فكها يا من وحلتيها بقلم رشيد نيني




من يريد السلطة عليه أن يقبل بسلبياتها وإيجابياتها. وليس أن يصعد كل المنصات لكي ينسب لنفسه كل شيء إيجابي بما في ذلك الأمطار التي ظل بنكيران ينسب سقوطها لأقدام حزبه المباركة، فبقي «يقوس» عليها إلى أن أتت به حتى نهاية ولايته وقالت له «صب نتا».
على رئيس الحكومة المسؤول أن يتحمل تبعات كل القرارات التي تصدر عن وزاراته والإدارات العمومية التابعة لنفوذه.
عليه أن يفتخر بوقوفه خلف قرار رفع الدعم عن المحروقات والسكر، كما عليه أن يفتخر بكونه المسؤول عن سلخ الأساتذة المتدربين في الشوارع.
عليه كما «خرج» فينا عينيه وقال «أنا اللي زدت عليكم فليصانص»، أن تكون له الشجاعة لكي يأتي أمام الشعب ويقول لهم «أنا اللي فرشخت ليكم ولادكم فالزنقة».
وكما يفتخر بتخفيض وزيره في الصحة لسعر الدواء وإغلاقة لـ«بويا عمر»، عليه أن يكون فخورا بوزيره في الداخلية الذي فرشخ أساتذة المستقبل، وبوزير تعليمه الذي سينتهي بإغلاق المدرسة العمومية والاكتفاء بمدارس التعليم الخاص.
إن المسؤولية الحكومية ليست لائحة طعام في فندق مصنف تختار منها ما تريد أكله وما تريد تجنبه، و«اللي بغا سيدي علي يبغيه بقلالشو».
لذلك فإن المسؤولية الحكومية أكلة واحدة إجبارية يجب تجرعها دفعة واحدة مثل السم. فإن عشت فستعيش ملقحا ضد السموم، وإن كانت مناعتك «مدخولة» فستلقى حتفك سياسيا وستسقط مثل ثمرة فاسدة في الحقل السياسي.
لذلك فما نسمعه اليوم من أفواه وزراء من الحزب الحاكم حول المسلخة الجماعية التي تعرض لها الأساتذة المتدربون، يبعث فعلا على التقزز من حال هؤلاء الحربائيين أصحاب ألف وجه ووجه، الذين أصبح لديهم لكل قضية التبرير المناسب وربطة العنق المناسبة والابتسامة الصفراء الملائمة.
وزير العزل، عفوا وزير العدل وما تبقى من حريات مصطفى الرميد، قال بمجرد ما سألوه عن موقفه من مهرجان السلخ الجماعي أنه «ما فراسوش»، ولما شاهد صور الأساتذة اللي «فروسهم ديال بالصح»، الضربات وليس الخبر، قال إنه سيفتح تحقيقا.
«شي حلو ليه راسو والسي لوزير باغي يحل غي تحقيق».
وبما أن لعبة التجاهل والتخفي وراء قشة «غادي نفتحو تحقيق» لم تكف الرميد، فقد جرب تقنية يجيدها وهي «ديكاجي للتوش»، فحمل زينب العدوي، والي جهة سوس، مسؤولية تعنيف الأساتذة، بعدما سمحت لهم باقتحام قاعة الخدمات التي كان يحاضر فيها معاليه بأكادير حول استقلال القضاء، حاملين شعارات تطالب بنكيران بالرحيل بعدما تعرض أكثر من 500 من زملائهم للسلخ، فاجتمع بهم الوزير لخمس دقائق بعدما أحرجته الوالية بضرورة الاجتماع بهم، وقال لهم إن كل ولاية لها مقاربتها الأمنية الخاصة وإن الحكومة لا تتحمل مسؤولية التعنيف الذي وقع فوق تراب ولاية جهة سوس، «زعما راه الوالية هيا اللي سلخاتكم ماشي حنا»، وكأن الوالية ليست تابعة لجهاز الداخلية التابع بدوره لرئيس الحكومة.
إلا إذا كان الرميد يعتبر أن والية سوس تابعة ترابيا لوزارة داخلية موريتانيا فهذا شيء آخر.
