بن شريج : لا يمكن الحديث عن الارتقاء بالمنظومة التربوية في ظل خصاص أزيد من 40000 مدرس وأزيد من 2000 إداري، وأزيد من 4000 مفتش





س- اعتمد المخطط الاستراتيجي للتربية والتكوين 2015 -2030 عنوان " من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء " وخصص لمدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص 8 رافعات ، هل بالإمكان تحقيق هذا المشروع في ظل الإكراهات التي تعانيها المدرسة المغربية ؟
ج- في الحقيقة لم يعد يستساغ الحديث عن جسم مريض، عليل، منخور، النظر إليه يدمي القلب و يجعل المرء يتوقع الأسوأ للأمة المغربية، و بالرجوع إلى سؤالك يمكن اعتبار عنوان المدرسة الجديدة " من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء " ملخص ما تعانيه المدرسة المغربية، حيث نجد الكلمات الثقيلة جدا " الإنصاف" ، "الجودة" ، "الارتقاء" و أسوقها كما يلي :
الإنصاف: هو العنصر الغائب في كل القطاعات وليس التعليم فقط، هل يمكن الحديث عن الإنصاف على مستوى العدل أو على مستوى التوظيف أو على المستوى الصحي أو على المستوى السياسي ...و بالتالي فلا أحد ينكر أن المدرسة المغربية أنواع عديدة، مدراس خصوصية لأبناء الأعيان تقدم خدمات بأثمنة خيالية، وأخرى لأبناء الطبقة المتوسطة بأثمنة تتجاوز 5 ألاف درهم للشهر وبعضها لأبناء الطبقة الكادحة بأثمنة مقبولة نسبيا، وفي الحضيض المدرسة العمومية التي تنقسم هي الأخرى إلى 4 أو 5 مستويات؛
هل يمكن الحديث عن الإنصاف في ظل 70 أو 80 متمدرسا في الحجرة التي أصلا لا تتسع إلا لأربعين كأقصى حد، هل يمكن الحديث عن الإنصاف و ما يقارب نصف المتعلمين بالابتدائي في الأقسام متعددة المستوىات ( مستويين فما فوق )
الجودة : لن يتوقع الجودة في ظل ما سبق إلا الجالسين - في العاصمة الإدارية - على الأرائك حيث اعتادوا إعطاء الأوامر، خاطئها و شاردها ونشازها، أما الممارس في الميدان فلن يحلم - مهما بلغ اجتهاده - بتحقيق جودة مع 70 أو 80 متمدرسا بمعدل 4 بطاولة صنعت و تصنع بمقعدين منفصلين، كما لا يمكن الحديث عن الجودة في ظل الأقسام المشتركة بأكثر من مستويين،
الارتقاء: لقد لعبت الحكومة دورا كبيرا فيما لا يساعد على الارتقاء بتعنتها ضد الأساتذة المتدربين، مما جعل الوزارة الوصية تعيش اليوم نوعا من الارتجالية في تقرير مصير هذه الفئة و ما سينعكس سلبا على المتعلمين؛
فماذا سيقدمه متدرب تلقى في أقل من ثلاثة أشهر دروسا نظرية و بعدها أسند له - في سلك الابتدائي - قسم من 70 أو 80 متعلما أو قسم مشترك أو إشهادي؟ أو عدة أقسام – بالثانوي - بكل قسم 70 أو 80 متمدرسا.
لا يمكن الحديث عن الارتقاء بأي مكون من مكونات المنظومة التربوية في ظل خصاص أزيد من 40000 مدرس وأزيد من 2000 إداري، وأزيد من 4000 مفتش؛
أما عن الرافعات الثمانية فتلك توقعات دراسة قام بها المجلس الأعلى وأخد لها العنوان السالف الذي يمكن اعتباره شعار الرؤية الاستراتيجية، وهي دعامات جاء بها الميثاق الوطني للتربية والتكوين ولم تستطع الحكومات السابقة بلوغها، فمن الناحية العملية والحرفية ستبقى مجرد شعارات غير قابلة للتطبيق لعدة أسباب، ولتمكين القارئ من تأمل ما سبق، أذكره بالرافعات الثمانية ليتخيل ما الجديد، و ما الفرق بينها وبين الدعامات التي جاء بها الميثاق الوطني، إذا استثنينا عدد الرافعات وعدد الدعامات، و كذا الفرق اللغوي (دعامة = رافعة):
الرافعة 1: التحقيق الفعلي لمبدأ المساواة في ولوج التربية و التكوين دون أي تمييز؛
الرافعة 2: إلزامية التعليم الأولي و تعميمه؛
الرافعة 3: استهداف تعميم و تنمية التمدرس بالأوساط القروية و شبه الحضرية و المناطق ذات الخصاص بتخويلها تمييزا إيجابيا؛
الرافعة 4: تأمين الحق في ولوج التربية و التكوين للأشخاص في وضعية إعاقة أو وضعيات خاصة؛
الرافعة 5: تمكين المتعلمة و المتعلم من استدامة التعلم و بناء المشروع الشخصي و الاندماج؛
الرافعة 6: تمكين مؤسسات التربية والتكوين من التأطير اللازم ومن التجهيزات والبنيات و الدعم لضمان الانصاف والتعميم التام؛
الرافعة 7 : تحقيق مدرسة ذات جدوى و جاذبية؛
الرافعة 8 : التعليم الخاص شريك للتعليم العمومي في التعميم و تحقيق الإنصاف،
و دون إسراف في الحديث، فالوضع المزري جدا، و الإرتباك، و الارتجالية الحاصلة اليوم في المدرسة المغربية ينبئ بكارثة أكبر من الحالية، فالتوظيف المباشر و التوظيف بالعقدة دليل إفلاسها، و لا يمكن تحقيق أي شيء من الشعارات المرفوعة سواء في التدابير ذات الأولية التي رسمتها الوزارة و لم تحترم سبل تنفيذها، أو ما سترسمه كمشاريع لتنزيل كافة بنود الرؤية الاستراتيجية ما لم يطبق مبدأ المساءلة و المحاسبة ...

