تعليم بيريمي (2/1) بقلم رشيد نيني
عندما قال محمد حصاد ساعة تعيينه وزيرا للتعليم بأن إصلاح القطاع يحتاج إلى معجزة فالرجل لم يكن مجانبا للصواب، إذ إن التفكير العميق في خبايا كل ملفاته يجعلنا نؤمن فعلا بأن الأمر مستحيل، والحقيقة أن هذه الاستحالة مصدرها من جهة تراكم الأخطاء والأعراف الخاطئة والفاسدة في تدبيرها، وأيضا استمرار المزاجية وغياب الأفق عند متخذي القرار، فكلما جاء وزير نسخ قرارات سابقه، ولسان حاله يقول ما يقوله فرعون في القرآن الكريم «ما عرفت لكم من إله غيري».
وهناك عشرات الملفات «الحامضة» التي لا تتطلب درهما واحدا لحلها، ولكن في المقابل تصرف عليها ملايين الدراهم، لكون جهة ما في الوزارة أقنعت هذا الوزير أو ذاك بمشاريع إصلاح تبدو ظاهريا ناجعة في حين أنها فقط مجرد مشاريع تدر أرباحا على من يشرفون عليها.
فمن هذه المشاريع مثلا، «شي حاجة» اسمها تنويع العرض التربوي، فالوزارة قبل ثلاث سنوات من الآن قررت تنويع الباكالوريا، لتشمل باكالوريا إنجليزية وفرنسية وإسبانية إلى جانب الباكالوريا العادية، لذلك سيتخرج هذه السنة أول فوج حاصل على باكالوريا إنجليزية. حتى الآن، فالوزارة «تنوع» العرض التربوي، لكن ما لم يتم التفكير فيه، ويعكس قصر النظر عند متخذي القرار التعليمي عامة، هو الآفاق المستقبلية لخريجي هذه الباكالوريا، فالعشرات من الحاصلين على هذه الشهادة سيكونون مضطرين لإعادة قراءة الرياضيات وباقي العلوم بالفرنسية ليجتازوا مباريات الالتحاق بالمدارس العليا، أي أنهم سيضعون ما درسوه باللغة الإنجليزية جانبا، وسيدخلونه فقط في «الثقافة العامة»، لكون كل المدارس العليا بدون استثناء تنظم المباريات باللغة الفرنسية، وهو الامتياز الذي يستفيد منه أصحاب الباكالوريا الفرنسية وخريجو مدارس البعثات تحديدا، بدليل أن أكثر من ثلثي طلبة كليات الطب والصيدلة هم من خريجي مدارس البعثات أو درسوا فيها لسنوات معينة.
وليس أمام أصحاب الباكالوريا الإنجليزية من سبيل ليستفيدوا من هذه اللغة إلا أحد أمرين، الأول هو الالتحاق بإحدى الجامعتين الدوليتين في الرباط أو الدار البيضاء، وتوفير مصاريف دراسة تتجاوز 10 ملايين سنتيم في السنة، دون الحديث عن مصاريف أخرى خاصة بالسكن والتغذية والتي تتكفل بها شركات خاصة وتتجاوز ثلاثة ملايين أخرى على الأقل، أما الخيار الثاني فهو البحث عن مُدرسين خصوصيين للمواد العلمية في الصيف لدراستها باللغة الفرنسية، وهناك مدارس خاصة استغلت هذه الفوضى وبدأت تروج لدروس صيفية لهؤلاء بمبالغ تتراوح ما بين 600 وألف درهم للساعة الواحدة، في أفق أن يجهزوا للمباريات التي يتم تنظيمها ابتداء من شتنبر، الكارثة هنا، هي أن الوزارة «عاجبها الحال» وقررت توسيع هذه التجربة السنة المقبلة لتشمل كل الجهات، لكن دون أن تفكر في الآفاق المستقبلية، فما لم تفكر فيه إطلاقا هو أن حتى بالنسبة للذين يضطرون للتسجيل في شعبة من شعب الجامعة، فإنهم لا يستفيدون من تخصص هذه الباكالوريا لكون الدراسة في الشعب العلمية تتم باللغة الفرنسية وفي الشعب الأدبية تتم باللغة العربية.
