تعليم بيريمي (2/2) بقلم رشيد نيني
قرارات الارتجال للأسف امتدت إلى عدة ملفات، منها توظيف 24 ألف مدرس جديد دون تكوين، ولنا أن نتصور مدرسا حصل للتو على الإجازة من الجامعة، ويجتاز مباراة التوظيف في شهر يوليوز وسيلتحق بقسمه في شتنبر، فقط لأن فرنسا وكندا، اللتين نستورد منهما كل شيء، تعتمدان هذا النظام في التوظيف، لكن وكما قلنا، فنحن نستورد الهيكل فقط دون الجوهر، ففي فرنسا وكندا يتعاملون مع مهنة التدريس بالمعايير نفسها التي يتعاملون بها مع باقي المهن الحساسة كالطب والمحاماة، فكما يستحيل توظيف طبيب يعاين الناس دون تكوين وتداريب مسبقة، فكذلك الأمر بالنسبة إلى المدرس، المضطر للتعامل مع ما لا يقل عن 40 تلميذا في القسم الواحد، منهم أطفال ومراهقون، يقضون ثلثي أوقاتهم في اليوم مع هذا المدرس، لذلك نجد هناك أنه لا يمكن إطلاقا اعتماد مدرس لتربية وتعليم الأطفال إلا من الحاصلين على شهادة الأهلية التربوية، أما عندنا فإن إلغاء شرط السن في مباراة التعاقد سمح لآلاف المجازين، منهم جدات وأمهات وأصحاب مهن حرة، غادروا الجامعة لمدة تصل إلى عشرين سنة، وأنستهم التزامات الحياة كل شيء له علاقة بالمعرفة، سيجدون أنفسهم في مواجهة أطفال ومراهقين دون تكوين مسبق إطلاقا. والمديرون والمفتشون والمديرون الإقليميون يعرفون أكثر من غيرهم الكوارث التربوية التي يرتكبها اليوم الآلاف الذين تم توظيفهم بالعقد في الفوج الأول، مثلا كحالة سيدة تبلغ من العمر 42 سنة حاصلة على إجازة في اللغة العربية قبل 18 سنة، تم توظيفها أستاذة للتعليم الابتدائي، وهي مضطرة لأن تدرس إلى جانب اللغة العربية التي تخصصت فيها قبل سنوات، مادتي الفرنسية والعلوم، علما أنها عاجزة تماما عن إنجاز عملية رياضية صغيرة للقسمة دون خطأ، فضلا عن كون واجباتها الأسرية كربة بيت طيلة سنوات أنستها كل شيء درسته في الجامعة، ومثل هذه الأستاذة هناك الآلاف ممن تم توظيفهم ليجدوا أنفسهم يدرسون موادا لا علاقة لهم بها، والأنكى هو أنهم يجدون أنفسهم، كلهم بدون استثناء، يدرسون مستويين وأكثر في قسم واحد، ومنهم من يدرس من السنة الأولى إلى السنة السادسة في الحصة الواحدة، ومنهم أيضا مجازون في شعب علمية درسوا باللغة الفرنسية لكن عليهم تدريس اللغة العربية.
كل هذا وعندنا أكثر من 1200 أستاذ في مراكز تكوين الأساتذة «شوماج»، وتكلف رواتبهم الخزينة العامة أكثر من 15 مليون درهم شهريا، وبدل توظيفهم في تكوين هؤلاء المدرسين الجدد، فإن ضيق الأفق عند متخذي القرار في الوزارة فضل الإبقاء على هؤلاء بدون عمل لسنة كاملة، في حين يتم تعيين مدرسين جدد بدون أدنى معلومة عن طريقة التدريس أو طبيعة الأطفال الذين سيتم تدريسهم، كل هذا والسي حصاد متفائل بإصلاح التعليم، يعلم الله «كون كان متشائم».