س- تحدثت الرافعة السادسة عن تخويل مؤسسات التربية والتكوين التأطير والتجهيز والدعم اللازم ، آلا ترون أن هذه الرافعة استحضرها المخطط الاستعجالي وخاصة ما يتعلق بالبنيات التحتية ورصدت ميزانيات مهمه ولكن النتيجة لم تكن في مستوى الطموحات فماهي الحلقة المفقودة في هذا الشأن؟.
ج- فعلا رصدت في البرنامج الاستعجالي ملايير الدراهم من أموال الشعب، وزعت يمينا و شمالا، و سربت أخبار عن الاختلالات و الاختلاسات، و لم نسمع لحد اليوم أخبارا عن التحقيقات و لم يسترجع مال الشعب أو على الأقل طمأنة دافعي الضرائب، كما تعاملت الوزارة مع ما حققه البرنامج الاستعجالي من نجاح ( على علاته و مشاكله ) بنوع من الاستخفاف و الاستهزاء في بعض الحالات و على جميع المحاور، مما غيب عنا فكرة الاستفادة من التراكم؛
فعلى المستوى التربوي، المجهود الجبار في التأطير و التكوين المستمر ضرب عرض الحائط بجرة قلم من طرف الوزير السابق و بمباركة من الحكومة، ففي كل مؤسسة من مؤسسات التربية و التعليم بدون استثناء أطنان من كتب بيداغوجية الإدماج و توابعها تركت للضياع، و شغلت حيزا كبيرا من فضاءات المؤسسات، كل هذا العبث بمقدرات الوطن و ليس هناك حساب أو عقاب؛
أما على المستوى المادي و البنية التحتية فصرفت أموال طائلة و لم يظهر لها أثر على الواقع، و كنموذج المدارس الجماعاتية ( مدارس رائعة و بتصاميم نموذجية) تقدر قيمة الواحدة منها بأزيد من مليار و نصف تركت فارغة لا تستقطب إلا أعدادا قليلة من المتعلمين لعدم تشغيل الداخليات بسبب غياب قانون ينظم الداخليات بالابتدائي ( لا يوجد قانون يحدث بموجبه لا مقتصد وحارس عام للداخلية بالمدرسة الابتدائية ) فملايير الدراهم من مال الشعب ترمى دون تفكير في الجوانب المكملة و المنظمة لأي مشروع؛
و من هنا يمكن إعطاء مثال على الاستهتار بالأمة و مصيرها، ففي بداية البرنامج الاستعجالي عمدت الوزارة إلى تعميم التكوين على كل مكونات المنظومة خاصة حول بيداغوجية الإدماج و كنا نعقد اجتماعات مع كاتبة الدولة لطيفة العبيدة حول مواضيع متعددة من بينها بيداغوجية الإدماج فيتقدم طاقم وزاري بزركشة كلمات مدح و تناء على هذه البيداغوجية الجديدة، لكن بحلول الوزير الوفا و بما أن علم الطاقم الوزاري رغبة الزير في إعدام هذه البيداغوجية أصبح الطاقم الوزاري يكيل لهذه البيداغوجية العديد من الأوصاف المشينة بل أعلن عداوته المجانية عليها؛
لذا يمكن اعتبار هذا النموذج هو الحلقة المفقودة، فمن يقوم بدور الحرباء لا يصلح لتحمل مسؤولية وطنية خطيرة جدا، فشل الميثاق و تكلف مفشلوه بالبرنامج الاستعجالي، و فشل البرنامج الاستعجالي و تكلف مفشلوه بالتدابير ذات الأولوية، العبث بمصير أمة، و عليه فالحلقة الضائعة هي غياب الحكامة و المساءلة و المحاسبة.

