ظاهرة التنسيقيات التعليمية هل بداية أفول نجم النقابات الأكثر تمثيلية؟؟؟




لقد بات أو كاد، يقول البعض من المتتبعين للشأن التربوي، بإزاء تكريس جديد، لا بل وابتكار الطريقة والصيغة للدفاع عن "الحقوق المشروعة" للشغيلة التعليمية،
وأن ما بات يُصطلح على تسميته منذ فترة "فتور" العمل النقابي، لم يُسهم فقط في بروز "تنسيقيات" في الساحة التعليمية، - التنسيقية لأساتذة الزنزانة 9، التنسيقية لموظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات، التنسيقية الوطنية لضحايا النظامين ،التنسيقية الوطنية لموظفي وزارة التربية الوطنية المقصيين من خارج السلم، التنسيقية الوطنية للأساتذة المستبرزين، التنسيقية للأساتذة "الذين فرض عليهم" التعاقد، التنسيقية.....الخ -، بل أسهم أيضا في ظهور أشكال في التنظيم جديدة، لم تعد ترتكن إلى مفهوم النقابة، باعتبارها مستوى تأطيري ثابت، بقدر ما باتت ترتكز على مفهوم التنسيق، باعتباره فضاء يوفر بداخله أنماط العلاقات والتفاعلات والتعبيرات، تعذر على السلطات التربوية كبحها أو إعاقتها، فما بالك بإعمال الإجراءات القانونية للحد من تفريغها، أو تحجيم التجاوزات التي قد تبدو لها كذلك من منظورها.
وكما يرى البعض أن هذه التنسيقيات قد تكون قوضت، وإلى حد بعيد، "وضعيات المجد" التي انبنت عليها النقابات ولعهود طويلة، فإنها قد تكون أفرزت في الآن ذاته، فاعلين جددا، هم في معظمهم من خارج التيارات النقابية الأكثر تمثيلية، لكنهم غدوا، بفضل تلاحمهم وتعاضدهم واستماتتهم، منافسين حقيقيين لهذه النقابات، حتى وهم لا يتوفرون إلا على وسائل مادية ومالية زهيدة الثمن بمقياس قيمتها مقارنة مع ما تتوفر عليه النقابات.
البعض الآخر يرى أن من هذه التنسيقيات من لم تكن مستقلة مئة في المائة عن تيارات جمعوية سياسية، كما يذهب إلى ذلك البعض، بقدر ما عمدت إلى محاولة شد عضد كيان سياسي أو شبه سياسي قائم بذاته، بقدر ما هي امتداد له وتوسيع لمساحات فعله وتفاعله، أو إغناء لأدواته ووسائله ومكوناته.
إن بروز هذه التنسيقيات وانتشارها الواسع بين مختلف مكونات الجسم التعليمي، أدى إلى انبعاث ممارسات جديدة، ودفع إلى اعتماد أنماط جديدة لطرح وجهات نظر أعداد من نساء ورجال التعليم، حيث يتساءل الكثير من المتتبعين على دورها بالتحديد: هل هي أداة تواصل عادية؟ هل هي فاعل سياسي، أم نقابي، أم حقوقي؟ هل هي فاعل جمعوي؟ أم تراها فاعلا من نوع آخر يركب الظرف والزمان؟
وهل أضحت حقا وحقيقة ظاهرة سوسيولوجية بامتياز، وليست مجرد روافد مكملة لهيئات ومنظمات أخرى؟ وهل باتت في صلب العملية التعليمية برمتها، بمقياس عددها، كما بمقياس الاحتجاجات والاعتصامات والمسيرات التي تتبناها أو تشارك فيها أو إصدار البيانات والبلاغات؟
ليس ثمة من شك في أن البعض من هذه التنسيقات قد أسهمت في الترتيب للاحتجاجات الواسعة التي يعرفها القطاع التعليمي، كما يستطيع المتتبع الجزم، بخصوص هذه النقطة، بأن هذه التنسيقيات كانت أداة في بلورة المطالب والشعارات المرفوعة، بل ربما كانت وسيلة أخرى في ترتيب الاحتجاجات والمسيرات والاعتصامات، وتحديد أماكن ومواعيد الوجود أمام الوزارة والاكاديميات والمديريات الإقليمية التابعة لها.
ويبقى السؤال، هل نجحت هذه التنسيقيات حقا في تشكيل "قوى" فاعلة على أرض الواقع، أمام السلطات التنفيذية، لاسيما لدى رأي عام وطني؟ أم هي مجموعات لتنظيم الاحتجاجات والمسيرات فقط؟ وهل يمكن اعتبارها كيان مهني أو وظيفي تربوي متكامل؟ وهل لها الفاعلية اللازمة، حتى يستحق الانخراط فيها والمشاركة والمساهمة في تطويرها؟ وهل للسلطات التنفيذية القدرة على احتواءها وتفعيل قانون التنظيم المؤسساتي؟ أم ستترك "الجمل بما حمل"؟.
وإلى حين ما ستسفر عنه الأيام القليلة القادمة، هل هي بداية أفول نجم النقابات الأكثر تمثيلية؟
محمد جمال بن عياد

تعليقات

المشاركات الشائعة