كل هذا فقط لنقنع أنفسنا بأن نظامنا التعليمي ليس فرانكفونيا، فيما قوة الواقع تؤكد فعلا أننا اخترنا نموذج فرنسا دون أن نختار معه إدارة وذهنيات المسؤولين الفرنسيين، والدليل على أننا اخترنا هيكل النظام التربوي دون أن نختار معه روحه، هو سلسلة قرارات «جديدة قديمة» اتخذها حصاد بشكل أعادنا إلى نقطة الصفر من جديد، وحظنا، ككل مرة يتم فيها تعيين حكومة جديدة، هو أن نرزق بوزراء يعتقدون كل من جهته بأن سابقيهم كانوا «غير كيخربقو» بينما هم «فاهمين وقارين».
فعندما جاء رشيد بلمختار ألغى قرارات كثيرة اتخذها محمد الوفا، مبررا ذلك بالحديث عن كون تعليمنا كارثيا ومريضا إلى آخر الأغنية المعروفة، وعندما جاء حصاد سار على هذا النهج العبثي نفسه، فقرر توحيد العطل بعد أن كان بلمختار قد اعتمد نظام الأقطاب، أي بدل أن تكون لكل جهة عطلة خاصة بها تم توحيد كل العطل، يعني رجع إلى نقطة البداية، وأيضا اتخذ قرارا يسمح لمدرسي التعليم العمومي بالتدريس في القطاع الخاص دون شرط أو قيد، بعد أن كان بلمختار قد أصدر قرارا يجبر المدارس الخاصة على تشغيل مدرسيها الخاصين بها ابتداء من الدخول الدراسي المقبل، بل ووضع شرطا سيكون له ما بعده، وهو منع مدرسي المؤسسات الخاصة من الترشح لمباراة التعاقد، علما أن هؤلاء لم يختاروا التوظيف بالعقدة على علاته، إلا هروبا من الاستعباد الذي يشتغلون فيه في هذه المؤسسات، والدليل على ذلك هو المليارات التي لم يدفعها أصحاب هذه المؤسسات لصندوق الضمان الاجتماعي، ليجد هؤلاء الموظفون أنفسهم بدون تغطية صحية وضمان اجتماعي لكون أصحاب هذه المدارس «كيعرفو غي يدخلو الفلوس»، وبدل أن يعمل الوزير، بصفته المشرف حكوميا على القطاع، على ضبط جماح هذا القطاع، ها هي التقارير الدولية، ومنها تقرير البنك الدولي، والمعروف بأنه يدعم التوجهات الليبرالية المتوحشة في المجال السوسيو اقتصادي، يحذر المغرب من اتساع دائرة التعليم الخاص على حساب التعليم العمومي، لكون وتيرة اتساعه وصلت عندنا في السنوات الأخيرة إلى 300 في المائة، في حين أن باقي الدول التي يصنفها هذا البنك في الخانة نفسها من زاوية التنمية، لا تتجاوز هذه الوتيرة بها 50 في المائة، أي أننا مجتهدون «بزاف» أكثر من خبراء البنك الدولي.
الكارثة هي أنه إلى جانب هذا النمو العشوائي هناك فوضى حقيقية، خلافا لآخر تقرير افتحاصي أصدرته الوزارة نفسها عما يفوق 400 مؤسسة خاصة، فما لا يتحدث عنه التقرير الرسمي هو أن أغلب المدارس الخاصة الكبرى تفرض على الأسر دفع مصاريف الدراسة عن سنة كاملة قبل انطلاق السنة الدراسية، وطبعا تتضمن هذه المبالغ مصاريف إضافية، بعضها خيالي، مثلا مصاريف طبيب نفسي ومصاريف مصحة مستعجلات ومصاريف رحلات ومصاريف برامج إلكترونية مستوردة لتعليم بعض المواد، علما أنها مجرد مصاريف إضافية، وإذا احتاج الوزير لائحة بأسماء مدارس خاصة في مراكش والدار البيضاء والرباط تطلب هذا، نحن مستعدون لتقديمها، كل هذا «كوم» كما يقول المصريون والكتب المدرسية «كوم تاني»، فأرقام تجار الكتب المدرسية تقول رسميا بأن مدارسنا الخاصة تعتمد 232 عنوانا فقط في التعليم الابتدائي، كلها مستوردة من فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وكندا، أي أن الكتب المدرسية المعتمدة وطنيا موجهة فقط للتعليم العمومي، فيما أغلب هذه المدارس تعتمد كتبا مستوردة، والخطير هو فرضها على التلاميذ دون حتى تفسير لماذا هذا العنوان وليس ذاك، لكون أغلب أرباب هذه المدارس هم من يتكفلون بشرائها من «بائعي الجملة» وطبعا «هاد التسمسيرة» تكون مربحة، بل إن بعض تجار الجملة يقدمون هدايا «مالية وعينية» لهؤلاء مقابل اقتناء الكتب المدرسية منهم، فيجد الآباء أنفسهم يدرسون أبناءهم هذه السنة في كتاب مستورد من فرنسا والسنة المقبلة في كتاب آخر مستورد من بلجيكا أو سويسرا.
