بكالوريا 2016 و الصيام و حرارة الطقس ...


إنها معاناة و مكابدة أبنائنا وبناتنا هذه السنة الدراسية، وهم يجتازون امتحان البكالوريا في حرراة مفرطة  وحلول شهر الصيام  وقلة النوم وهاجس الامتحان...                                       




هناك مثل قديم كنا نحفظه عن ظهر قلب وهو: (عند الامتحان يعز المرء أو يهان)،و لما بدأنا نعي مفهوم و قيمة الامتحان وهواجسه النفسية، إذ أنت لوحدك في طاولة خشبية وقد وضع المراقب أمامك جملة من الأوراق ثم ملؤها بجملة من الأسئلة المتنوعة حول أكثر من مادة دراسية، ولابد أن تكون على أثم الاستعداد النفسي والجسمي و الفكري، لكي تكون حاضرا في هذه اللحظة التاريخية من عمرك الدراسي، و لتظهر لأسرتك بأنك في المستوى المطلوب وأنك تستطيع أن تنافس أقرانك في الحصول على مراتب متقدمة و بمعدلات جيدة، لتزداد تقتك كذلك في نفسك، وبأن ذاكرتك هي الأخرى لن تخونك عندما ترغب في استحضار المعلومات والمعارف وجميع المكتسبات التي طبعتها عليها طيلة السنة في مختلف المواد الدراسية...
لكل هذا قد فهمنا الآن بعدما هرمنا، القيمة والمغزى الحقيقي و الأصلي من هذه الحكمة ، ففي هذا اليوم بالذات يعز المتعلم الذي استطاع أن يكون في مستوى اللحظة و تخطى هذه العقبة بأقل الخسائر الممكنة ، و الاشراف على مستقبل مشرق في مساره التعليمي، أو العكس قد تكون لحظة حزينة، يهان فيها وسط أقرانه ومع نفسه وأهله وأقاربه...

لكن من واجبنا جميعا دون استثناء أن نمد يد المساعدة لتلاميذتنا و تلميذاتنا حتى نهيئهم بشكل مقبول لمثل هذه المحطات في حياتهم الدراسية، فالدولة بوزارتها الوصية على الشأن التربوي والتعليمي بالبلد، عليها أن تسهر على ماهو تقني ولوجيستيكي بالنسبة لهذه الامتحانات، وتجعل المتعلم في مركز اهتماماتها، وتراعي حينها كل الظروف النفسية و الاجتماعية و البيئية و التربوية و التعليمية، وهي تسهر على تمرير هذه الامتحانات عبر ربوع الوطن، و كذلك بالنسبة لآباء وأمهات وأولياء أمور هؤلاء التلاميذ والتلميذات ،حيث يكونون لهم خير سند ماديا و نفسيا، وكلما كانوا في حاجة إلى دعم أو مساندة وجدوهم بالقرب منهم ، حتى يتخطون هذه المرحلة بكل نجاح لإتمام مشوار عمرهم الدراسي بتفاؤل كبير في المستقبل...

وبرجوعنا لليوم المعلوم ، وهو يوم الثلاثاء07/06/2016 ،أي اليوم الأول من الامتحان، فقد كان أبناؤنا وبناتنا في سراع مرير مع أكثر من إكراه مادي ومعنوي. فقد صادف الامتحان اليوم الأول لشهر رمضان الأبرك، و لا يخفى على كل صائم كيف يصبح ويمسي في هذا اليوم الأول و ما بعده، لأن الجسم يكون قد تعود طيلة السنة على استقبال كميات معينة من المكونات غذائية في وجبة الفطور تنشط له أكثر من عضو في جسمه ، كما أن كل ملم أو مختص بعلم التغذية لاينكر دورها إن كانت متوازنة على نمو المتعلم الجسمي والعقلي وعلى ذكائه، وغيره من المزايا الخفية منها والظاهرة على الجسم البشري ككل، إضافة إلى ساعات النوم الكافية و توازنها هي الأخرى ،وأي خلل أو اضطراب في النوم سيساهم مباشرة في نقص وخلل في الذكاء دون ذكر الشعور بالإرهاق و التعب و ثأثيراته الجانبية على التركيز و التفكير العميق والعمليات الفكرية والذهنية الجد المعقدة التي يقوم بها الدماغ البشري ،كما تبت علميا أن جميع الأعضاء البشرية تتخلص من السموم و الفضلات عبر مخارج معينة في الجسم كالمسام الجلدية والشرج والقبل ،أما الدماغ فيتخلص من هذه (لي ديشي) بواسطة النوم. إذن العلماء سواء في التغذية أو البيولوجيا أو السيكولوجي... قد توصلوا إلى هذه الحقائق العلمية عبر بحوث ودراسات معمقة كي تستفيد منها الإنسانية وتطبقها في أكثر من مجال من المجالات الحيوية .
ولا بد للمجال التربوي / التعليمي أن يأخذ بهذه النتائج بمراعاته لخصوصيات المتعلمين ومتطلباتهم النفسية و البيولوجية .