وارتباطا بالتعاقد، فما لا يذكره الوزير ومديرو الوزارة في الجهات هو أن الأكاديميات غير مؤهلة إطلاقا لهذا النوع من التوظيف، بدليل عدم قدرتها على القيام بالترتيبات الإدارية الخاصة بصرف رواتب الفوج الأول، بسبب عدم توفرها على موظفين مختصين، واضطرت أكاديمية الرباط مثلا إلى الاستعانة بمقاولة خاصة، ويعلم الله وحده من أي ميزانية تم صرف تكاليف اعتماد هذا المكتب، أما باقي الأكاديميات فاضطرت للتأخر شهورا لأنها استعانت بموظفين في مؤسسات تعليمية، فإذا كان هذا حالها مع 10 آلاف موظف من الفوج الأول فكيف سيكون حالها مع 24 ألف موظف إضافي؟
لقد قلنا إن استحالة إصلاح التعليم مصدرها الأساسي هو القرارات التي يتم اتخاذها دون تخطيط، منها بالإضافة إلى كل ما سبق، إلغاء تجديد المنهاج التربوي للتعليم الابتدائي بعد أن كلف الملايين من الدراهم وسنوات من العمل داخل فرق وطنية وجهوية متخصصة، ليتم الاكتفاء فقط بتغيير مناهج اللغة الفرنسية، فيما باقي المناهج ستبقى على حالها علما أن كلها بدون استثناء «بيريمي» تربويا وعلميا، هكذا ينضاف المغرب إلى دائرة الدول التي تحتضن عجائب الدنيا، وللأسف أن يكون تعليمنا تحديدا هو المحتضن الأول لهذه العجائب التي لا نجد لها مثيلا في كل دول العالم، وهذه حقيقة بدون مبالغة، فالمغرب هو الدولة الوحيدة التي نجد فيها مناهج تربوية يتم تدريسها لخمس عشرة سنة متتالية، علما أن المعدل العالمي هو ست سنوات فقط، والمغرب هو الدولة الوحيدة في العالم بأسره التي يتم فيها فتح ما يفوق 200 مدرسة خاصة في السنة الواحدة، وهو أيضا الدولة الوحيدة التي يدرس فيها تلامذة التعليم الابتدائي ثلاث لغات وبثلاثة أحرف مختلفة، هي الأمازيغية بحرف تيفيناغ والعربية بـ«الضاد» والفرنسية بالحرف اللاتيني، علما أن الجديد ابتداء من السنة المقبلة، هو أن تلامذة السنة الأولى سيشملهم هم أيضا «يحسن عوانهم» هذا التعميم لثلاث لغات، ولنا أن نتصور تلاميذ مثلا في جماعة تونفيت في قلب الأطلس المتوسط، يستعملون كلمة «ثادارت» للإشارة إلى المنزل، ومع دخولهم للسنة الأولى سيجدون أنفسهم مع أستاذ اللغة الأمازيغية يدرسهم حرف تيفيناغ يعلمهم كيف ينقلون كلمة «ثادارت» التي يستعملونها مع أسرهم من كلمة مسموعة إلى كلمة مكتوبة، وسيجدون أنفسهم أيضا أمام لغة جديدة تخبرهم بأن «ثادارت» إنما هي «منزل» وعليهم تعلم هذه الكلمة وآلاف غيرها كتابة وقراءة، ثم مادة أخرى في اليوم نفسه تجبرهم على أن يضعوا «ثادارت» و «منزل» جانبا ليتعلموا كلمة جديدة هي «maison»، وعليهم أن يتعلموا كيف يقرؤونها ويكتبونها هي وآلاف من الكلمات الأخرى. وعندما نقول بأن المغرب هو الأول في العالم الذي يحطم هذا الرقم القياسي، فلأن كل الأنظمة التعليمية، بما في ذلك الأنظمة التي تعرف تنوعا عرقيا وثقافيا كإسبانيا وكندا نجد أن التعلم بها يتم بلغتين فقط، ولا يتم الانفتاح على لغة ثالثة إلا في التعليم الإعدادي والثانوي، أي بعد أن يتم التحكم نهائيا في اللغة المحلية والوطنية، أي أن مجمل ما يتعلمه تلامذة فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وألمانيا هو ثلاث لغات طوال 12 سنة، الأولى للاستعمال المحلي والثانية للاستعمال الوطني وثالثة اختيارية تُستعمل في الاتحاد الأوروبي.
