التشغيـل بموجـب عقـود بالمنظومـة التربوية .. الإفـلاس التشريعـي








في إطـار رسـم التوجهـات الجديدة للدولـة في قطـاع الوظيفـة العموميـة، تـمّ إصـدار المرسـوم رقـم 2.15.770 المتعلق بتحديـد شروط وكيفيـات التشغيـل بموجـب عقـود بالإدارات العمومية، وذلك بتاريـخ 09 غشـت 2016، الذي أتـى تطبيقـا للفصـل السادس مكرر من النظام الأساسي للوظيفـة العمومية الصادر بتاريخ 24 فبراير 1958، حسبما تـمّ تغييره وتتميمه بموجب القانون رقـم 50.05 الصادر بتاريخ 19 ماي 2011. وهو المقتضـى الذي تـمّ هتكـه وافتضاضـه من خـلال مذكـرة وزيـر التربية الوطنية والتكوين المهني رقـم 16/866 الصادرة في فاتـح نوفمبـر 2016، والمتعلقة بـ " التوظيف بموجـب عقـود من طـرف الأكاديميـات الجهويـة للتربية والتكويـن، وكـذا المذكرة رقـم 17/060 الصادرة عن وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، بتاريخ 28 أبريـل 2017، التي جاءت بعـد اجتماع وزيـر التربية الوطنية مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية يوم 26 أبريل 2017، الذي أشار إلى عزم الوزارة التعاقـد مع 24 ألـف أستـاذ بدايـة الموسم المقبل.
ومـن تـمّ، سنحاول من خلال هذه المقـالة بسـط بعض ملامـح التخبّـط التشريعي، من خلال المرسـوم المشـار إليـه أعـلاه والمذكرات الصادرة عن وزيـر التربية الوطنيـة.

أولا: إن مقتضيـات الفصـل السادس مكرر من النظام الأساسي للوظيفـة العموميـة، حسبما تمّ تعديلـه وتتميمـه بمقتضـى القانون رقم 50.05 الصادر بتاريخ 19 ماي 2011، الذي جـاء لشرعنـة حـق السلطـة التنفيذيـة في تحديـد شروط وكيفيـات التشغيـل بموجـب عقـود بالإدارات العمومية، وذلك عبـر تمكينهـا من آليـة المرسـوم، الذي لا يحتـاج سـوى لتأشيـرة المجلس الحكومـي ليجـد طريقـه إلى الجريدة الرسميـة، يعـدّ مقتضـى لا دستـوري، وخـرق لمقتضيـات الفصـل 71 من دستور فـاتح يوليوز 2011، الذي أسنـد الاختصـاص الحصـري للقـانون في التشريـع في ميدان الوظيفـة العموميـة، وبالتالي فعلـى الحكومـة أن ترفـع يدها عن تنظيم المجالات الواردة في الفصـل 71 من دستور 2011، وعـدم هتـك المساطـر الدستورية المنظمة لعمليـة التشريـع.

ثانيـا: عـدم اعتمـاد السلطـة التنفيذيـة علـى أيـة مقاربـة تشاركيـة أثنـاء تنزيـل المرسـوم رقـم 2.15.770 الصادر بتاريـخ 09 غشت 2016، والمتعلق بتحديد شروط وكيفيات التشغيل بموجـب عقـود بالإدارات العموميـة، يشكـل خرقـا لمقتضيـات الاتفاقيـة رقـم 151 المعتمدة من قبل منظمة العمل الدوليـة بجنيـف بتاريخ 27 يونيـو 1978، والخاصـة بحمايـة حـق التنظيم وإجـراءات تحديد شروط التشغيل في الوظيفـة العموميـة، والتي صادق عليها المغـرب ونشر مقتضياتها بالجريدة الرسميـة بتاريخ 08 يوليوز 2014، حيـث تنـص المادة السابعـة منها، على أنه: " تتخذ عند الاقتضـاء شروط تتناسب مع الظروف الوطنيـة لتشجيـع وتعزيز التطوير والاستخدام الكاملين لآليـة التفاوض بشأن شروط وظروف الاستخدام بين السلطات العامة المعنية ومنظمات المستخدمين العموميين أو أي أساليب أخـرى تسمح لممثلي المستخدمين العموميين بالمشاركـة في تحديد هذه الأمـور".