وهناك عشرات الملفات «الحامضة» التي لا تتطلب درهما واحدا لحلها، ولكن في المقابل تصرف عليها ملايين الدراهم، لكون جهة ما في الوزارة أقنعت هذا الوزير أو ذاك بمشاريع إصلاح تبدو ظاهريا ناجعة في حين أنها فقط مجرد مشاريع تدر أرباحا على من يشرفون عليها.
فمن هذه المشاريع مثلا، «شي حاجة» اسمها تنويع العرض التربوي، فالوزارة قبل ثلاث سنوات من الآن قررت تنويع الباكالوريا، لتشمل باكالوريا إنجليزية وفرنسية وإسبانية إلى جانب الباكالوريا العادية، لذلك سيتخرج هذه السنة أول فوج حاصل على باكالوريا إنجليزية. حتى الآن، فالوزارة «تنوع» العرض التربوي، لكن ما لم يتم التفكير فيه، ويعكس قصر النظر عند متخذي القرار التعليمي عامة، هو الآفاق المستقبلية لخريجي هذه الباكالوريا، فالعشرات من الحاصلين على هذه الشهادة سيكونون مضطرين لإعادة قراءة الرياضيات وباقي العلوم بالفرنسية ليجتازوا مباريات الالتحاق بالمدارس العليا، أي أنهم سيضعون ما درسوه باللغة الإنجليزية جانبا، وسيدخلونه فقط في «الثقافة العامة»، لكون كل المدارس العليا بدون استثناء تنظم المباريات باللغة الفرنسية، وهو الامتياز الذي يستفيد منه أصحاب الباكالوريا الفرنسية وخريجو مدارس البعثات تحديدا، بدليل أن أكثر من ثلثي طلبة كليات الطب والصيدلة هم من خريجي مدارس البعثات أو درسوا فيها لسنوات معينة.
وليس أمام أصحاب الباكالوريا الإنجليزية من سبيل ليستفيدوا من هذه اللغة إلا أحد أمرين، الأول هو الالتحاق بإحدى الجامعتين الدوليتين في الرباط أو الدار البيضاء، وتوفير مصاريف دراسة تتجاوز 10 ملايين سنتيم في السنة، دون الحديث عن مصاريف أخرى خاصة بالسكن والتغذية والتي تتكفل بها شركات خاصة وتتجاوز ثلاثة ملايين أخرى على الأقل، أما الخيار الثاني فهو البحث عن مُدرسين خصوصيين للمواد العلمية في الصيف لدراستها باللغة الفرنسية، وهناك مدارس خاصة استغلت هذه الفوضى وبدأت تروج لدروس صيفية لهؤلاء بمبالغ تتراوح ما بين 600 وألف درهم للساعة الواحدة، في أفق أن يجهزوا للمباريات التي يتم تنظيمها ابتداء من شتنبر، الكارثة هنا، هي أن الوزارة «عاجبها الحال» وقررت توسيع هذه التجربة السنة المقبلة لتشمل كل الجهات، لكن دون أن تفكر في الآفاق المستقبلية، فما لم تفكر فيه إطلاقا هو أن حتى بالنسبة للذين يضطرون للتسجيل في شعبة من شعب الجامعة، فإنهم لا يستفيدون من تخصص هذه الباكالوريا لكون الدراسة في الشعب العلمية تتم باللغة الفرنسية وفي الشعب الأدبية تتم باللغة العربية.
كل هذا فقط لنقنع أنفسنا بأن نظامنا التعليمي ليس فرانكفونيا، فيما قوة الواقع تؤكد فعلا أننا اخترنا نموذج فرنسا دون أن نختار معه إدارة وذهنيات المسؤولين الفرنسيين، والدليل على أننا اخترنا هيكل النظام التربوي دون أن نختار معه روحه، هو سلسلة قرارات «جديدة قديمة» اتخذها حصاد بشكل أعادنا إلى نقطة الصفر من جديد، وحظنا، ككل مرة يتم فيها تعيين حكومة جديدة، هو أن نرزق بوزراء يعتقدون كل من جهته بأن سابقيهم كانوا «غير كيخربقو» بينما هم «فاهمين وقارين».