أما نحن، ولأننا حريصون على أن يكون نظامنا التعليمي من عجائب الدنيا فإن خبراء المجلس الأعلى اقترحوا ثلاث لغات في سنة واحدة، مع إضافة لغتين أخريين، في الإعدادي والثانوي، أي خمس لغات في المجموع، أربع منها إجبارية، هي الأمازيغية والعربية والفرنسية والإنجليزية، وخامسة اختيارية، إذ بدل أن يتم التركيز على لغتين ليتقنهما تلامذتنا، مثلما هو معمول به في كل دول العالم، فإنهم آثروا التعامل مع الواقع برومانسية، لأن مختلف النظريات العلمية في تعلم اللغات تتحدث عن كون تعلم أكثر من لغتين هو استثناءات تحتاج لمواهب خاصة ومجهود تعليمي خاص، وهو ما لا يتحقق عادة في نظامنا التعليمي العمومي، فلم يتساءلوا مثلا لماذا يفرضون على تلميذ يبلغ من العمر ست سنوات ثلاث لغات بشكل إجباري، وبعد مرور 12 سنة، وفي آخر سنة من سلك الباكالوريا نجده لا يتقن أية لغة، والدليل هو ما تقوله تقارير المجلس الأعلى نفسه، حيث إن نسبة تلاميذ الباكالوريا الذين وصلوا درجة الإتقان في اللغة الفرنسية لا يتعدون 4 في المائة، وأكثر من 70 في المائة منهم لهم مستوى دون المتوسط على الرغم من دراستهم لهذه اللغة مدة تجاوزت عشر سنوات، بمعدل يتجاوز 4 آلاف ساعة.
لذلك لسنا فقط أمام وضع يستحيل فيه تجاوز الأزمة بل نحن أمام وضع ندمن فيه الأزمة ونعشقها، لذلك ما فتئنا نبقي عليها مع كل حكومة جديدة وكل وزير جديد.
كل هذا وعندنا أكثر من 1200 أستاذ في مراكز تكوين الأساتذة «شوماج»، وتكلف رواتبهم الخزينة العامة أكثر من 15 مليون درهم شهريا، وبدل توظيفهم في تكوين هؤلاء المدرسين الجدد، فإن ضيق الأفق عند متخذي القرار في الوزارة فضل الإبقاء على هؤلاء بدون عمل لسنة كاملة، في حين يتم تعيين مدرسين جدد بدون أدنى معلومة عن طريقة التدريس أو طبيعة الأطفال الذين سيتم تدريسهم، كل هذا والسي حصاد متفائل بإصلاح التعليم، يعلم الله «كون كان متشائم».
وارتباطا بالتعاقد، فما لا يذكره الوزير ومديرو الوزارة في الجهات هو أن الأكاديميات غير مؤهلة إطلاقا لهذا النوع من التوظيف، بدليل عدم قدرتها على القيام بالترتيبات الإدارية الخاصة بصرف رواتب الفوج الأول، بسبب عدم توفرها على موظفين مختصين، واضطرت أكاديمية الرباط مثلا إلى الاستعانة بمقاولة خاصة، ويعلم الله وحده من أي ميزانية تم صرف تكاليف اعتماد هذا المكتب، أما باقي الأكاديميات فاضطرت للتأخر شهورا لأنها استعانت بموظفين في مؤسسات تعليمية، فإذا كان هذا حالها مع 10 آلاف موظف من الفوج الأول فكيف سيكون حالها مع 24 ألف موظف إضافي؟
لقد قلنا إن استحالة إصلاح التعليم مصدرها الأساسي هو القرارات التي يتم اتخاذها دون تخطيط، منها بالإضافة إلى كل ما سبق، إلغاء تجديد المنهاج التربوي للتعليم الابتدائي بعد أن كلف الملايين من الدراهم وسنوات من العمل داخل فرق وطنية وجهوية متخصصة، ليتم الاكتفاء فقط بتغيير مناهج اللغة الفرنسية، فيما باقي المناهج ستبقى على حالها علما أن كلها بدون استثناء «بيريمي» تربويا وعلميا، هكذا ينضاف المغرب إلى دائرة الدول التي تحتضن عجائب الدنيا، وللأسف أن يكون تعليمنا تحديدا هو المحتضن الأول لهذه العجائب التي لا نجد لها مثيلا في كل دول العالم، وهذه حقيقة بدون مبالغة، فالمغرب هو الدولة الوحيدة التي نجد فيها مناهج تربوية يتم تدريسها لخمس