س - كيف تتحقق الجاذبية لدى المدرسة العمومية؟
ج- إذا أردنا جوابا نظريا فستحقق المدرسة العمومية جاذبيتها بتحقيق هذه الرافعات الثمانية، أما إذا أردت جوابا تقنيا ميدانيا فتتحقق بالشروط التالية:
 بناء عقلية تجعل الوطن فوق الجميع؛
 تكوين أساس متين و تخصصي، و تكوين مستمر متجدد لكل نساء و رجال التعليم يترتب عنه تغيير في الدرجة و الرتبة، و هو ما نسميه بالتحفيز المادي و المعنوي؛
 توفير بنية تحتية ملائمة؛
 برامج و مناهج من صنع الخبراء الممارسين بعيدا على ثقافة اللوبيات و سماسرة الكتب المدرسية؛
 تقليص عدد ساعات العمل بالنسبة للتلميذ و بالتالي تقليص الساعات المخصصة لبعض المواد بشكل يمكن من القيام بالأعمال الإضافية التي يقوم بها رجال و نساء التعليم خارج الحجرة؛
 ربط الترقي بالمردودية و إعمال القانون في حق المتهاونين، و تشجيع المجدين و تحفيزهم؛
  إلخ

س- الرافعة الثامنة أكدت أن التعليم الخصوصي شريك في التعميم وتحقيق الإنصاف، لكن المواطنين لديهم تمثلات حول هذا النوع من التعليم فهم يلجأون إليه مكرهين بعد فقدان المدرسة العمومية لجاذبيتها ، كيف للتعليم الخصوصي أن يحقق الإنصاف والتعميم؟.
ج- فعلا التعليم الخصوصي شريك و يقوم بدور فعال، لكن الحديث عن الإنصاف شيء آخر، فالتعليم الخصوصي مؤسسات ربحية تبيع سلعة خاضعة للعرض و الطلب، و عندما نقول العرض و الطلب فلامجال هنا للحديث عن تكافؤ الفرص بين المغاربة، بل المتعلم بالمدرسة العمومية سيتلقى تربية – لا أقول تعليما – مخالفة للتربية التي يتلقاها المتعلم بالمدرسة الخصوصية، و الكل يعلم لما لذلك من خطورة على أجيال المستقبل، و الصراعات بين تصورين متناقضين نتيجة تربيتين مختلفتين، قد تساهم المدرسة الخصوصية في تحقيق الإنصاف إن تم تغيير القانون 00.06 والقانون 00.05 و إن قامت الدولة بمهامها في خلق شراكات بين المدرسة الخصوصية و الدولة تسمح لباقي أبناء الشعب المغربي بالاستفادة من خدماتها، و بذلك تساهم في التعليم و الإنصاف؛
أما عن تمثلات المواطنين، ففعلا بعض الأسر تفضل التقشف في كل شيء من أجل تأدية واجب المدرسة الخصوصية، لتيقنهم من صعوبة تحقيق الجودة في المدرسة العمومية؛
و للإشارة فالتعليم الخصوصي ليس تعليما مميزا كما يتبادر للذهن، التعليم الخصوصي نجح في القيام بالواجب الوطني للأسباب التالية:
بنية تحتية في أغلبها مقبولة تساعد على تحفيز المتلقي؛
عدد المتعلمين مشجع جدا؛
للآباء و أوليات التلاميذ دور كبير في تتبع المؤسسة و مراقبتها فيما تقدمه؛
كل آباء و أوليات المتعلمين بإمكانهم الاستجابة لمتطلبات المدرسة؛
كل المدرسين يخضعون لقاعدة " من اشتغل جيدا يحفز و من تقاعس يعزل "؛

س- ما موقع الموارد البشرية باعتبارها رأسمال غير مادي في تحقيق الإنصاف؟
ج- الموارد البشرية هي حجر الزاوية في كل هذا الجدل، فالموارد البشرية بيدها الحل و العقد، أغلب المشاكل سببها العنصر البشري و ليس قضاء وقدرا، كما أن الخروج من هذا الوضع بيد الموارد البشرية، إلا أنه بكبر المسؤولية الإدارية تكبر المسؤولية القانونية والأخلاقية، لذا مسؤوليتنا جميعا أمام الناشئة كبيرة جدا أمام الله و أمام الوطن ، من تربى على الفردانية لن يفكر في المجتمع.

عبد الرزاق بن شريج
عضو المكتب الوطني لنقابة مفتشي التعليم

تعليقات

المشاركات الشائعة