فعندما جاء رشيد بلمختار ألغى قرارات كثيرة اتخذها محمد الوفا، مبررا ذلك بالحديث عن كون تعليمنا كارثيا ومريضا إلى آخر الأغنية المعروفة، وعندما جاء حصاد سار على هذا النهج العبثي نفسه، فقرر توحيد العطل بعد أن كان بلمختار قد اعتمد نظام الأقطاب، أي بدل أن تكون لكل جهة عطلة خاصة بها تم توحيد كل العطل، يعني رجع إلى نقطة البداية، وأيضا اتخذ قرارا يسمح لمدرسي التعليم العمومي بالتدريس في القطاع الخاص دون شرط أو قيد، بعد أن كان بلمختار قد أصدر قرارا يجبر المدارس الخاصة على تشغيل مدرسيها الخاصين بها ابتداء من الدخول الدراسي المقبل، بل ووضع شرطا سيكون له ما بعده، وهو منع مدرسي المؤسسات الخاصة من الترشح لمباراة التعاقد، علما أن هؤلاء لم يختاروا التوظيف بالعقدة على علاته، إلا هروبا من الاستعباد الذي يشتغلون فيه في هذه المؤسسات، والدليل على ذلك هو المليارات التي لم يدفعها أصحاب هذه المؤسسات لصندوق الضمان الاجتماعي، ليجد هؤلاء الموظفون أنفسهم بدون تغطية صحية وضمان اجتماعي لكون أصحاب هذه المدارس «كيعرفو غي يدخلو الفلوس»، وبدل أن يعمل الوزير، بصفته المشرف حكوميا على القطاع، على ضبط جماح هذا القطاع، ها هي التقارير الدولية، ومنها تقرير البنك الدولي، والمعروف بأنه يدعم التوجهات الليبرالية المتوحشة في المجال السوسيو اقتصادي، يحذر المغرب من اتساع دائرة التعليم الخاص على حساب التعليم العمومي، لكون وتيرة اتساعه وصلت عندنا في السنوات الأخيرة إلى 300 في المائة، في حين أن باقي الدول التي يصنفها هذا البنك في الخانة نفسها من زاوية التنمية، لا تتجاوز هذه الوتيرة بها 50 في المائة، أي أننا مجتهدون «بزاف» أكثر من خبراء البنك الدولي.
الكارثة هي أنه إلى جانب هذا النمو العشوائي هناك فوضى حقيقية، خلافا لآخر تقرير افتحاصي أصدرته الوزارة نفسها عما يفوق 400 مؤسسة خاصة، فما لا يتحدث عنه التقرير الرسمي هو أن أغلب المدارس الخاصة الكبرى تفرض على الأسر دفع مصاريف الدراسة عن سنة كاملة قبل انطلاق السنة الدراسية، وطبعا تتضمن هذه المبالغ مصاريف إضافية، بعضها خيالي، مثلا مصاريف طبيب نفسي ومصاريف مصحة مستعجلات ومصاريف رحلات ومصاريف برامج إلكترونية مستوردة لتعليم بعض المواد، علما أنها مجرد مصاريف إضافية، وإذا احتاج الوزير لائحة بأسماء مدارس خاصة في مراكش والدار البيضاء والرباط تطلب هذا، نحن مستعدون لتقديمها، كل هذا «كوم» كما يقول المصريون والكتب المدرسية «كوم تاني»، فأرقام تجار الكتب المدرسية تقول رسميا بأن مدارسنا الخاصة تعتمد 232 عنوانا فقط في التعليم الابتدائي، كلها مستوردة من فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وكندا، أي أن الكتب المدرسية المعتمدة وطنيا موجهة فقط للتعليم العمومي، فيما أغلب هذه المدارس تعتمد كتبا مستوردة، والخطير هو فرضها على التلاميذ دون حتى تفسير لماذا هذا العنوان وليس ذاك، لكون أغلب أرباب هذه المدارس هم من يتكفلون بشرائها من «بائعي الجملة» وطبعا «هاد التسمسيرة» تكون مربحة، بل إن بعض تجار الجملة يقدمون هدايا «مالية وعينية» لهؤلاء مقابل اقتناء الكتب المدرسية منهم، فيجد الآباء أنفسهم يدرسون أبناءهم هذه السنة في كتاب مستورد من فرنسا والسنة المقبلة في كتاب آخر مستورد من بلجيكا أو سويسرا.
رشيد نيني
تعليقات
إرسال تعليق