ثالثــا: إن المذكرة الوزاريـة رقـم 866.16 الصادرة في فاتح نوفمبر 2016 عن وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، تعـدّ مذكـرة معيبـة شكـلا ومضمونا، ومؤشرا على بروز نوع من الخـواء والإفـلاس التشريعي لـدى مهندسـي المذكرات والمناشير الوزاريـة. فبالرجوع إلى المذكـرة المشار إليها، نجـد أنها لم تشـر في تصديرها إلى الأسس القانونية التي ارتكزت عليها (دستور 2011، الفصل 6 مكرر من النظام الأساسي للوظيفة العمومية حسبما تم تغييره وتتميمه بموجب القانون رقم 50.05 الصادر بتاريخ 19 ماي 2011، المرسوم رقم 2.15.770 الصادر بتاريخ 09 غشت 2016)، وهو المعطـى الذي يـدل على أن المذكرة صيغت دون العودة إلى المقتضيات التشريعية المنظمة لعمليـة التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية.

رابعــا: إن مذكرات وزير التربية الوطنية (المذكرة رقم 866.16 والمذكرة رقم 060.17)، قـد أفرزت نوعا من التخبّـط والتشردم على المستوى المفاهيمي، بـل أظهرت تناقضـا صارخا حـدّ الهذيـان في صياغتها، بحيث نجد هذه المذكرات تتحدث عن "التوظيف بموجب عقود" وكذا " عقـود التوظيف"، بينمـا الفصـل السادس مكرر من النظام الأساسي للوظيفة العموميـة والمرسوم رقم 2.15.770 الصادر بتاريخ 09 غشت 2016، يتحدثان فقـط عـن " التشغيـل بموجب عقـود بالإدارات العمومية"، وشتّــان بين مفهـوم "التوظيـف" ومفهـوم "التشغيـل". فبأي قانون تـوسّل به إذن مهندسي المذكرات الوزارية، حتى أصبحنا نتحدث عن " التوظيف بالتعاقد " و "عقـود التوظيف"، وهو الأمر الذي يشكـل خرقـا لمقتضيات المادة الثانيـة من النظام الأساسي للوظيفـة العمومية، التي تنـص على أنه: " يعـد موظفا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة". وبالتالي فإن دمـج مفهومين ينتميان إلى حقلين مختلفين ومتباينين (قانون الوظيفة العمومية ومدونـة الشغـل)، يعـدّ هتكـا واستخفافـا بالمقتضيات التشريعية، وأمارة من أمارات الكسـل والأميـة القانونية لـدى مهندسي المذكرات الوزارية. ولـم يقـف التخبـط عند هذا الحـدّ، بل تعـداه إلـى استعمال المذكرة الوزارية رقم 866.16 لمفهوم " الأساتذة المتعاقدون" و"الأساتذة المتدربين المتعاقدين"، وهو المفهوم (الأستـاذ) الذي درج المشـرع علـى استعماله فقط في مجال التعليـم العمومي، وهذا ما نجـد أثرا لـه على مستوى النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية الصادر بتاريخ 10 فبراير 2003، الذي استعمل حصـرا مفهـوم "الأستاذ" في المادة 13 منـه، على خلال مقتضيات القانون رقم 06.00 بمثابـة النظام الأساسي للتعليم الخصوصي الصادر بتاريخ 19 ماي 2000 والمرسوم التطبيقي رقم 2.00.1015 الصادر في 22 يونيو 2001، اللذان نجدهما يستعملان لفـظ "المدرس" أو " العاملين بمؤسسات التعليم".