عشرة سنة متتالية، علما أن المعدل العالمي هو ست سنوات فقط، والمغرب هو الدولة الوحيدة في العالم بأسره التي يتم فيها فتح ما يفوق 200 مدرسة خاصة في السنة الواحدة، وهو أيضا الدولة الوحيدة التي يدرس فيها تلامذة التعليم الابتدائي ثلاث لغات وبثلاثة أحرف مختلفة، هي الأمازيغية بحرف تيفيناغ والعربية بـ«الضاد» والفرنسية بالحرف اللاتيني، علما أن الجديد ابتداء من السنة المقبلة، هو أن تلامذة السنة الأولى سيشملهم هم أيضا «يحسن عوانهم» هذا التعميم لثلاث لغات، ولنا أن نتصور تلاميذ مثلا في جماعة تونفيت في قلب الأطلس المتوسط، يستعملون كلمة «ثادارت» للإشارة إلى المنزل، ومع دخولهم للسنة الأولى سيجدون أنفسهم مع أستاذ اللغة الأمازيغية يدرسهم حرف تيفيناغ يعلمهم كيف ينقلون كلمة «ثادارت» التي يستعملونها مع أسرهم من كلمة مسموعة إلى كلمة مكتوبة، وسيجدون أنفسهم أيضا أمام لغة جديدة تخبرهم بأن «ثادارت» إنما هي «منزل» وعليهم تعلم هذه الكلمة وآلاف غيرها كتابة وقراءة، ثم مادة أخرى في اليوم نفسه تجبرهم على أن يضعوا «ثادارت» و «منزل» جانبا ليتعلموا كلمة جديدة هي «maison»، وعليهم أن يتعلموا كيف يقرؤونها ويكتبونها هي وآلاف من الكلمات الأخرى. وعندما نقول بأن المغرب هو الأول في العالم الذي يحطم هذا الرقم القياسي، فلأن كل الأنظمة التعليمية، بما في ذلك الأنظمة التي تعرف تنوعا عرقيا وثقافيا كإسبانيا وكندا نجد أن التعلم بها يتم بلغتين فقط، ولا يتم الانفتاح على لغة ثالثة إلا في التعليم الإعدادي والثانوي، أي بعد أن يتم التحكم نهائيا في اللغة المحلية والوطنية، أي أن مجمل ما يتعلمه تلامذة فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وألمانيا هو ثلاث لغات طوال 12 سنة، الأولى للاستعمال المحلي والثانية للاستعمال الوطني وثالثة اختيارية تُستعمل في الاتحاد الأوروبي.
أما نحن، ولأننا حريصون على أن يكون نظامنا التعليمي من عجائب الدنيا فإن خبراء المجلس الأعلى اقترحوا ثلاث لغات في سنة واحدة، مع إضافة لغتين أخريين، في الإعدادي والثانوي، أي خمس لغات في المجموع، أربع منها إجبارية، هي الأمازيغية والعربية والفرنسية والإنجليزية، وخامسة اختيارية، إذ بدل أن يتم التركيز على لغتين ليتقنهما تلامذتنا، مثلما هو معمول به في كل دول العالم، فإنهم آثروا التعامل مع الواقع برومانسية، لأن مختلف النظريات العلمية في تعلم اللغات تتحدث عن كون تعلم أكثر من لغتين هو استثناءات تحتاج لمواهب خاصة ومجهود تعليمي خاص، وهو ما لا يتحقق عادة في نظامنا التعليمي العمومي، فلم يتساءلوا مثلا لماذا يفرضون على تلميذ يبلغ من العمر ست سنوات ثلاث لغات بشكل إجباري، وبعد مرور 12 سنة، وفي آخر سنة من سلك الباكالوريا نجده لا يتقن أية لغة، والدليل هو ما تقوله تقارير المجلس الأعلى نفسه، حيث إن نسبة تلاميذ الباكالوريا الذين وصلوا درجة الإتقان في اللغة الفرنسية لا يتعدون 4 في المائة، وأكثر من 70 في المائة منهم لهم مستوى دون المتوسط على الرغم من دراستهم لهذه اللغة مدة تجاوزت عشر سنوات، بمعدل يتجاوز 4 آلاف ساعة.
لذلك لسنا فقط أمام وضع يستحيل فيه تجاوز الأزمة بل نحن أمام وضع ندمن فيه الأزمة ونعشقها، لذلك ما فتئنا نبقي عليها مع كل حكومة جديدة وكل وزير جديد.
رشيد نيني
تعليقات
إرسال تعليق