أفتاتي الذي يسميه بنكيران مجذوب الحزب، قال إن ما وقع جريمة كاملة الأركان وأن مقترفيها يجب أن يساقوا إلى السجن. وطبعا عندما يتحدث أفتاتي عن المجرمين الذين ارتكبوا هذه الجريمة فهو يقصد الدولة العميقة، فالنائب المحترم يخلي ساحة رئيس الحكومة من المسؤولية السياسية عما وقع، لأنه مسكين وصل إلى الحكومة لكنه لم يصل إلى الحكم. كما لو أنه نسي أن بنكيران قال بعظمة لسانه إنه لأجل مصلحة مواطن يوقظ حصاد في منتصف الليل، وأحيانا يوقظ الحكومة كلها، فلماذا لم يتصل بنكيران بوزيره في الداخلية عندما كان رجاله يسلخون الأساتذة المتدربين على طول ربوع المملكة في وضح النهار لكي يطلب منه استعمال القوة بشكل قانوني ومعقلن لتأطير احتجاجات هؤلاء الشباب؟
هل كان رئيس الحكومة محتاجا لكي يتصل به الملك ويطلب منه ذلك، كما فعل عندما ظل غارقا في النوم فيما طنجة كادت أن تحترق بشموع زبناء «أمانديس»، إلى أن أيقظه الهاتف الملكي من النوم وأجبره على أن «يهز قلوعو» إلى طنجة مع وزير داخليته لكي يجتمعا بممثلي السكان ويطفئوا شموع الغضب؟
هل نسي رئيس الحكومة أن هناك مقررا أمميا يحصي على أجهزة الدولة الأمنية أنفاسها ويسجل ضدها كل معاملة حاطة بالكرامة ويدخلها ضمن خانة التعذيب الذي يحاول المغرب يوميا إقناع المنتظم الدولي أنه تخلى عنه إلى الأبد؟
أما الأخ يتيم، الذي منذ أن ضيع النقابة أصبح يغلظ الكلام بحثا عن موقع في الصفوف الأمامية للقيادة الحزبية مع اقتراب انتخابات منصب الأمين العام للحزب، فقد قال إن الحكومة تتحمل المسؤولية، لكنه أضاف أننا لسنا في السويد أو الدنمارك وأننا ديمقراطية ناشئة وأن ما وقع الهدف منه حجب منجزات الحكومة.
وقد بلغت الجرأة والحماسة السياسية بيتيم مبلغا وصف معه وزير الداخلية، الذي أعطى أمر ضرب الأساتذة، بالأحمق، عندما قال إن التدخل العنيف ضد الأساتذة لا يمكن أن يكون من مسؤول عاقل.
وهو الكلام نفسه الذي ردده معه رهين الدوحة، الريسوني، الذي قال إن القمع الدموي للمحتجين يروم طمس إنجازات الحكومة، وإن الحكومة عرجاء لأن هناك وزارات تسير على هوى أصحابها، وهي النظرية نفسها التي تلقفها دراري العدالة والتنمية من انكشاريي الشبيبة الذين يتقاضون أجورهم من المال العام مقابل الشتائم التي ينشرونها في صفحاتهم ومواقعهم، حيث سارع مستشار الخلفي بوصندالة ومستشار وزير العدل وما تبقى من حريات، وكتبا أن سلخ الأساتذة مؤامرة خارجية ضد الحكومة.
أما فريق البيجيدي بمجلس المستشارين، والذي يوجد على رأسه حامي الدين، فقد راسل حصاد وزير الداخلية بشأن ما أسماه الاستعمال المفرط للعنف ضد المتظاهرين، وطالب بمعاقبة المعتدين على الأساتذة.
وهنا نصاب فعلا بالدوخة، هل يشتغل وزير الداخلية، الذي يحمله فريق العدالة والتنمية مسؤولية سلخ الأساتذة، مع جهات أجنبية تتآمر على المغرب كما كتب مستشارا الوزيرين في الإعلام؟
أما وزير الخارجية السابق سعد الدين العثماني فقد قال إن الحكومة تتحمل كامل المسؤولية في ما تعرض له الأساتذة المتدربون، مما يفيد أن العثماني الباحث عن خلافة بنكيران على رأس الأمانة العامة للحزب، عازم على «تغراق الشقف» لبنكيران وحكومته التي غادرها مكرها بعدما ضحى به بنكيران على مذبح السلطة لكي يبقى هو وإخوانه المقربون جالسين فوق كراسيهم أطول وقت ممكن.