خامســا: تعـدّ مضامين المذكـرة الوزاريـة الموجهـة إلى مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، والمتعلقة بالتشغيل بموجب عقـود في المنظومـة التربوية، خـرقـا لمقتضيات القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونـة الشغـل، وضربـا لمبدأ استمراريـة المرفق العمومي، وذلك عبـر تبنيـها وإعمالها للعقـود محددة المدة (سنتيـن)، وهو ما يشكل نزوحـا عن الأصـل، الذي هو أن عقـد الشغـل غيـر محدد المدة (المادة 16 من مدونة الشغل)، أما عقـود الشغل المحددة المـدة فقـد حصـرها المشـرع في حـالات محددة على سبيل الحصـر، إذ نصت المادة 16 من مدونـة الشغل على أنه: " تنحصر حالات إبرام عقد الشغل محدد المدة فيما يلي: إحلال أجير محل أجير آخر في حالة توقف عقد شغل هذا الأخير، ما لم يكن التوقف ناتجا عن الإضراب؛ ازدياد نشاط المقاولة بكيفية مؤقتة؛ إذا كان الشغل ذا طبيعة موسمية. يمكن إبرام عقد الشغل محدد المدة في بعض القطاعات والحالات الاستثنائية التي تحدد بموجب نص تنظيمي بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا أو بمقتضى اتفاقية شغل جماعية ". هكـذا يمكن القول أن المذكرة الوزاريـة لـم تـكن موفقـة عندما جعلـت التشغيـل في المنظومـة التربويـة يتـم وفق عقـود محددة المدة، فهـل من منظور مهندسـي المذكرات الوزاريـة، يمكـن إحـلال أحكـام ومقتضيات خاصة بمقاولات تعمل بشكل مؤقت أو ضيعات فلاحيـة ذات نشاط موسمي، علـى مدرسـة سمتها الاستمرارية وصناعـة نخـب تبني المستقبل ؟

سادســا: إن التوجهـات الجديدة للدولة في مجال الوظيفـة العموميـة، عبر تبني آليـة التشغيـل بموجب عقـود في الإدارات العمومية، جـاءت لاحتـواء الأزمـة التي تخيّـم على صناديـق التقاعـد بالمغرب، وذلك من خلال إخضـاع هاؤلاء المتعاقديـن العاملين بالإدارات العمومية لأنظمـة تقاعـد غيـر التي يستفيـد منها الموظفين المرسمين بالإدارات العمومية، الذين تسري عليهم مقتضيات القانون المنظم للصندوق المغربي للتقاعـد (CMR)، على خلاف المستخدمين بموجب عقود بالإدارات العمومية الذيـن يخضعـون للنظـام الجماعـي لمنـح رواتـب التقاعـد (RCAR) المنظم بموجب القانون رقم 1- 77- 216 الصادر بتاريخ 04/10/1977.
وعلـى سبيـل الختـام، يمـكن القـول، أن تطبيــق المرسـوم رقـم 2.15.770 المتعلق بتحديـد شروط وكيفيـات التشغيـل بموجـب عقـود بالإدارات العمومية، في المنظـومـة التربويـة، من شأنـه أن يزيــد من نزيـف المنظومة ويعمــق من أزمــة التعليـم ببلادنا، الذي ما زال ينظـم عن طريـق مذكرات ومخططات بائسـة وبائـدة، وبالتالـي على المشـرع العمل علـى سـنّ مدونـة خاصـة بمهن التربية والتكوين، تصـاغ مقتضياتها بناء على توصيـات مناظـرة وطنيـة من أجـل إصـلاح المنظومة التربويـة بإشراك جميـع المتدخلين والفاعلين في المنظومـة.


بقلــــــم : سعيـد موقـوش
باحــث بمركـز الدكتـوراه بكليـة الحقـوق بطنجة
جامعة عبد المالك السعدي

تعليقات

المشاركات الشائعة