أحْزابُنا خربَت التعْليم





أحزابنا ليست متعددة.. وإذا كانت ففي الشكل فقط.. هي في مجملها كتلة واحدة.. حزب واحد.. "حزبنا الواحد"..
"حزبنا الواحد" يشل "مفاصيل" سلطة المواطنة.. والنتيجة: لا "المجتمع المدني" يشتغل بالشكل المستقل المطلوب، ولا "الحزب الواحد"..
فما العمل؟ إذا لم يتحرك "المجتمع المدني"، بالأسلوب المتحضر المطلوب، للمساهمة في إنتاج ديمقراطية حقيقية، وإنقاذ بلادنا من أحزاب لا تحترم مسؤولياتها، ولا تخدم إلا نفسها، فلن نتحرر من خانة المتفرجين، ونبقى متواطئين.. غارقين في مؤامرة الصمت على الرشوة وما تنجبه من ظلم وقهر وفساد.. وما ينتج عن ذلك من تصفية الثقافة والمعرفة والإعلام والصحة وغيرها.. ثم ما ينتج عن هذا الكشكول من تفاوت طبقي مهول..
وفي الواقع، هكذا تريدنا جل أحزابنا.. هذه هي عقليتها.. هكذا تفكر.. وهكذا هي "سياستها" إذا افترضنا أن لها سياسة.. وهي في العمق لا تمارس سياسة بالمفهوم الحضاري العالمي، بل تمارس منطق التجارة.. منطق البيع والشراء في حقوق المواطنين.. والحقوق المعرفية.. والحقوق المعاشية.. والحقوق الصحية.. وغيرها...
ثم تتحدث عن "أولويات".. جل أحزابنا غارقة حتى النخاع في شعار "الأولويات".. ولها وسطاء يبيعون ويشترون في "أولوياتنا".. أولاء مضاربون حتى في "أولوياتنا".. يتخذون من "الأولويات" سلعة سياسية تستغلها أحزاب لا يهمها إلا أن تخفي إخفاقاتها الخدماتية، وفشلها في تدبير الشأن المحلي..
ثم تعالوا نتساءل عن مفهوم السياسة لدى هذه الأحزاب: السياسة عندها تتلخص في كلمة واحدة، هي الكراسي: التسلق إلى الكراسي..
هذا هو المفهوم المنتشر في أوساط أحزاب ما هي بأحزاب..
وقد جرب بلدنا جل الأحزاب.. وتبين أنها لا تسير بسرعة البلد، ولا تسمع لنبضات البلد، ولا تعبأ بطموحات البلد.. ولا لطموحات المواطنين.. وتسعى لتكريس الطبقية الظالمة..
جل أحزابنا هي هكذا..
هذا واقع نعيشه كل يوم، مع أحزاب أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها عبثية انتهازية.. تهمش كل من لا يسير في ركبها..
- وفي بلادنا كفاءات إنتاجية بكل المجالات.. ونستطيع بأدمغتنا أن نواجه كل الصعوبات المعاشية، وننتج حلولا للمرور إلى غد أفضل.. لكن أحزابنا المريضة عائق.. لا تريد..
فمن يريد، يبدأ بالتعليم.. هو الأساس.. التعليم يبني العقل.. ويحرر من عقدة التسمين المصطنع..
وكل الأحزاب التي مرت من قيادة التعليم ساهمت بكيفية أو أخرى في عرقلة مدارسنا وجامعاتنا.. وهي متفقة على إبعاد المؤسسات التعليمية التأطيرية عن المجال العمومي، لتقديمها هدية للخوصصة..
والخوصصة بشكلها الحالي، الممارس ميدانيا، تعني أن الفقير لم يعد من حقه أن يتعلم..
ها هي أحزاب تحرف المقولة الخالدة: "لولا أبناء الفقراء لضاع العلم"..
والعلم بالفعل يضيع، لأن بين ظهرانينا أحزابا خربت التعليم، ولم تقم بواجبها الوطني لتوجيه السياسة التعليمية إلى مسيرة البناء..
وأصبح أبناء الأثرياء وحدهم يتعلمون اللغات والمهارات، ويأتون حتى بشهادات عليا من جامعات تتاجر في الدبلومات..
أين كانت الأحزاب المسؤولة عن التعليم، عندما كانت معاولها هي نفسها تهدم التعليم العمومي؟
ألم يكن في علمها أن بلدا بلا تعليم، يحكم على نفسه بالتخلف؟
هي بكل وضوح مسؤولة، لا تريد إنتاج الأدمغة من الأوساط الفقيرة..
لقد حولوا أحزابنا إلى بقرة حلوب.. وقتلوا العقل، والأخلاق..
وانحرف دور العمل الحزبي من خدمة المواطن، إلى العبث بحقوق المواطن..
وحولوا "الأولويات" إلى شعار تردده أحزابنا في مختلف محطات "الانتخابات"، وكأنه محكوم علينا أن نبقى مدى الدهر لا نفكر إلا في الأكل والشرب والصحة وغيرها من أساسيات الحياة اليومية.. وهمشوا العقل والثقافة والأخلاق العامة..
حتى الأخلاق صنعوا لها إعلاما تقوده الضوضاء، وواقعا تقوده الرشوة والزبونية والتهميش والإقصاء والإغراق في مشاكل اجتماعية بلا نهاية..
إلى هذه الحال، أوصلتنا أحزاب هي في شكلها بصيغة الجمع، وفي عمقها هي تكتل واحد.. عقلية واحدة.. حزب واحد لا يخدم بلدنا حتى ونحن في أوراش هي من أكبر الأوراش التي عرفها تاريخنا الوطني..
أحزابنا ليست في مستوى أوراشنا الكبرى.. لا تشارك فيها.. والمشاركة تعني الأفكار.. وأحزابنا المريضة ليست لها أفكار.. أفكارها محصورة في كيفية استغلال المواطنين لكي تخلد هي في مراكز الحكم، محليا وجهويا ووطنيا..
ثم يقولون: القرارات مفروضة عليهم.. ثم يسكتون.. لا يشرحون.. إنهم يتحدثون إلى المواطنين بلغة غير واضحة.. لغة إيحائية يمكن تفسيرها بعدة طرق.. وهذه بالذات هي لغة من يضللون الناس.. وهم هكذا دائما.. يوحون بأنهم ليسوا مسؤولين عن تخريب التعليم والصحة وغيرهما.. إنهم معتادون على لعب دور الضحية..
أحزابنا مريضة.. تردد أنها مجرد ضحية.. مسكينة.. لا سلطة لها..
إذا كان الأمر كذلك، فلماذا هي أصلا موجودة؟ لماذا تنسى المواطن؟ لماذا يسيل لعابها فقط للكراسي؟ ولماذا تحاول إقناعنا أن الحلول السحرية ليست إلا عندها.. عندها دون غيرها؟
وهذا النمط الحزبي المتخلف لا مكان له في المغرب الجديد.. هذا النمط يجر البلاد إلى الخلف..
فيجب الانتباه إلى خطورة أحزاب ما هي بأحزاب.. ولكن مجرد طبالة وغياطة وأدوات تضليل..
نريد أحزابا في مستوى طموحات بلدنا.. لا أحزابا قتلت التعليم.. وأنتجت اللاصحة.. واللاشغل.. والفراغ المطلق.. نريد أحزابا بوجه واحد.. واحد فقط.. بينما هي، ليست بوجه واحد.. هي ذات وجهين.. والأصح: هي ذات وجوه..
- وذو الوجوه لن يكون عند الله وجيها..
أحمد افزارن





تعليقات

المشاركات الشائعة