رئيس الحكومة الذي ظل صامتا بانتظار هدوء العاصفة، قال إنه «نوض القيامة» من أجل أن يعرف ما الذي حدث وأنه ضد التعنيف وضد مخالفة القانون أيضا. «دابا بغينا غي نعرفو واش هادوك اللي مارسو التعنيف وخالفو القانون خدامين مع شي وزارة داخلية أخرى من غير هاديك ديال بنكيران»؟
لكن بنكيران «يتملمص» كالسمكة ويتلون كالحرباء، وفي تصريح واحد يقول الشيء ونقيضه. فحسبه كان هناك استعمال غير متناسب للقوة ولذلك نوض القيامة واتصل بوزيره في الداخلية لكي يستفسره حول ما وقع، لكنه في الوقت نفسه لا يريد أن يظهر متعاطفا مع الأساتذة المعنفين ضد إخوانه في الأمن، وكأن هؤلاء الأساتذة الذين تم سلخهم «جابهم الواد» وليسوا إخوانه هم كذلك.
والخطير في ما قاله بنكيران عن ضرورة عدم وجوب أن نتضامن مع الأساتذة حتى لا نظهر بمظهر من يقف ضد الإدارة، هو أن كل من أعلن تضامنه مع هؤلاء الأساتذة بنظر رئيس الحكومة هو بالضرورة ضد رجال الأمن، والحال أن رجال الأمن مغاربة مثلنا جميعا ولا يستحقون منا سوى الاحترام والتقدير على جهودهم التي يبذلونها للحفاظ على الأمن العام، وهم في نهاية المطاف عندما يتدخلون بعنف لتفريق المحتجين فهم لا يصنعون ذلك لأنهم ساديون يتلذذون بسلخ إخوانهم، ولكنهم يفعلون ذلك لأنهم تلقوا تعليمات للقيام بهذا الأمر، ورجل الأمن، مثله مثل الجندي وباقي المهن العسكرية وشبه العسكرية الأخرى، لا يفكر ويناقش عندما تصدر إليه تعليمات من رؤسائه وإنما ينفذ وكفى.
وفي حالة حدوث كوارث، لا قدر الله، بناء على هذه التعليمات، فالذي يجب أن يساءل هو من أعطاها وليس من نفذها.
ولعل أحسن جواب على محاولة رئيس الحكومة خلق هوة بين الأساتذة ورجال الأمن، بحيث يصبح كل من تضامن مع جهة فهو بالضرورة ضد الجهة الأخرى، هي تلك الصورة المنتشرة في الفيسبوك والتي يقدم فيها أستاذ شربة ماء لرجل أمن، مرفقة بتعليق يقول «من الصباح وهوا تايسلخ فينا ولكن ملي شفتو عطش عطيتو يشرب، حيت أنا رجل تربية عاد رجل تعليم».
فهل هناك احترام وتقدير لرجال الأمن من طرف الأساتذة أكثر من هذا؟
لذلك فليس لرئيس الحكومة أن يزايد علينا وعلى هؤلاء الأساتذة في احترام رجال الأمن، كلنا واعون بالدور الحيوي الذي يقومون به من أجل حماية أمننا، خصوصا في ظل الإدارة الجديدة للأمن، ونحن ممتنون لهم.
رئيس الحكومة يؤاخذ الأساتذة على عدم حصولهم على ترخيص بالمسيرة الاحتجاجية، وكأني به نسي عندما قاد مسيرة غير مرخص لها أيام الشبيبة الإسلامية انطلاقا من مسجد النور تضامنا مع قتلة عمر بنجلون، قائلا قولته المشهودة «أبجريرة كلب أجرب يعتقلون إخواننا»، ونسي عندما احتج الرميد وإخوانه بدون ترخيص أمام بلدية وجدة، وكيف احتج بنكيران بدون رخصة أمام محكمة سلا ضدا على اعتقال جامع المعتصم، الذي أفصح أخيرا أنه تدخل شخصيا لإطلاق سراحه وشبهه بالنبي يوسف الذي خرج من السجن نحو المنصب والوجاهة.
وهكذا لم يترك بنكيران وزيرا من وزرائه ولا حواريا من حوارييه إلا وشبهه بنبي من أنبياء الله، فالرميد عمري الخلق، والمعتصم يوسفي الحظ، أما هو فيشتغل مباشرة مع الله، ونخشى أن يأتي علينا يوم يعلن فيه بنكيران أنه المهدي المنتظر.
ومن جانبهم، فالأساتذة المتدربون يجمعون عريضة دولية ويستعدون للجوء إلى القضاء لمحاسبة المتورطين.
