا. هذا فضلا عن أسباب أخرى اجتماعية واقتصادية لا يحصرها العد والتي لا دخل للمدرسين فيها.

وأخيرا يبدو أن الجميع مسؤول على تحسين وضع المدرس المغربي بمن فيه المدرسون أنفسهم الذين يجب عليهم أن يوازوا بين القيام بواجبهم أحسن قيام والمطالبة بحقوقهم المشروعة، وعدم ترك الباب على مصراعيه لنقابة خائنة أو مسؤول ظالم أو مجتمع منكر للجميل، فإذا ما تم تحسين حال المدرس ماديا ومعنويا في المستقبل فهو لا محالة سيقوم بوظيفته على أحسن وجه وسيساهم من تم في تنمية هذا الوطن وتحسين صورته أمام باقي الدول

سعيد سهمي



تعليقات

المشاركات الشائعة