وكل هذه النتائج العلمية يجب أخذها بعين الاعتبار في تعاملنا مع التلاميذ والتلميذات في كل محطاتهم الدراسية وخاصة المصيرية منها كالامتحانات الإشهادية، و منها بالخصوص البكالوريا التي تحدد مصير المتعلمين بشكل كبير.

فكل ما تم التفكير فيه من طرف وزارة التربية الوطنية لمحاربة الغش في ظل الثورة التكنولوجية والمعلوماتية الهائلة وما حملته معها من وسائل دقيقة في سرعة الحصول على المعلومة و المعرفة عبر أكثر من موقع ، فقد اعتكفت الوزارة منذ مدة في تهيئ جميع الآليات اللوجيستيكية والفنية وتأهيل وتكوين الموارد البشرية للمراقبة والحراسة في جميع محطات تنزيل الامتحان دون إغفالها لسن وتشريع قوانين جديدة وزجرية للغش .

فكل هذا يعتبر مقبول وإيجابي من أجل تكافؤ الفرص والمحافظة على القيمة الرمزية والتعليمية لشهادة البكالوريا ،لكن كان من الأولى على الوزارة الوصية أيضا أن تفكر إلى جانب الغش وسلبياته في مواعيد امتحانات البكالوريا وقد صادفت هذه السنة الأيام الأولى من شهر رمضان الأبرك .
فكل التلاميذ و التلميذات قد ذهبوا إلى الامتحان مبكرا، وهم صائمون و ربمالم يحصلوا على القدر الكافي من النوم ، و في غياب التغذية اللازمة التي تنشط الجسم و الذاكرة ...و كله له تأثيره المباشر والغير المباشر على استحضار المكتسبات المعرفية والعلمية بشكل جيد ، في غياب الظروف المحيطة بهم دون اغفال هاجس الامتحان و طول المقررات الدراسية وكأنهم يعيشون حالة شبيهة بالساعة البيولوجية التي يتم إضافتها كل سنة إلى التوقيت الرسمي وتأثيراتها الجسمية والنفسية على الإنسان. دون أن ننسى معاناة الأسر المغربية و هي تتحمل إلى جانب أبنائها و بناتها ثلاثة أيام طويلة جدا، و لسوء حظ الجميع كانت درجة الحرارة مرتفعة جدا بالمناطق الوسطى و الجنوبية بحرارة فاقت42 درجة ، و الكل كان يستيقظ مع شروق الشمس أو قبلها تفاديا لأي طارئ لاقدر الله ، ما دام الجميع منتبه وخائف ومضطرب أن تأخذه غفلة من النوم يذهب فيه تعب سنة كاملة أدراج الرياح.
فالدولة تراها تعيد زمان عقارب الساعة إلى التوقيت الأصلي وتغير الدخول والخروج من جميع الإدارات من9 صباحا حتى 3 بعد الزوال ،مع تسهيلات إضافية للصلاة نهار يوم الجمعة رحمة بالصائمين والصائمات لأننا أمة مسلمة ونعظم شعائر الله فيها (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.الآية)، و لكن التساؤل المطروح ها هنا لماذا لم ينكب أصحاب القرار في الوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين في التفكير لأبنائنا وبناتنا لما وضع مقرر الوزارة للسنة الدراسية2015/ 2016 ؟ بما فيها تاريخ العطل و المراقبة المستمرة و الامتحانات الإشهادية ، ويعجلون بتاريخ اجراء هذه الامتحانات ولو بأسبوع قبل بداية شهر رمضان، و مادام جل التلاميذ والتلاميذ يتممون مجزوءات مقراراتهم في منتصف ماي سواء بالنسبة للأولى أو الثانية بكالوريا .

لهذا من واجبنا أن نبتكر الحلول ونساهم بقراراتنا الجريئة والمفيدة بجعل المتعلم في مركز اهتماماتنا ونوفر له جميع الظروف الجيدة للبذل والعطاء وتطوير كفاياته والاهتمام بحاجياته البيولوجية والنفسية والجسمية لأننا جميعا ننتظر منه أن يكون مواطنا صالحا ومتكاملا ويساهم في تنمية وتقدم وطنه.

وما إثارتنا لهذا الموضوع في هذا الوقت بالذات هو تنبيه الجهات المسؤولة على القطاع بالتفكير الجدي مستقبلا في تجنيب أبنائنا وبناتنا اجتياز الامتحانات الإشهادية في شهر رمضان ،وكم من شهادة شخصية سمعناها تمنت لو أن الوزارة الوصية على القطاع عجلت بامتحان البكالوريا قبل بداية شهر رمضان...*(و لهذا يجب أن تنطلق الدراسة الفعلية للموسم الدراسي القادم2016/2017 في أولى أيام شهر شتنبر، حتى يتمكن الأساتذة والأستاذات من إتمام المقرر الطويل مبكرا، ويجد المتعلمون الوقت الكافي للمراجعة والتهيئ القبلي )*1
ونتمنى أن تصل رسالتنا إلى من هم مسؤولون عن الشأن التربوي والتعليمي ببلادنا.انتهى


 بقلم: الأستاذ عبد الرحيم هريوى

*1- رأي تلميذ أولى بكالوريا.

المشاركات الشائعة