وقد أصبح واضحا الآن أن حكومة بنكيران تواجه مطلبا شعبيا بالرحيل سيتطور بلا شك إذا لم تبادر إلى سحب المرسومين اللذين أثارا هذه الفتنة التي قد تشعل الشارع مجددا مع اقتراب ذكرى عشرين فبراير.
لقد حذرنا سابقا من وجود مخطط لإحياء الربيع العربي في شوارع المملكة، وما يمكن أن يقود إليه هذا الوضع من فوضى قد تلحقنا لا قدر الله بركب الدول الفاشلة التي نشاهد مآسيها يوميا في نشرات الأخبار، وها هو رئيس الحكومة بقرارته الهوجاء وتصريحات وزرائه المستفزة، بدءا من الوزير السارح ووزيرة جوج فرنك ووزيرة «لا أنام»، وانتهاء بوزير «مافراسيش»، ووزير «بيا ولا بيهم»، يقرب الحطب اليابس من النار الملتهبة أكثر من اللازم.
لقد سمعنا رئيس الحكومة يقول إنه لا سلطة له على وزارات الخارجية والأوقاف والدفاع والداخلية، وها هو يشتكي اليوم أن سلطته لم تعد تشمل وزارة التعليم عندما أصبح بلمختار يطبق قرارات تحت ذقن بنكيران، كقرار تدريس المواد العلمية بالفرنسية الذي اتضح أن الوزير لم يستشر فيه مع رئيس الحكومة.
إنه لمخجل حقا أن يعترف رئيس حكومة، يستفيد من كل الامتيازات النقدية والعينية التي يمنحها منصب رئاسة الحكومة، بأنه لا يملك سلطة على وزراء في حكومة شكلها بنفسه.
وحتى إذا «تفهمنا» عجز رئيس الحكومة عن التحكم إداريا في بعض وزرائه، فإننا لا نستطيع أن نتفهم تهربه من تحمل المسؤولية السياسية لما «يقترفه» بعضهم من زلات.
فرئيس الحكومة الحقيقي هو الذي يتحمل مسؤولية جميع ما يقوم به وزراؤه من قرارات وأفعال وتصريحات، وفي حالة عدم اتفاقه مع أحدهم فما عليه سوى أن يرفع إلى الملك طلبا بإعفاء الوزير المعني.
لقد كنت دائما مقتنعا أنه طالما أن الفاعل السياسي لم يوضع أمام إغراء المال والسلطة والنساء فلا يمكن تصديق شعاراته أو الوثوق فيه.
وها قد تم وضع حزب العدالة والتنمية وقياداته أمام هذه الإغراءات، وقد شاهدنا خلال هذه السنوات الأربع التي أمضوها في السلطة كيف غيرتهم هذه السلط الثلاث.
عندما مارسوا السلطة ثملوا بها وسقطوا في الشطط، فقاضى رئيس الحكومة المعطلين لكي يحرمهم من التوظيف، وبرر سلخ الأطباء والأساتذة، تحت ذريعة تطبيق القانون.
وعندما وضع بعضهم أمام إغراء المرأة سقطوا في أول امتحان وانتهوا خارج الحكومة.
وعندما فتحت لبعضهم خزائن الدولة داوموا على اختلاق مهمات في أمريكا تحت ذريعة الدفاع عن قضية الصحراء للحصول على مئات الآلاف من الدولارات كتعويضات.
وبعدما دخلوا الحكومة «معظمين»، من العظام وليس العظمة، مبهدلي الثياب تكسو وجوههم لحى أهل الكهف، صاروا اليوم «مكستمين» ومحنكين ومكرشين، يركبون سيارات الدولة الفارهة ويتسابقون للسكن في المنتجعات.
لذلك فنصيحتي للمغاربة هي أن لا يصدقوا أي سياسي مهما كانت شعاراته نارية وثورية قبل أن يشاهدوا نتيجة امتحانه أمام ثالوث السلطة والمال والنساء.
وكل من يعدكم بالنعيم والعدالة الاجتماعية والمساواة ومحاربة الفساد واقتنعتم به، قولوا له سنصوت عليك لكن لن نصدقك حتى نرى نتيجة امتحانك، آنذاك سنعرف ما إذا كنا سنستمر في منحك صوتنا أم أننا سنلقيك في مزبلة التاريخ، تلك التي رمى فيها الشعب أحزابا أخرى قبلكم رسبت في امتحان الإغراءات الثلاثة.


رشيد نيني

تعليقات

المشاركات الشائعة