المغرب يعيش أسوأ موسم دراسي منذ الاستقلال



ارتفع الحديث، وبمرارة، عن التعليم في المغرب خلال السنوات الأخيرة بعدما وقف المغاربة خلال الموسم الدراسي الجديد على تدهور غير مسبوق لهذا القطاع الاستراتيجي لمستقبل البلاد، وهو قطاع يهم كل مغربي وكل عائلة، ويستوجب أن يكون فوق كل الاعتبارات السياسية والإديولوجية والحسابات الضيقية بل ويتطلب إجماعا حقيقيا وتخطيطا وتفكيرات علميا.

ومن شأن هذا القلق العام والعارم أن يجعل وزارة التعليم التي يشرف عليها رشيد بلمختار أن تكون في مستوى التحديات، لاسيما وأن الرجل جرى تسويقه على أنه “المنقذ” المنتظر للتعليم. ومن ضمن ما كان يجب عليه القيام به هو تهيئة أجواء مناسبة للدخول المدرسي للموسم الجديد لإشاعة نوع من الارتياح في صفوف المغاربة.

لكن ما حصل هو تحول الموسم الجاري الى أسوأ موسم دراسي منذ استقلال البلاد حتى الآن أو في تاريخ التعليم المغربي، بعدما وقف الرأي العام على اكتظاظ غير مسبوق في الأقسام الدراسية. وتؤكد كل المعطيات أن معدل التلاميذ في كل فصل هو حوالي 50 تلميذا بين أقسام في حدود 40 تلميذا، ويتعلق الأمر بمدارس في وسط المدن وما يفوق 60 تلميذا في أقسام في ضواحي المدن والمجال القروي. بل ووصل الأمر الى جعل أستاذ يدجرس في فصل واحد ستة مستويات من التعليم الابتدائي في المجال القروي. وكان شريط فيديو لمعلم نشره في شبكة التواصل يوتوب” هذه الأيام دالا على مستوى التدهور الخطير الذي وصل إليه التعليم. كما خرجت مسيرات خاصة في المجال القروي تندد بقلة المعلمين والاكتظاظ وبل وأحيانا بغياب الفصول التي يدرس فيها المعلمون والأساتذة.

في منتصف التسعينات، كان معدل التلاميذ في الفصل الواحد حوالي 30، وارتفع بعد عشرين سنة الى قرابة خمسين، بينما المعدل الدولي المتعارف عليه هو 26. ويحدث هذا في وقت يمتص القطاع الخصوصي نسبة هامة من التلاميذ.

لقد رسمت وزارة التعليم الحالي أسوأ خريطة تعليم من حيث توزيع التلاميذ والأساتذة في تاريخ المغرب، أو على الأقل منذ بداية الاستقلال حتى يومنا هذا. وتحت ضغط الشارع والتنديد العارم، اعترفت في بيان رسمي بوقوع ما وصفته بخلل في تقييم الاحتياجات بسبب إحالة عدد من المعلمين على التقاعد الفعلي أو النسبي. وقالت بخصاص يصل الى قرابة عشرة آلاف بينما الخصاص الحقيقي للاقتراب من المعدل الدولي للتعليم هو على الأقل 30 ألف معلم دون الحديث عن الثانويات والتعليم الجامعي.

وانطلاقا من أهمية التعليم لبناء أي قفزة نوعية في درب التقدم والرقي، فإن ما يحدث في قطاع التعليم يعتبر جريمة من أبشع الجرائم التي يتعرض لها الشعب المغربي ولاسيما فئاته الفقيرة والمحرومة. بل ويمكن الحديث أمام هذا التدهور عن برمجة انهيار التعليم العمومي تطبيقا لتصويات تقشف المؤسسات المالية الدولية والفساد المنتشر في دواليب الدولة.

إن التدهور السريع لقطاع التعليم يتطلب وقفة تأمل حقيقية، انطلاقا من تعبئة شعبية للمسيرات التي يعلن عنها النشطاء للدفاع عن التعليم العمومي الى اختيار الخبراء الحقيقيين لوضع مخطط لإنقاذ القطاع بعيدا عن اللجن التي بقدر ما تراعي التعدد والتنوع السياسي النظري بقدر ما تفتقد للخبرة الحقيقية. وهو ما أكده فشل لجنة تلوى الأخرى الى الوصول الى أسوأ موسم دراسي في تاريخ المغرب، والذي يبقى فقط بداية مسيرة التدهور والسقوط الشامل للقطاع.

ألف بوست

تعليقات

المشاركات الشائعة